PHOTO
21 11 2015
صفحات من الذاكرة
الحنين إلى الأيام الخوالي، تبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة من الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال.
المتحف البحري الكويتي التابع لإدارة الآثار والمتاحف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، شق طريقه باخلاص وأمانة للحفاظ على تراثنا البحري من قبل أربعة قرون إلى ما بعد ظهور النفط، وعندما كانت ديرتنا قرية ساحلية واعتماد أجدادنا على صيد الأسماك، ورحلات الغوص على اللؤلؤ وكانوا يبحرون عبر البحار والمحيطات لكي يحصلوا على لقمة عيشهم، وكذلك مياه الشرب كانوا يقطعون البحر حتى شط العرب للحصول عليها، هؤلاء الآباء والأجداد لن تضيع ذكرياتهم، فالمتحف البحري «هو المكان الصح)» لحفظ هذا التاريخ، وفيه كثير من القطع تذكرنا بنشأة الكويت كأمة بحرية، حتى أصبح شعار المتحف «نشق الطريق للحفاظ على تراثنا».
التقينا أمين المتحف البحري علي سعدي الشمري فقال: قام المجلس الوطني بتكليف الدكتور يعقوب الحجي وأنا معه عام 2006م في اختيار المواد والقطع الخاصة بالمتحف البحري وكانت متوافرة في مخازن الآثار والمتاحف، قمنا بغزر المواد مع وضع الشروحات اللازمة لها، ونقلت الى المتحف البحري، وبدأت الإدارة الهندسية التابعة للمجلس الوطني بالعمل معنا للتجهيز، وتم افتتاحه في يناير 2010 ضمن فعاليات «مهرجان القرين» وهذه القطع في الأصل كانت موجودة ومعروضة في المتحف الوطني وتعرض في المعارض وفي المناسبات، وأخيراً جاءت هذه الفكرة الطيبة بتأسيس متحف متخصص للأدوات البحرية والسفن وكل ما يتعلق بالبحر، ولا ننسى الدور الكبير الذي قام به الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف الأخ شهاب الشهاب، والآن يعتبر هذا المتحف مرجعا من مراجع حياة الأولين لأهل الكويت، وكذلك يشمل صناعة السفن، وتاريخ القلاليف وأدواتهم، وكل قطعة داخل المتحف البحري شرحها وتفاصيلها ومعلوماتها من د. الحجي.
أقسام المتحف
قال الشمري: المتحف مقسم الى عدة أقسام، وكل قسم معروض فيه وبشرح واف عن القطع الموجودة، فالقسم الأول يتحدث عن نشأة الكويت كأمة بحرية، فيه صور وخرائط ويشرح عن أهمية البحر منذ 400 سنة وعن جولات السفن الكويتية بين الموانئ من الساحل الهندي الغربي الى الساحل الأفريقي الشرقي.
القسم الثاني: يشمل القلافة (صناع السفن) البحرية يوضح تاريخ القلاليف، والخدمات التي قدمت في هذا المجال، وحققوا أمنيات كثيرة للتجارة الخارجية، وفيه شرح في صنع السفن لرحلات بواسطة الأشرعة، وأثبتوا انها من أفضل ما صنع من السفن، وهذا القسم يشرح ويبين مدى مهارتهم حتى وصلوا الى انهم من الاساتذة، وكثير من الخليجيين كانوا يأتون الكويت ليتعلموا صناعة السفن من هؤلاء القلاليف، وفي هذا القسم أجزاء السفينة الداخلية لنعرف طلابنا وزوارنا الضيوف القطع التي صنعت مثل: الصواري (الدقل، العود والدقل القلمي)، والفرمن جمع (فرمن) والدستور، والجامعة (الغنص) والمالك (المالج، القيطان، القائم.. الخ).
أما القسم الثالث: الأدوات الحديدية التي كانت تستخدم في صناعة السفن من قبل الحدادين الذين امتازوا بالاتقان منها: المسامير، والجدوم والن، والبلد والمنقر (المنكر) والفأس والسكينة والمطرقة والمنشار والباورة والسن.
وعلى الرغم من بساطة الأدوات المحلية، وصلت السفن إلى البحار والمحيطات، وفي القسم توجد عمارة لبيع الأدوات البحرية.
وقال الشمري: في المتحف قسم خاص عن المياه وكيفية الحصول عليها عن طريق الأبوام بعد ان زاد عدد السكان، بدأ القلاف الكويتي بصنع البوم لنقل مياه شط العرب إلى الكويت بعد ان كان الاعتماد على مياه الآبار، في هذا القسم بوم خاص لهذا الغرض وهذا القسم الرابع، أما الخامس: قسم النقل الساحلي يشرح السفن التي كانت تنقل الصخور من منطقة العشيرج إلى السيف بالقرب من الجمرك القديم، لبناء البيوت، وهذه السفينة تسمى «التشالة» من صنع القلاليف من أهل الكويت، وهي سفينة شراعية تشبه البوم ولكنها متوسطة الحجم، وهذا النقل الساحلي بلغت أهميته مما جعل الحكومة الكويتية تنشئ شركة مساهمة للنقل والتنزيل، ولم تسلم أية «تشالة» كويتية من الاندثار، وهناك سفينة واحدة كانت تعمل في شركة «حمال باشي» من الاسطول من سفن النقل الساحلي، كانت راسية في نقعة الشملان، وكانت معروضة للبيع فاشتراها أحد التجار الخليجيين، وأخيراً تمت استعادتها من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهي الآن موجودة في الساحة الشرقية للمتحف البحري الكويتي إنها «الحزمي» التي صنعها الأستاد المشهور احمد بن سلمان في الاربعينات من القرن الماضي.
والقسم السادس: خاص بالغوص على اللؤلؤ له أهمية عند الكويتيين لما بذلوا من جهود وضحوا لأجل لقمة العيش، حرفة الغوص مارسها أهل الكويت منذ النشأة وحتى الثلاثينات من القرن العشرين، هذا القسم يشرح للزوار موسم الغوص، ومغاصات اللؤلؤ، وجمع المحار، والسفن المستخدمة في الغوص على اللؤلؤ، وفيه أدوات الغوص من الديين والفطام والزبيل والحجر وأدوات أصابع اليد، ولا شك ان حياة البحارة على السفينة شاقة وصعبة، وفي القسم أنواع السفن الخاصة للغوص مثل: البتيل - البقارة - الجالبوت - السنبوك - الشوعي، وهذه مهنة المتاعب، لم تجد بيتاً في القديم إلا وفيه منهم: النوخذة والجعدي، والمقدمي والغيص والسيب، والقسم فيه أيضاً الصندوق الخشبي (البشتختة) وفيه أدوات الطواشة (تجارة اللؤلؤ) لفحص اللؤلؤ، والبراوي او البروات جمع (بروة) هي الاتفاقية او الوثيقة الرسمية، ودفاتر الحكومة وقوانينها.
القسم السابع في المتحف البحري يحتوي على حرفة صيد الاسماك، يعتبر من أقدم الحرف التي مارسها سكان الكويت الأوائل فيه نموذج لحظرة تلك الاعواد من القصب لصيد الأسماك وصورة عن الورجية القارب المصنوع من القصب أو جديد النخل، تسير الورجية بوساطة المجاديف باتجاهين، الورجية استخدمت لصيد الاسماك، وفي القسم ميادير جمع «ميدار» صنارة الصيد، والبلود جمع «بلد» من الرصاص على شكل هرمي، وخيوط الصيد من النايلون.
وحول القسم الثامن تحدث الشمري أمين المتحف فقال: يحتوي على السفر الشراعي أي السفر بواسطة السفن الشراعية التي لعبت دورا كبيرا، وساعدت على ازدهار الكويت ونمو اقتصادها في تلك الفترات، قبل ظهور النفط قامت في جلب الاخشاب والسلع الغذائية، ومواد البناء، وكذلك في نقل التمور من البصرة الى شرق افريقيا والى الهند، وفي القسم نموذج لبوم السفار الذي يعتبر من أروع ما صنع في الكويت نظرا لجودته وجماله وأهميته، فوضع هذا البوم على العملة الكويتية (نصف دينار)، ويوجد صندوق مشبك من الحبل والعقد البحرية والديرة والاسكار والكمال، ونموذج لبوم كطاع (قطّاع) لنقل البضائع الى موانئ الخليج العربي.
وحول بوم المهلب المشهور للتاجر ثنيان الغانم قال: أوصى صانع السفن الشراعية المشهور محمد بن عبدالله الاستاذ ببناء هذه السفينة، ويعتبر افضل من صنع في الكويت، فقد قام ثنيان الغانم باحضار أفضل أنواع الاخشاب الهندية الى الكويت، وبدأ العمل في هذه السفينة في عام 1937، ففي أوائل الخمسينات من القرن الماضي، بقيت واقفة أمام منزل صاحبها حتى تم وضعها في متحف الكويت الوطني كتذكار، ولكن جيش النظام البائد في العراق في عام 1990 اشعلوا فيها النار، ولم يبق لدينا اليوم سوى بعض الصور الفوتوغرافية التي تذكرنا بها، وجزء من البنديرة والباورة والدوار، ففي عام 1994 تم بناء المهلب والآن موجود في المتحف الوطني.
ومن ثم انتقلنا الى الساحة الخارجية للمتحف البحري شاهدنا 3 أبوام، بوم حربي يسمى بوم القطاعة الذي كان يتنقل بين موانئ الخليج أخيرا رجع الى اصله على ارض الكويت في ساحة المتحف،وبوم الباز مازال صامدا في ساحة المتحف بعد أن بيع ورجع الى ارض الكويت، وهو بوم لنقل المياه من شط العرب الى بلدنا في تلك السنوات، وبعد علم الأخوة الأعزاء في المجلس الوطني للثقافة والفنون بأن هناك بوما موجودا في ميناء من موانئ ايران، تم شراؤه بعد فحصه من قبل الدكتور يعقوب الحجي وبعض القلاليف وإجراء صيانة كاملة، والآن بوم (الباز) في ساحة المتحف البحري، والسفينة الثالثة في ساحة المتحف تسمى «لنج غزال» آخر لنج صنعه الحاج علي عبدالرسول الذي يعتبر من كبار صناع السفن صنعه في 1982، وهو آخر سفينة لصيد الاسماك مصنوعة من الخشب، وهذا نموذج علينا أن نشاهده لأن السفن تطورت الآن واصبحت طراريد من «فيبر جلاس».
الغناء البحري
وذكر الشمري الفن الكويتي البحري الذي كان يقام على السفينة لحاجة البحارة الى الراحة بعد العمل الشاق خلال رحلتهم التي تستغرق أشهرا، فالغناء البحري الكويتي كان مشجعا وراحة وينسي البحارة التعب وهموم البحر، ويخفف من معاناتهم فكان النهام (المطرب البحري) الذي كان يشد الصوت والسمعة وهو يصيح بالكلمات من المواويل الشعبية، فكان الغناء البحري هو المنتجع الوحيد بعد العناء الطويل في النهار، وكان النهام يحتفظ بدفتر فيه العديد من المواويل، وكان يصيح بصوته الحزين والمفرح لكل بحار وتخصصه من رفع الشراع والتجديف والخطف، وحتى طلاء السفينة يصاحبه فن من فنون البحر، ولقد اشتهر كثير من ابناء الكويت في السابق منهم: عبدالعزيز الدويش، وعتيج بن شريدة وجوهر السيد، وسالم المرطة، ومحمد القشطي، وفي المتحف قسم خاص للغناء البحري في الكويت.
معلم سياحي
ليس من شعب إلا وله تراث وموروث في مختلف حياتهم، وهذا الشعب الكويتي يفتخر بتراثه البحري والبري، وما تركه الآباء والأجداد، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مهتم أشد الاهتمام لتوصيل وتعليم الجيل الحالي والأجيال القادمة من معلومات وتراث، وخاصة الطلبة والطالبات، فلذلك أقيم هذا المتحف، وأصبح معلما سياحيا وتاريخيا، ولله الحمد يوجد تعاون كبير بين وزارة التربية والإدارة لقيام الطلبة بزيارات مستمرة للمتحاحف في الكويت. وقال الشمري: وأيضا هناك زيارات لسياح وضيوف الكويت من العرب والأجانب، ومتحف التراث البحري مفتوح أيام الاسبوع من الساعة 8.30 ــ 12 ظهرا ومن 4 ــــ 8 عصرا عدا يوم الأحد للصيانة، ويوم الجمعة بعد الظهر.
وفي المتحف البحري عدد من المرشدين والادلاء لشرح وإرشاد الزوار لما فيه، وعرض سينمائي يشمل الرحلات البحرية القديمة، وتوجد كتيبات توزع مجانا على الطلبة، وأيضا التصوير مسموح لكل من يرغب، وفي المناسبات والاحتفالات الوطنية يقوم المتحف بعرض الفن البحري في الساحة الواسعة، ولله الحمد بجهود المخلصين في المجلس الوطني بلغ عدد زوار المتحف خلال سنة كاملة تقريبا 4000 زائر، ونحن نتقبل أي ملاحظات وارشادات نضعها في عين الاعتبار.
اضاف الشمري: نتقبل الإهداءات الخاصة بالتراث البحري الكويتي، فالمتحف خير مكان لحفظ المقتنيات، وتراث الآباء، وكثير من هذه القطع ضاعت ودمرت بعد وفاة الأب والجد، وإدارة المتحف تخصص وتحرص على جمع هذه المقتنيات التي تعكس الحياة الاجتماعية والمعيشية القديمة في الكويت، والحفاظ عليها من واجباتها الوطنية.
© Al Qabas 2015








