ليس هناك خلاف على استمرار البنك الفيدرالي الأمريكي في الحفاظ على أسعار الفائدة الأساسية عند قمتها الحالية في نطاق بين 5.25% و5.50% في اجتماع 19-20 مارس ولكن الخلاف يكمن في وتيرة الانتقال من سياسة نقدية تقييدية إلى سياسة نقدية توسعية.

 

المعطيات الحالية 

تشير توقعات الفيدرالي إلى احتمالية خفض الفائدة الأساسية ثلاث مرات خلال عام 2024 لتصل إلى 4.6% مع نهاية العام.  وهذا يعني أن هناك اتفاق على المبدأ ولكن هناك اختلاف على التوقيت نظرا لأن البيانات الواردة غير كافية لتبرير الانتقال إلى سياسة نقدية توسعية بصورة عاجلة. 

أولا، ما زال معدل التضخم أعلى من المستهدف. فطبقا لآخر بيان صادر عن شهر فبراير 2024، بلغ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة 3.2% وهي نسبة أعلى من مستهدف الفيدرالي البالغ 2.0% وهي أيضا أعلى من توقعات المحللين للشهر البالغة 3.1%. 

ثانيا، ما زال سوق العمل يشير إلى استمرار الزخم في معدلات التوظيف مما يثير مخاوف من تنامي الضغوط على الأسعار نتيجة ارتفاع الأجور. فنسبة البطالة استقرت تحت الـ 4% (3.9%) للشهر الرابع والعشرين على التوالي وهو معدل أقل كثيرا من المتوسط التاريخي والذي يقارب الـ 5.7%.  

ثالثا، بالرغم من اتساع الفارق ما بين العائد على السندات الحكومية استحقاق عامين واستحقاق عشرة أعوام - أو ما يعرف بالـ 2YR/10YR spread - خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى سالب 42 نقطة أساس، إلا أن الفارق ما زال أقل كثيرا من الـ 1.1% التي تم تسجيلها منذ عام مع ظهور بوادر أزمة مالية في بعض المصارف الأمريكية. 

رابعا، طبقا لآخر بيانات واردة عن نمو الاقتصاد الأمريكي، بلغ معدل النمو الحقيقي العام الماضي 2.5% مقارنة بـ 1.9% في عام 2022 ويقارب متوسط معدل النمو طويل الأجل (حوالي 3%) والذي يعرف بالـ trend growth rate. 

خامسا، نظرا لسيطرة الفيدرالي على توقعات التضخم طويلة الأجل، انخفضت أسعار الفائدة الثابتة على قروض الرهن العقاري لمدة 30 عام بنسبة 1% تقريبا من 7.7% في أكتوبر الماضي إلى 6.7% حاليا مما أدى إلى ارتفاع في طلبات إعادة تمويل قروض الرهن العقاري القائمة بأسعار فائدة مرتفعة. 

 

ضغوطات تلوح في الأفق 

بدأت نسبة القروض المتعثرة على مستوى كل البنوك الأمريكية في الارتفاع تدريجيا من 1.2% في الربع الثاني للعام 2023 إلى 1.4% في الربع الأخير من 2023. وبالرغم من أن النسبة ما زالت في الحدود الآمنة إلا أنها تشير إلى بدء ظهور آثار ارتفاع أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين. 

وتشير توازنات المخاطر (balance of risks) إلى أن التضخم ما زال هو الهاجس الأكبر. 

فطبقا لما سبق، فمن الواضح أن البيانات الواردة تشير إلى أن خطر انفلات معدلات التضخم مرة أخرى يفوق خطر الركود وارتفاع معدلات التعثر في القطاع المصرفي. و لذا، من المرجح أن يشير الفيدرالي إلى احتمال إرجاء قرارات خفض الفائدة إلى حين ظهور بيانات مؤكدة تشير إلى تحقيق معدل التضخم المستهدف خلال العام.

ولذلك فإن البدء في خفض الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس في اجتماع يونيو المقبل مع تشديد اللهجة تجاه أي مخاطر تضخمية محتملة قد يكون القرار الأمثل طبقا للمعطيات السابق ذكرها.

 

(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي ومحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

(للتواصل zawya.arabic@lseg.com)