* تم نشر القصة يوم 3 أبريل وتحديث موقعها على زاوية يوم 4 أبريل

على الرغم مما حملته بداية عام 2023 من أوجاع قاسية لسوريا بفقدان آلاف السوريين حياتهم من جراء الزلزال المدمر، وما ترتب عليه من خسائر مادية تُقدر بنحو 5.1 مليار دولار، إلا أنه على الصعيد السياسي لا يبدو الوضع بهذه القتامة، فربما يحمل هذا العام انفراجة لسوريا بعد سنوات من القطيعة. 

ففي خضم التداعيات المدمرة للزلزال -الذي ضرب تركيا أيضا موديا بحياة عشرات الآلاف هناك- كانت هناك مكاسب سياسية ليست بهامشية لسوريا، فقد فُتحت لأول مرة منذ سنة 2011 -عام اندلاع الثورة بالبلد- قنوات اتصال بينها وبين دول عربية لم تكن تتعامل مع النظام السوري.  

وإلى جانب المساعدات من بلدان عربية، تلقى الرئيس السوري لأول مرة منذ ما يقارب العقد اتصالات هاتفية من زعماء الأردن ومصر والبحرين، أعقبها زيارات دبلوماسية لوزراء خارجية مصر والأردن، بل والأكثر من هذا إعلان رسمي من تونس برغبتها في استعادة العلاقات مع دمشق، وتصريح سعودي ببدء محادثات مع دمشق لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية في البلدين. 

إضافة إلى هذا، فقد زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد القاهرة مطلع أبريل الجاري، وهناك أنباء عن دعوة السعودية للرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في مايو المقبل، لكن المملكة لم تؤكد هذا الخبر بعد. 

"زلزال الفرصة"  

يرى باحثان سياسيان تحدثت إليهما زاوية عربي أنه بالنظر إلى تلك التطورات المتسارعة فيمكن وصف زلزال فبراير بأنه "زلزال الفرصة" لسوريا أو "الباب" الذي مكَّن الدول العربية من التواصل رسميا مع النظام السوري. 

ويقول أحمد الباز الباحث في شؤون الخليج العربي والشرق الأوسط والمدير التنفيذي لمركز رؤية للدراسات الاستراتيجية سابقا -وهو مركز بحثي يركز على منطقة الشرق الأوسط- إن هذا بالطبع "مكسب سياسي مفاجئ لنظام الأسد"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هذا المكسب لم يكن ليتم لولا وجود تحركات ونوايا عربية قد بدأت منذ نحو 3 سنوات بترتيب إعادة سوريا لمحطيها العربي بعد استمرار نظام الأسد بالحكم وفشل الإطاحة به.

"محاولة الإطاحة بالأسد عسكريا لم تفلح، وبناء عليه فإن مخططي السياسات يدركون تماما أن ربط عودة سوريا إلى الجماعة العربية لحين ترتيب وسيلة تضمن عدم وجود الأسد على سدة الحكم إنما هو درب من دروب الخيال،" بحسب ما قاله الباز في حديثه إلى زاوية عربي.

وأضاف: "وبالتالي نحن بصدد مكسب (حاليا) بالنسبة للأسد كونه سيظل حاضر في مشهد القيادة السورية أثناء عملية عودة سوريا للجماعة العربي". 

وهنا يشير الباحث إلى أن المقصود بـ"الجماعة العربية" هو المنطقة العربية بكافة مكوناتها. 

وتشهد سوريا منذ اندلاع احتجاجات على حكم الأسد في مارس 2011 عمليات اقتتال أدت إلى حرب أهلية، لم يتوان الرئيس السوري خلالها عن شن حملة دامية على معارضيه، وهو ما أدى إلى مقتل 350,209 شخص بينهم 306,887 مدني خلال 10 سنوات، وهو أعلى رقم قُدّر لقتلى مدنيين سقطوا مباشرة في نزاع، وفق تقرير للأمم المتحدة في يونيو الماضي. 

ونتيجة لحملة القمع التي شنها نظام الأسد، قررت جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011 تعليق عضوية سوريا، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية وسياسية ودعت الدول العربية لسحب سفراءها لدى البلد. لكن حكومة الأسد صمدت على مدار السنوات الماضية في وجه التعهدات الدولية بإسقاطها. 

وخلال تلك السنوات كانت هناك تقارير عن تعامل بعض الحكومات العربية سرا مع نظام الأسد، لكن الحليف الأقرب للنظام السوري كان إيران، التي كانت نفسها خصم لدود لدول عربية أولها السعودية، وهي عداوة باتت الآن أمر من الماضي بالنظر إلى إعلان طهران والرياض مؤخرا نيتهما استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. 

ويرى المحلل أن الزيارات الدبلوماسية العربية لسوريا في أعقاب الزلزال كانت تحمل في طياتها ما هو أكثر من مجرد تضامن مع بلد منكوب، مشيرا إلى أن "الدول العربية -مصر والإمارات- التي أخذت على عاتقها زمام المبادرة باستعادة سوريا إلى الجماعة العربية لم تكن لتستطيع بمفردها القيام بهذه المهمة، وقد أتى الزلزال ليوفر مبرر للدول العربية الأخرى التي كانت لا تزال مترددة بقبول الأسد". 

وعليه فيُمكن وصف الزلزال بأنه "زلزال الفرصة وطوق نجاة سيساهم في تحفيز وتسريع عملية تعويم (عودة وتفاعل) الأسد إقليميا على الأقل"، وفق المحلل. 

ويقول هادي وهاب الباحث المتخصص في سياسة الشرق الأوسط، لزاوية عربي، إنه "كان هناك تواصل وثيق حاصل بين دول عربية مثل الإمارات وسوريا لكن ثمت ما عرقل الأمر سابقا، وهناك تواصل أيضا مع السعودية والأردن كما علم في الفترة الأخيرة. لذلك قد يكون الزلزال الباب الذي أمكن الدخول منه". 

ولدى الإمارات علاقة جيدة مع نظام الأسد، فقد أعادت في عام 2018 فتح سفاراتها في دمشق، وزار الرئيس السوري أبوظبي في مارس 2022، وهي زيارة انتقدتها واشنطن، ووصفتها بأنها محاولة واضحة لإضفاء الشرعية على نظام الأسد. كما كرر تلك الزيارة مرة أخرى في مارس 2023. 

وفي مطلع مارس في أعقاب الزلزال وما تلاه من اتصالات عربية مع دمشق، صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بأن زيادة التواصل مع سوريا قد تمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه من السابق لأوانه مناقشة مثل هذه الخطوة. 

وفي قت لاحق من مارس 2023، كشفت وزارة الخارجية السعودية عن بدء محادثات بين الرياض ودمشق لاستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين.

"نحن بصدد محاولات حقيقية وواضحة لكسر عزلة سوريا، هناك دول عربية متشجعة للأمر وتقود هذه المهمة...(وهي) مصر والإمارات والأردن المهتمة أكثر من أي دولة عربية بإنهاء الحرب للتخلص من الضغط الذي تشكله التهديدات الأمنية وأفواج اللاجئين"، وفق الباز الباحث في شؤون الشرق الأوسط. 

وتسبب الصراع السوري في تكبد البلدان المجاورة لسوريا في منطقة المشرق خسائر اقتصادية واجتماعية "فادحة" بسبب التدفقات الهائلة للاجئين، إلى جانب التداعيات الأخرى التي تتعلق بالمسارات التجارية والمالية، وفق البنك الدولي. 

"مكسب اقتصادي أيضا" 

يرى المحلل وهاب أن التطورات الأخيرة هي أيضا مكسب لسوريا على الصعيد الاقتصادي بالنظر إلى أن الوضع  كان يزداد سوءا في الفترة السابقة. 

فقد أتي زلزال فبراير المدمر ليزيد الاقتصاد السوري انهيارا أكثر مما كان عليه، إذ يُقدر البنك الدولي أن الرصيد الرأسمالي المتضرر والمُدمّر يبلغ حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلد. 

فيما تفاقم انهيار قيمة العملة السورية، التي بدأت سلسلة انخفاضات منذ الثورة وتراجعت في أعقاب الحرب في أوكرانيا 48% أمام الدولار، لتبلغ مؤخرا  نحو 2,512  ليرة للدولار، مقابل أقل من 50 ليرة للدولار في بداية 2011 قبل اندلاع الثورة، وفق بيانات إنفيستينج.  

وتقلص إجمالي الناتج المحلي في سوريا بأكثر من النصف في الفترة بين عامي 2010 و2019، كما أثرت تداعيات الحرب في أوكرانيا -بالنظر إلى أن سوريا مستورد  للغذاء والوقود- سلبا على موازين التجارة الخارجية للبلد والتضخم والاحتياطيات الدولية، وفق تقرير للبنك الدولي. 

وتوقع البنك الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي لسوريا بنسبة 3.2% في عام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 3.5% في العام 2022، لكن البنك خفض توقعاته في أعقاب الزلزال، متوقعا أن يسجل الاقتصاد السوري انكماش بـ 5.5% في العام الجاري.  

لكن من شأن عودة العلاقات السورية العربية إلى طبيعتها أن تفتح أمام سوريا باب "منع تمدد انهيار الاقتصاد السوري"، وفق المحلل الباز، الذي يرى أن الأمر قد يكون له أيضا عدة مكاسب اقتصادية أخرى. 

ويشير الباز إلى أن عودة العلاقات السورية العربية قد يترتب عليها أيضا تمكُّن الحكومة السورية من فرض سيطرتها على حقول النفط بدلا من المليشيات، إلى جانب دخول سوريا إلى مجموعة الدول التي يتم اكتشاف الغاز بها، موضحا أنه كانت هناك محاولات خلال الأعوام الماضية لخروج تلك الاكتشافات إلى العلن لكن الحرب جعلت الأمر صعب. 

وتضرر قطاع النفط والغاز بشكل خاص مـن النزاع في سوريا، إذ انخفض إنتاج النفط الخام بنحو 80% في الفترة بين عامي 2010 و2022، بحسب تقرير للبنك الدولي في مارس 2023. 

وفي حين أن إنتاج سوريا من النفط الخام تعافى تدريجيا منذ عام 2017، حيث وصل إلى 84 ألف برميل يوميا في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، لكنه لا يزال أقل بكثير من إنتاج ما قبل عام 2011 -عام الثورة- الذي تجاوز 400 ألف برميل يوميا، بحسب ما نقله تقرير البنك الدولي عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

مسألة وقت ولكن! 

أصبحت عودة سوريا لمحيطها العربي مسألة وقت، وفق المحللين اللذين تحدثا إلى زاوية عربي، لكن الأمر مازال يواجه بعض العراقيل التي يجب تخطيها. 

وقال المحلل وهاب إن "الجميع بحاجة لعودتها، خاصة جميع دول الجوار. لا أرى أن أحد يفضل استمرار الفوضى بهذا الشكل". فيما قال المحلل الباز: "عمليا يمكن القول إنها عادت بالفعل ونحن بصدد تخريج الأمر إجرائيا وإداريا". 

لكن الباز يرى أن من ضمن العراقيل التي تواجه عودة سوريا للمحيط العربي هي انتظار نتائج الجهد الذي تبذله مصر والإمارات بشأن التشاور مع واشنطن لوضع حلول لقانون قيصر الأمريكي الذي يعيق عودة نظام الأسد للمجتمع الدولي. 

وسنت الولايات المتحدة في عام 2019 قانون قيصر أو قانون "حماية المدنيين في سوريا"، ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2020، بهدف عزل نظام الأسد ماليا واقتصاديا وسياسيا ومعاقبة حلفائه لدفعه لقبول حل سياسي للأزمة في سوريا، ويحظر القانون تعامل الشركات الأجنبية مع دمشق. 

ثلاثية السعودية وإيران وسوريا 

أما العقبة الثانية لعودة سوريا إلى "الجماعة" العربية، وفق الباز، فهي الموافقة السعودية على عودة سوريا إلى محيطها العربي، وهو الأمر الذي أبدت الرياض مؤخرا استعداد له، خاصة مع الإعلان عن محادثات استئناف الخدمات القنصلية بين السعودية وسوريا، وهو إعلان جاء بعد أسبوعين من قرار السعودية وإيران استئناف العلاقات الثنائية بينهما. 

ويرى حسن الحسن وهو زميل أبحاث الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية -وهو مؤسسة بحثية في لندن- أن "التزامن بين الاتفاق السعودي الإيراني والأنباء حول المفاوضات بين السعودية وسوريا والرامية إلى عودة العلاقات الدبلوماسية يعزز من فرضية أن يكون الملف السوري أحد البنود المتفق عليها مؤخرا بين الطرفين السعودي والإيراني". 

واعتبر الحسن، في حديث لزاوية عربي، أن عودة العلاقات السعودية السورية هي "إحدى أهم المحطات باتجاه عودة سوريا إلى كنف جامعة الدول العربية وانخراطها مجددا في محيطها العربي"، وقال إنه على الرغم من أن دول عربية ستكون مؤيدة لهذه الخطوة، إلا أنها قد تلقى معارضة دول أخرى كالولايات المتحدة وقطر. 

ووفق المحلل الحسن فإن "إعادة الرياض تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق ستكون بمثابة انتكاسة إضافية للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط"، موضحا أن واشنطن تعارض عودة العلاقات الإقليمية مع إيران في ظل التعنت الإيراني حول برنامجها النووي ومع سوريا التي تشن الولايات المتحدة على أراضيها ضربات عسكرية ضد أهداف ذات ارتباط بالحرس الثوري الإيراني. 

ويرى المحلل الباز أن واشنطن "قد تتساهل مع المطالبات المصرية والإماراتية بشأن قانون قيصر لكنها لا تستطيع القيام بعملية تطبيع بنفس المستوى العربي"، وقال إن واشنطن "قد تبني على كارثة الزلزال بعض المبررات التي تجعلها أكثر تساهلا بشأن المواقف الاقتصادية والسياسية من سوريا". 

فيما قال المحلل وهاب: "في النهاية... (النظام) الأمريكي مرن وبراغماتي لأقصى الحدود، من يفاوض طالبان لن يمانع مفاوضة الأسد".

(إعداد: مريم عبد الغني، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا