يتوجه التونسيون يوم السبت إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب نواب برلمانهم وسط أزمة سياسية واقتصادية طاحنة دفعت بأغلب أحزاب المعارضة إلى إعلان مقاطعتها للانتخابات في خطوة تعني لعدد كبير من الأحزاب السياسية نهاية  "الديمقراطية الناشئة" في شمال إفريقيا بخلق برلمان صوري بلا معارضة.

وتنتهي الجمعة الحملة الانتخابية، التي انطلقت يوم 25 نوفمبر، بمشاركة 1055مرشح. ووفقا لقانون انتخابي جديد، سيتنافس المرشحون على الفوز بـ 161 مقعد في مجلس نواب الشعب (البرلمان) بدل من 217 مقعد سابقا.

والبرلمان الجديد ستكون صلاحياته - مثل عدد نوابه - أقل بموجب دستور جديد أٌقر يوليو الماضي في استفتاء جاء بنتيجة 94.6% لصالح "نعم" و5.4% ل "لا"، وصاحبه مخاوف وانتقادات داخلية وخارجية من أن التعديلات تزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية وأنه تم بنسب مشاركة وصفت بالضئيلة حيث لم تتخطى 28%.

وعلى خلاف الدستور السابق، قلص الدستور الجديد مجالات تحرك النواب ونزع منهم صلاحية المراقبة والمساءلة للعمل الحكومي والوزراء. ووفق المادة 115 من الدستور الجديد، لا يمكن للبرلمان إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها بالتصويت إلا بتأييد ثلثي النواب، بعدما كانت تتم بتأييد النصف زائد واحد في الدستور السابق.

وبدت شوارع العاصمة التونسية خالية من أي مظاهر لحملات المرشحين أو صور وملصقات حائطية حول برامجهم الانتخابية فيما انغمس التونسيون في البحث عن بعض المواد الأساسية المفقودة غير مهتمين بمعرفة أسماء المرشحين في ظل مقاطعة أغلب الأحزاب السياسية للانتخابات البرلمانية رفضا للرئيس قيس سعيد.

وقام الرئيس التونسي سعيد بحل البرلمان مارس الماضي بعد أن جمد أعماله والدستور وحل الحكومة في 2021 مرجعا أسباب قراراته للحفاظ على مؤسسات الدولة ضد الفساد والإرهاب. وكان حزب النهضة الإسلامي يسيطر على البرلمان. ورأى محللون أن قرارات سعيد جعلته منفردا بالسلطة وحجمت حزب النهضة.

" لا أعرف أسماء المرشحين ولن أذهب للانتخابات. ماذا سنستفيد، لا شيء غير مزيد من الفقر ،" هكذا جاء رد أحمد بن بلقاسم، 45 سنة، بائع ملابس مستعملة في سوق حي التضامن الشعبي بالعاصمة، عن إذا ما كان سيشارك في الانتخابات.

وأضاف لزاوية عربي "منذ أكثر من عام لا يوجد زيت ولا سكر ولا حليب. نحن نجوع ...هل سأطعم أطفالي انتخابات وديمقراطية".

ويتذمر التونسيون، منذ أشهر، من فقدان العديد من المواد الأساسية المدعمة على غرار السكر والحليب والزيت ومن ارتفاع أسعارها إن وجدت، فيما يتوقع مراقبون أن يحمل قانون موازنة العام الجديد مزيد من الإجراءات الصعبة تعمق معاناة الفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة على حد السواء. 

وتتوقع تونس أن يصل العجز في ميزانيتها خلال عام 2022 إلى 9.8 مليار دينار تونسي (حوالي 3 مليار دولار).

وعدَّل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، يوم الأربعاء، جدول اجتماعاته للفترة من 14 إلى 22 ديسمبر دون إدراج ملف تونس ضمنه، بعدما كان نشر سابقا على موقعه الإلكتروني أنه سيكون هناك اجتماع يوم 19 من الشهر الحالي بشأن تونس.

وكان من المتوقع أن يوافق صندوق النقد الدولي في هذا الاجتماع على إقراض تونس 1.9 مليار دولار على 4 سنوات. وقالت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصية  لزاوية عربي إن اجتماع صندوق النقد تم تأجيله إلى يناير 2023 بدون ذكر أسباب التأجيل.

المعارضة: " لن نكون شاهد زور على تأسيس نظام دكتاتوري"

وأعلن أكثر من 11 حزب مقاطعته الانتخابات التشريعية منهم أحزاب كبرى على غرار "النهضة" ذو مرجعية إسلامية، و"قلب تونس"، الحزب الليبرالي وثالث أكبر كتلة في البرلمان المحل، الحزب الدستوري الحر هو حزب ليبرالي، من أكبر الأحزاب المعارضة ورئيسته عبير موسي وهي من أنصار الرئيس السابق زين العابدين بن علي و"ائتلاف الكرامة" الحزب المحافظ والمعارض البارز لقرارات سعيد.

وسعت "جبهة الخلاص الوطني"، التي تضم عدد من أحزاب المعارضة من بينها حركة النهضة الاسلامية، لحشد الشارع عبر مظاهرات مناهضة لإجراء الانتخابات، في محاولة لإسقاط المشروع السياسي للرئيس سعيد وإيقاف خارطة الطريق التي تضمنت دستور وبرلمان جديد هذا العام.

وفي ديسمبر الماضي، كشف سعيد عن خارطة طريق لإنهاء التدابير الاستثنائية التي اتخذها في يوليو 2021، حيث أعلن عن تنظيم استفتاء بشأن دستور جديد حدث يوم 25 يوليو الماضي وأٌقر بعدها إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022، وفقا لقانون انتخابي جديد صاغته لجنة عينها الرئيس سعيد.

وينص الدستور الجديد أن الرئيس يعين رئيس الحكومة وبقية أعضائها وله حق إنهاء مهامهم. ووفق المادة 106 من الدستور الجديد تتضمن صلاحيات الرئيس إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة باقتراح فقط من رئيس الحكومة.

وبحسب قانون الانتخابات الجديد سيختار التونسيون مرشحيهم على أساس فردي بدلا من قائمة حزبية واحدة، وهو ما قد يقلص دور الأحزاب السياسية في البرلمان.

وكان التصويت منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011 يتم على القائمات الحزبية والمستقلة.

"الانتخابات التشريعية غير شرعية.. الرئيس قيس سعيد اغتصب السلطة ودمر المؤسسات الدستورية ووضع دستور على مقاسه ...البرلمان القادم سيكون مشوه ولن يضم إلا الموالين له،" بحسب رئيس "جبهة الخلاص الوطني " أحمد نجيب الشابي لـ"زاوية عربي".

وفسر مراقبون فتور الحملة بمقاطعة عدة أحزاب للاقتراع. وتتهم أحزاب المعارضة سعيد بتغيير نظام الاقتراع وتقليص دور الأحزاب في البرلمان وإضعاف نفوذها مقابل تعزيز سلطاته نحو تأسيس نظام حكم الفرد الواحد، غير أن سعيد نفى ذلك في أغلب خطاباته، معتبرا هذه الاتهامات غير صحيحة ومحض افتراءات.

لكن الشابي يرى أن مقاطعة الأحزاب للانتخابات التشريعية تعتبر أحد الحلول لوقف مسار قيس سعيد الذي تعتبره جبهة الخلاص المعارضة "انقلاب على الشرعية".

قال الشابي " لن نكون شاهد زور على تأسيس نظام دكتاتوري".

وتابع "برلمان دون معارضة هو برلمان غير شرعي.. والمطلوب تشكيل حكومة إنقاذ لمعالجة الأزمة الراهنة وتوحيد التونسيين على كلمة واحدة ".

 خطورة مسار غامض

ووصف نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، ذو النفوذ القوي، خلال تجمع عمالي أمام مبنى الاتحاد الأسبوع الماضي، أن تونس مقبلة على انتخابات "بلا لون ولا طعم"، محذرا من المسار السياسي للرئيس التونسي قيس سعيد والانتخابات المقررة يوم السبت.

وقال الطبوبي "لم نعد نقبل المسار الحالي بسبب التفرد والغموض والمفاجآت غير السارة التي يخفيها (الرئيس) لمصير البلاد والديمقراطية".

وتابع الطبوبي "انتخابات 17 ديسمبر لن يكون لها لون ولا طعم.. هي نتيجة لدستور يفتقر إلى الإجماع الوطني والتشاركية".

 مؤيدو الرئيس: الانتخابات التشريعية خطوة مهمة 

لكن أحزاب مؤيدة للرئيس سعيد اختارت المشاركة في الانتخابات والمنافسة على مقاعد البرلمان المقبل على غرار حزب "حركة الشعب" وحزب "تونس إلى الأمام" وحزب "التيار الشعبي".

وتعتبر هذه الانتخابات خطوة مهمة لاستكمال إرساء جمهورية جديدة تقطع مع سلبيات ال10 سنوات الأخيرة التي أعقبت سقوط نظام بن علي عام 2011، بعد مظاهرات شعبية ضده كانت بداية ما سمي بالربيع العربي و أعقبتها مظاهرات مماثلة في عدة دول عربية أسقطت أنظمة في مصر وليبيا.

وقال القيادي ب"حركة الشعب" التي ستشارك في الانتخابات ووزير التجارة الأسبق محمد المسليني، لـ"زاوية عربي"، أن مقاطعة بعض الأحزاب للانتخابات التشريعية لن تؤثر على سير العملية الانتخابية في تونس ولن تؤثر على البرلمان القادم.

 وتعتبر "حركة الشعب" من الأحزاب القومية القليلة القريبة من الرئيس سعيد وأبرز القوى الحزبية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية. 

 وأضاف المسليني "هناك أحزاب تدّعي مقاطعة الانتخابات لكنها مشاركة فيها حيث تقدموا بمرشحين مستقلين".

وتابع " رغم المقاطعة.. البرلمان القادم سيفرز مشهد سياسي سليم ومعارضة حقيقية تقطع الأخطاء والممارسات التي كانت سائدة في البرلمان السابق".

مشهد سياسي جديد في تونس

يقول الكاتب والمحلل السياسي التونسي محمد اليوسفي لـزاوية عربي "تونس تحتاج اليوم بشكل عاجل إلى حوار سياسي يخرج البلاد من النفق المظلم الذي تعيشه فضلا عن قرارات اقتصادية واجتماعية عاجلة تنهي شبح الإفلاس وفرضية الانفجار الاجتماعي الذي بات على الأبواب".

ويعاني اقتصاد تونس من أزمة منذ 2021 بسبب كوفيد -19 والحرب الروسية - الأوكرانية وذلك بالإضافة للأزمة السياسية القائمة منذ نحو عام ونصف.

ارتفع العجز التجاري في تونس خلال الـ 11 أشهر الأولى من العام الجاري إلى مستوى قياسي بحوالي 58.9%،  لنحو 23.3 مليار دينار تونسي (7.24 مليار دولار) مقابل نحو 14.7 مليار دينار في نفس الفترة من العام الماضي.

وتجاوز العجز التجاري لقطاع الطاقة 9.2 مليار دينار (39.5 % من العجز الكلي) مقابل 4.5 مليار دينار خلال ال11 أشهر الأولى من سنة 2021.

وأضاف اليوسفي أن مقاطعة عدد كبير من الأحزاب للانتخابات ستمثل "ضربة قاصمة" للمسار الانتخابي وستؤدي إلى إضعاف مشروعية العملية السياسية.

وتابع "نحن إزاء دولة قيس سعيد وقوانين قيس سعيد ودستور قيس سعيد وهيئات قيس سعيد".

في المقابل، أكد الكاتب الصحفي التونسي المتخصص في الشؤون السياسية خليفة شوشان لـ"زاوية عربي" إن "الانتخابات التشريعية القادمة ستغير المعادلة السياسية في البلاد بشكل جذري وستخلق مشهد سياسي جديد وفاعلين سياسيين جدد".

واعتبر شوشان إن " الطبيعة البراغماتية للأحزاب.. وعدم قدرتهما على العيش خارج دائرة الحكم، سيدفع بها إلى ترشيح ببعض أنصارهما.. أو دعم مرشحين مستقلين لضمان تمثيلية في البرلمان القادم تكون بمثابة القاعدة المتقدمة لهما لمواصلة معركتهما السياسية ضد سعيد للعودة إلى السلطة".

وسيتم الإعلان عن النتائج الأولية ما بين 18 و20 ديسمبر، أما الإعلان عن النتائج النهائية فسيكون يوم 19 يناير 2023، بعد البت في الطعون.

 

 

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا