يترقب المصريون قرار "لجنة متابعة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية" بشأن أسعار بيع المحروقات (الوقود) والتي تشمل: البنزين (80-92-95)، الكيروسين، السولار، والمازوت.

تنعقد اللجنة بصورة ربع سنوية منذ منتصف عام 2019 لتحديد أسعار بيع الوقود بناء على معادلة سعرية ترتبط في الأساس بمتوسط أسعار بترول برنت بالسعر العالمي وسعر الصرف، خلال الربع السابق للاجتماع. على ألا يتجاوز التغير 10% ارتفاع وانخفاض عن السعر الساري.

لذلك، فإن أسعار الوقود في مصر بين نارين؛ نار أسعار بترول برنت عالمياً والتي خمدت خلال الربع الرابع من عام 2022 وحتى الآن، ونار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي والتي ازدادت اشتعالاً منذ انخفاض الجنيه المصري في 27 أكتوبر 2022.

وتعتمد مصر على الاستيراد لتوفير غالبية احتياجها من المواد البترولية، كما أدى خروج الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية عقب اندلاع نيران الحرب الروسية الأوكرانية إلى نقص الدولار ما دفعها لخفض عملتها المحلية عدة مرات.

والسؤال هنا: إلى أي درجة سيشتعل الوقود في مصر؟ 

 أولاً: دعونا نرى كيف تغيرت أسعار الوقود في مصر منذ بدء تطبيق آلية التسعير التلقائي 

1. سعر برنت بالجنيه 

لقد بدأت الحكومة المصرية تطبيق آلية التسعير التلقائي منذ الربع الثالث لعام 2019 بناءً على مراجعة أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه المصري خلال الربع السابق لتطبيق الآلية (الربع الثاني من 2019).

حيث ارتفع سعر خام برنت بنسبة 44% خلال 3 أعوام ونصف، من متوسط 68.8 دولار للبرميل بالربع الثاني من 2019 إلى متوسط 99.1 دولار للبرميل بالربع الثالث من 2022.

في الوقت ذاته، ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بنسبة 13% من متوسط 17.0 جنيه للدولار بالربع الثاني من 2019 ليسجل متوسط 19.1 جنيه بالربع الثالث من 2022. وعليه، ارتفع سعر برنت مقوماً بالجنيه المصري بنسبة 62% من متوسط 1,170 جنيه للبرميل بالربع الثاني من 2019 ليسجل متوسط 1,896 جنيه بالربع الثالث من 2022.

2. أسعار الوقود 

منذ يوليو 2019 وحتى أكتوبر 2022، انعقدت اللجنة 14 مرة قررت خلالها زيادة أسعار البنزين بأنواعه 7 مرات، تثبيتها 5 مرات، وتخفيضها مرتين. فيما لم يتم تغيير أسعار السولار والكيروسين إلا مرتين فقط بالزيادة، وإبقائها دون تغيير خلال باقي الاجتماعات. 

وبلغ متوسط الزيادة خلال 3 أعوام ونصف الماضية حوالي 40% بالنسبة لأسعار البنزين، 32% للسولار والكيروسين، و 43% للمازوت (لغير استخدامات الكهرباء والمخابز)، كالتالي:

 

3. كوفيد - 19 

بالمقارنة، نجد أن أسعار الوقود - منذ بدء تطبيق آلية التسعير التلقائي في يوليو 2019 - قد ارتفعت بنسب تتراوح بين 32% و 45%، في حين ارتفعت أسعار بترول برنت مقومةً بالجنيه بنسبة 62% خلال نفس الفترة. ويرجع ذلك إلى عدم تحريك أسعار الوقود في مصر بما يعكس الزيادة في أسعار البترول منذ الربع الثالث من عام 2020 وحتى الربع الثاني من عام 2022.

فقد أشارت اللجنة في توصياتها إلى أنها عملت على استقرار الأسعار في السوق المحلي وتجنيبها أثر التذبذبات الكبيرة في الأسعار العالمية، وخاصةً في ضوء الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها العالم نتيجة تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19). كما عملت اللجنة على الحد من ارتفاعات أسعار السولار لما له من تأثير مباشر وغير مباشر على وسائل النقل وأسعار السلع الغذائية.

ثانياً: أسعار الوقود خلال الربع الأول من 2023

طبقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 10 يناير 2023، فإن التغير في سعر بيع الوقود للمستهلك يتم حسابه كالتالي:

أ. التغير في سعر برنت وسعر الصرف خلال الربع الرابع من 2022: لقد انخفض سعر خام برنت بنسبة 10% خلال الربع الرابع من 2022، ليسجل متوسط 89.6 دولار للبرميل. في المقابل، ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه بنسبة 20% خلال نفس الربع ليسجل متوسط 23.0 جنيه. وعليه، ارتفع سعر برنت مقوماً بالجنيه المصري بنسبة 8.73% خلال الربع الرابع من 2022.

ب. التغير المتوقع في أسعار الوقود خلال الربع الأول من 2023: نقدر التغير في سعر بيع الوقود للمستهلك خلال الربع الأول من 2023 بحوالي 7% أو ما يعادل زيادة قدرها حوالي 75 قرش لكل لتر بنزين، 50 قرش لكل لتر سولار وكيروسين، و 350 جنيه لكل طن مازوت (لغير استخدامات الكهرباء والمخابز)، وذلك طبقاً للمعادلة المشار إليها أعلاه على النحو التالي:

= (80% × 8.73%) + (20% × 0) + 0
= 7.0%

ولكن، هل يمكن تثبيت أسعار الوقود أو تغييرها بنسب أقل كمراعاة للبعد الاجتماعي والعمل على استقرار الأسعار في ظل التوقعات باستمرار ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة القادمة كنتيجة لانخفاض الجنيه؟

طبقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر يوم 10 يناير الماضي، ستلتزم مصر - التي وقعت مع الصندوق اتفاق تمويل جديد ب 3 مليار دولار الشهر الماضي - بتنفيذ آلية التسعير التلقائي بالكامل للعمل على خفض دعم الوقود والتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، مع تقديم تعويضات للفئات الأكثر احتياجاً من خلال البرامج الاجتماعية مثل تكافل وكرامة، والبطاقات التموينية. كما يتوقع الصندوق أن يوافق البرلمان المصري قريباً على تعديل قانون ضريبة الدخل لزيادة حد الإعفاء من ضريبة الدخل للفئات ذوي الدخل المتوسط. كما أشار الصندوق إلى أنه في حال ما توصلت المعادلة السعرية إلى خفض أسعار الوقود، فلن تقوم الحكومة بخفض الأسعار حتى يتم إلغاء دعم الوقود بالسنة المالية السابقة وذلك للمنتجات التي تغطيها آلية التسعير التلقائي، فيما عدا غاز البوتاجاز ووقود المخابز.

أخيراً وليس آخراً  ... إذا كانت أسعار الوقود في مصر بين نارين - نار أسعار البترول عالمياً، ونار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي - فنتمنى أن تخمد تلك النيران بما يحول دون اشتعال أسعار الوقود خلال الفترات القادمة.

 

(إعداد: محمود جاد، محلل مالي بسوق المال)  

(للتواصل zawya.arabic@lseg.com)