في الساعات الأخيرة قبل فجر يوم الأحد اجتمعت الدول المشاركة في مؤتمر المناخ COP 27 في شرم الشيخ للمرة الأخيرة بعد أسبوعين من التفاوض وبعد تأجيل البيان الختامي 40 ساعة.

وفي نهاية الجلسة الختامية والتي استمرت لساعات أعلنت مصر التي تترأس المؤتمر أمام من تبقى من المفاوضين المنهكين وأمام من حضر من ممثلي الوفود والمجتمع المدني عن التوصل لاتفاق حول البيان الختامي لقمة المناخ والذي أدى الاختلاف حول صياغته إلى تمديد القمة. 

ولكن، كيف بدأت الجولة الأخيرة؟

بدأت الجولة في جو يخلو من التفاؤل في ظل تعثر ملفين أساسيين في مفاوضات المناخ: التسريع من خفض الانبعاثات للحد من الاحترار العالمي الى 1.5 درجة مئوية وملف تعويض الدول المتضررة عن الخسائر والأضرار. إلا أن رئاسة المؤتمر وضعت نصب عينيها ملفات أخرى كآليات تمويل العمل المناخي وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه حتى الآن من التزامات.

مفاجأة سارة

ولذلك تفاجأ الجميع بمخرجات المؤتمر لكون نجاحه لم يكن نابع من تحقيق تقدم كبير في الملفات المختارة مسبقا ولكن في ملف تعويضات الخسائر والأضرار والذي لم يتوقع أحد أن يشهد تقدم كبير فيه ونجحت رئاسة المؤتمر في الساعات الاخيرة في الوصول لاتفاق مبدئي لتشكيل آلية لتعويض الدول الأكثر تضررا من آثار تغير المناخ. 

هذا النجاح جاء بعد جولة من المفاوضات الصعبة بين الدول المتقدمة التي تخشى من تحمل المسؤولية القانونية عن تغير المناخ من جهة والدول النامية التي تطالب بالتعويضات بأسرع صورة ممكنة من جهة أخرى.

كما نجح الاتفاق المبدئي الذي توصل إليه أصحاب القرار في تفادي كل القضايا الخلافية وتم تفويض لجنة متخصصة لاتخاذ قرار في تفاصيل تشمل آليات التمويل والدول الممولة والدول التي تستوفي شروط التمويل لكنه أحال التصديق على هذه القرارات للقمة القادمة في دبي في عام 2023.  

ليس مفاجئا على الاطلاق

إلا أن البيان الختامي لم يحرز أي تقدم على صعيد ملف التخفيف من الانبعاثات عن ما تحقق في القمة السابقة في جلاسجو على الرغم من مطالبة 80 دولة ببيان ختامي يدعو لتخفيف استخدام كل أنواع الوقود الأحفوري.

اكتفى البيان بنسخ مقتطفات من بيان قمة جلاسجو والذي خص بالتحفظ على استخدام الفحم. لم يفاجئ هذا الموقف المراقبين نظرا لوجود معارضة قوية لأي محاولة تغيير الطبيعة الطوعية لالتزامات الدول لا سيما من مصر، الدولة المستضيفة للمؤتمر والتي أصبحت في السنوات الاخيرة مصدّر للغاز الطبيعي.

وفاء بالوعد وخطوة نحو العدالة المناخية؟

هذه الطبيعة المعقدة لمخرجات المؤتمر يجعل من الصعب إصدار حكم قطعي بخصوص نجاحه من عدمه. 

إلا أنه يمكننا القول أن الرئاسة المصرية للمؤتمر نجحت في تحقيق وعدها بحمل راية الدول النامية في هذه الجولة وساعدت في تحريك بوصلة العمل المناخي ولو قليلا في اتجاه الدول الأكثر تضررا بتغير المناخ. 

أصلح التحول في مسار المفاوضات لإدراج أولويات الدول النامية - وإن جاء متأخرا - اعوجاج في تنفيذ "صفقة المناخ الكبرى" بين الدول المتقدمة والدول النامية. 

وبحسب هذه الصفقة وعدت الدول النامية ـ التي لم تعترف بمسؤولية تاريخية عن تغير المناخ ـ بالعمل مع الدول المتقدمة على تخفيف انبعاثاتها مقابل أولا، تلقي دعم تقني ومالي من الدول المتقدمة للتكيف مع تغير المناخ وثانيا تلقي تعويضات عن الخسائر والأضرار التي لحقت بها نتيجة لتغيرات المناخ ومحاولات التكيف معها.
 
جاء الخلل في تطبيق هذه الصفقة من الدول المتقدمة، أما الدول النامية ـ التي بدأت العمل على خفض انبعاثاتها من الكربون ـ فتشتكي منذ أعوام من شح الدعم المالي لاسيما ملف التكيف ومن تأجيل التفاوض حول ملف الخسائر والأضرار. 

إلا أن هذا التوازن الجديد وهذه الخطوة الإيجابية نحو العدالة المناخية التي بدأتها قمة شرم الشيخ لا ينبغي أن يغطي حقيقة لا مهرب منها وهي أن تخفيف الانبعاثات هي السبيل الوحيد لتفادي دول العالم الآثار الأسوأ للتغير المناخي.

فإن لم نستطع جميعا تخفيض الانبعاثات بنسبة 45% قبل عام 2030 والوصول للحياد الكربوني قبل منتصف القرن فإننا سنفشل قطعا في كبح جماح الأحترار العالمي إلى حد 1.5 درجة مئوية. وسيعني ذلك إننا مقبلون على تغير خطير ومحتم للمناخ لعقود قادمة ستنال منطقة الشرق الأوسط منه نصيبها لا يتناسب مع حجمها ولا هي مسؤولة عنه.

COP 28

ومع مرور كل عام تزداد فيه انبعاثات غازات الدفيئة تضمحل فرص الوصول لأهداف التخفيض تلك وتزداد الحاجة لمضاعفة الجهود في الأعوام التالية. ولذلك فإن عدم تحقيق تقدم في رفع طموح الدول لتخفيض انبعاثاتها قبل عام 2030 يضع مسؤولية إضافية على عاتق مؤتمرات الأطراف القادمة وخاصة على COP 28 في مدينة دبي العام القادم لإيجاد حلول عاجلة.

هذا التحدي يضاف لعدد من التحديات التي تواجه القمة القادمة بالإمارات العربية المتحدة، فالملفات المدرجة بالفعل على جدول أعمال الجولة القادمة لمؤتمر الأطراف ليست سهلة. 

أصبحت القمة منوطة بالوصول لاتفاق حول هدف عالمي للتكيف مع تغير المناخ وبمراجعة أداء اتفاقية باريس بالإضافة لإقرار صندوق تمويل التعويضات. 

مع انسدال الستار على هذه الجولة التفاوضية وعلى رئاسة مصر لهذا المؤتمر التي حملت راية القارة الأفريقية تتحرك القمة مرة اخرى نحو قارة آسيا وتتحرك معها بوصلة المفاوضات لتعكس أولويات ورؤية ومقاربة الرئاسة الإماراتية للمؤتمر تجاه العمل المناخي . 

ومع زيادة تحديات أمن الطاقة العالمية التي تفاقمت بعد الحرب في أوكرانيا فإن ملف تخفيف الانبعاثات قد تراجع قليلا عن سلم أولويات الأجندة الدولية بعد أن كان قد اكتسب زخم متزايد في السنوات الاخيرة. 

هذا التراجع يتقاطع مع العد العكسي لخفض الانبعاثات خلال هذا العقد والحاجة لبدء هذا الخفض في غضون ثلاثة أعوام، مما يضع على أكتاف الجميع مسؤولية اضافية.

إلا إن الجهد المطلوب لدفع أجندة تخفيف الانبعاثات قد يجد في البلد المضيف وفي مقاربة الرئاسة الإماراتية سند من حيث توافق الرؤى . فالإمارات العربية المتحدة تخطط لخفض انبعاثاتها للصفر بحلول منتصف القرن وتشارك من خلال استثماراتها الخارجية في مشاريع للطاقة المتجددة حول العالم.

فإذا اذا كان 2022 هو العام الذي بدأ العمل فيه نحو العدالة المناخية للدول الاكثر ضعفا فإن تحديات العام المقبل تحتم علينا التكاتف سريعا ومعالجة أسباب تغير المناخ لتحقيق العدالة المناخية للأجيال المستقبلية قبل فوات الأوان.

 

(إعداد: كريم الجندي، استشاري الاستدامة والمناخ ومؤسس مبادرة كربون)

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)