(تم التحديث بأخر تطورات سوق النفط والغاز)

الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا قد تؤشر لعالم جديد، فهل ستصبح موسكو "منعزلة" عن الاقتصاد العالمي، أو الغربي؟

لن تنتظر أوروبا، التي تعتمد على الغاز الروسي لسد قرابة 40% من احتياجاتها، أن تجيب الأيام عن هذا السؤال.

فقد بدأت الدول الأوروبية في البحث عن بدائل تغنيها عن الاعتماد على موسكو، حتى ولو كانت أكثر تكلفة. تمد "روسيا" الغاز لأوروبا عبر أنابيب وهي طريقة أسرع وأرخص من شحن الغاز المسال من أماكن أبعد.

فمن يستفيد من التحول الأوروبي، وإلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية تلبية احتياجات الغاز؟

عقوبات شاملة

بعد إعلان بوتين عمليته العسكرية في أوكرانيا، قال مسؤول رفيع في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة وحلفائها ستفرض عقوبات "شاملة" على روسيا، قد تتضمن وضع قيود على تعامل النظام المالي الروسي مع العالم، بحسب شبكة سي إن إن. 

وكانت الولايات المتحدة وأوروبا قد أعلنت الأسبوع الماضي عن عقوبات شملت تعليق ألمانيا المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" مع روسيا والذي كان سيضاعف كميات الغاز التي تصدرها موسكو لبرلين.

وفي مقابلة صحفية، أشار وزير الطاقة الروسي الى أنه من الضروري عدم تسييس مسألة إمدادات الغاز. 

إلا أن شكرة بريتيش بتروليم أعلنت يوم الأحد إنها ستتخارج من حصتها في شركة روسنفت الروسية مقابل 25 مليار دولار، على خلفية الاعتداء الروسي.

ولا يزال من غير المؤكد إذا ما ستفضي أي عقوبات إلى المس بإمدادات الغاز أو حتى النفط الروسية.

ولكن على أرض الواقع لا يمكن فصل السياسة عن الطاقة.

"صعب على المدى القصير"

لن يكسب أي طرف، سواء الدول الأوروبية أو روسيا، من وضع قيود على واردات الغاز، بحسب كارول نخلة، الرئيسة التنفيذية لشركة "كريستول إنرجي" في لندن. 

"ستعاني أوروبا من ارتفاع الأسعار التي ستؤجج تضخم الوقود وستخسر روسيا الإيرادات في حال قامت طوعاً بخفض الامدادات و(ستخسر) سمعتها كمورد موثوق به." 

وأضافت: "من الممكن ان يكون الفائز الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة والمصدرين الآخرين." 

وسيكون استبدال الكميات بشكل كامل صعب للغاية خاصة على المدى القصير.

"من الممكن استبدال جزء من الكميات ولكن لا يمكن حدوث هذا الأمر فجأة. في كل الأحوال، أسعار الغاز المرتفعة هي النتائج المباشرة لهذه الاضطرابات، وقد يساعد شتاء أدفأ على التخفيف من حدة (ارتفاع الأسعار) وسيتأقلم السوق شيئا فشيئاً."

قطر؟

يتفق سعد الكعبي وزير الطاقة القطري مع رؤية نخلة حول صعوبة استبدال كميات الغاز الروسي الضخمة الى أوروبا بإمدادات أخرى من الغاز الطبيعي المسال من مختلف الدول. 

وقطر هي ثاني أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال بعد أستراليا وتسعى الى زيادة طاقتها الانتاجية التي تبلغ حالياً 77 مليون طن سنويا الى 126 مليون طن سنويا بحلول عام 2027.

لكن المشكلة لدى قطر ليست في سعة الإنتاج ولكن في ارتباطها حاليًا بعقود التوريد الى دول أخرى.

"لدى قطر القدرة على تلبية الطلب أكثر من باقي الدول وبالفعل هي ملتزمة بعقود طويلة الأمد. ومن الممكن إعادة التفاوض على هذه العقود خاصة في حال حدوث أزمة وتداعيات سياسية أكبر. في أسوأ الأحوال، قد تعوض قطر عملائها الحاليين مادياً،" بحسب نخلة. 

وكان الكعبي قد صرح أن 10-15% من العقود طويلة الأمد لدى قطر قابلة للتحويل إلى أماكن أخرى، ضاربًا المثل بتحويل قطر إمدادت من الغاز لليابان لمدة عام كامل بعد كارثة فوكوشيما.  

"تعتمد إمكانية قطر ارسال المزيد من الغاز إلى المملكة المتحدة وأوروبا بشكل عام على استعداد عملائها في شرق آسيا عن التخلي عن الكميات المعتادة،" بحسب توم مارزيك-مانسر وهو مدير تحليلات الغاز في شركة  ICIS وهي شركة تعنى بتزويد بيانات ومعلومات عن أسواق الطاقة وغيرها.  

ومع بدء العمليات العسكرية الروسية يوم الخميس، تخطى خام برنت حاجز الـ 100$ للبرميل، ويخشى المحللون من تذبذب أكبر للأسعار تزامناً مع المخاوف من زيادة أسعار الغاز المرتفعة أصلاً منذ أشهر نتيجة عدة عوامل من بينها عدم تلبية روسيا الطلب المتزايد الى إوروبا. 

ولذلك لجأت الأسواق الأوروبية خلال الربع الأخير من عام 2021 إلى استيراد المزيد من شحنات الغاز المسال لرفع المخزونات بشكل عاجل بعد وصلت الى مستويات متدنية جداً، بحسب الوكالة الدولية للطاقة.

ووفقاً لـ مارزيك-مانسر "وصل تدفق الغاز الروسي عبر الانابيب الى شمال غرب أوروبا إلى مستويات متدنية منذ بداية عام 2022. ويعود السبب في ذلك إلى أن (شركة) غازبروم الروسية لا تزال مستمرة في عدم بيع الغاز الفوري، فيما اكتفى البعض بشراء كميات أقل من الغاز الفوري من مصادر أخرى لأنها أرخص من عقود روسيا الطويلة الامد."

وبالفعل عوّض الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير، خاصة من الولايات المتحدة، عن نقص الإمدادات من روسيا، بحسب مارزيك-مانسر.

الجزائر؟

قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية "سوناطراك" توفيق حكار، يوم الأحد بحسب رويترز، إن الشركة مستعدة لدعم شركائها الأوروبيين في المواقف الصعبة، وإنها ستظل مورد يُعتمد عليه للغاز للسوق الأوروبية.

البلد الشمال أفريقي هي أكثر دول المنطقة قدرةً على تغطية جزء من واردات أوروبا عبر زيادة صادراتها "بالنظر إلى إمكانية زيادة الإنتاج مقابل الاستهلاك"، بحسب أسامة كمال وزير البترول المصري السابق، 

كما تمتلك الجزائر خطوط أنابيب لنقل الغاز عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إسبانيا وإيطاليا بالإضافة إلى محطة للغاز الطبيعي المسال.

تستطيع الجزائر أن توفر 7 مليار متر مكعب إضافية من الغاز إلى أوروبا خلال عام 2022 عن طريق زيادة التدفقات عبر خط الأنابيب إلى إيطاليا، ما يجعلها ثاني أكبر مصادر زيادة الإمدادات للاتحاد الأوروبي بعد النرويج، بحسب تقرير صدر في 28 يناير عن وحدة التحليل في S&P Global Platts.

ولكن تدفق الغاز عبر الأنابيب انخفض في نهاية عام 2021 بسبب انتهاء صلاحية اتفاقية العبور بين الجزائر والمغرب، بعد أن قطع البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما. وتمتلك الجزائر خط أنابيب أخر، بحري، يصل لأسبانيا  ولا يمر عبر المغرب.

"الجزائر تريد دعم أوروبا، لكنها لا تريد أن تغضب موسكو في القيام بذلك. كما أنها أقامت بعض العلاقات مع غازبروم الروسية، لذلك ليس من الواضح كيف يمكن أن يعطل ذلك أي خطط إمدادات غاز إضافية من الجزائر،" بحسب إدوارد مويا، كبير محللي سوق النفط لدى شركة أواندا للسمسرة العالمية.

(إعداد: شيماء حفظي، صحفية متخصصة في الشأن الاقتصادي، وهي محررة في موقع مصراوي المصري

وريم شمس الدين وقد عملت سابقاً في مؤسسات إعلامية شملت سي أن أن بالعربية ووكالة رويترز وداو جونز)  

(تحرير: ياسمين صالح وأحمد فتيحة، للتواصل ahmed.feteha@lseg.com ) 

#تحليلمطول