مرة أخرى، اتجهت أنظار المهتمين بالشأن الاقتصادي المصري في الآونة الأخيرة إلى الجنيه المصري واتجاهاته المتوقعة خلال الفترة القادمة. ولكن تتباين هذه التوقعات مع وجود أكثر من سعر للجنيه المصري أمام العملات الصعبة المختلفة وأهمها الدولار الأمريكي. بينما تبدو الحكاية وكأن التاريخ يعيد نفسه، إلا أن هناك أسباب لكل مشهد فيها.

بدايةً، لا يزال السعر الرسمي في البنك المركزي المصري كما هو دون تغيير يذكر منذ آخر تحريك أو تخفيض للجنيه المصري في بداية العام. ويعتقد الكثيرون أن هذا السعر لا يعكس سعر السوق الحر الذي يتقابل فيه العرض مع الطلب.

وساعد على ذلك عدم توفر العملة الصعبة في القطاع المصرفي لكل من يطلبها إلا في أضيق الحدود. وهو ما دفع البعض لطرق أخرى يقوم من خلالها بتوفير العملة الصعبة أو على الأقل التحوط ضد أي انخفاض قد يحدث في الجنيه المصري.

بالفعل، هناك أكثر من طريقة للحصول على الدولار أو التحوط ضد مخاطر انخفاض الجنيه المصري، مثل:

•          شراء أسهم مصرية ثم تحويلها لشهادات إيداع دولية لبيعها.

•          شراء الذهب محلياً بالجنيه المصري.

•          شراء الدولار مستقبلياً من خلال العقود الآجلة أمام الجنيه المصري.

شهادات الإيداع الدولية للبنك التجاري الدولي

بالرغم من وجود 8 شركات مصرية لها شهادات إيداع دولية مسجلة في لندن، إلا أن شهادات الإيداع الدولية للبنك التجاري الدولي المصري - أكبر بنك قطاع خاص في البلاد - تحظى بالطلب الأكبر نظراً لسيولة تداولها المرتفعة مقارنة بالأوراق المالية الأخرى التي قد لا تتداول إلا نادراً.

للحصول على الدولار، يقوم المستثمرون بشراء أسهم البنك المحلية ثم تحويلها إلى شهادات إيداع دولية يمكن بيعها في بورصة لندن لتوفير الدولار الذي يتم تحويله بعد ذلك إلى داخل مصر. ولكن هناك مصاريف تحويل بالإضافة إلى عمولات شركات السمسرة التي تقوم بهذه العملية والتي تدور حول 5-6% من قيمة الصفقة.

بنهاية يوم الخميس الماضي الموافق 16 نوفمبر، بلغ سعر السهم المحلي للبنك التجاري الدولي 72 جنيه للسهم الواحد في حين بلغ سعر شهادات الإيداع الدولية 1.26 دولار للشهادة الواحدة والتي تعادل سهم محلي، وهو ما يعني سعر ضمني للدولار يساوي 57.14 جنيه، قبل مصاريف التحويل وعمولات التداول.

شراء الذهب محلياً بالجنيه المصري

الذهب هو الملاذ الآمن لأي مستثمر متخوف من الاستثمار في الأدوات المالية ذات المخاطر وهو سلعة عالمية يتحدد سعرها بناء على قوى العرض والطلب ويتم تداولها بالدولار. أما في مصر، فسعر الذهب يتأثر بالسعر العالمي المقوم بالدولار ولكن هناك عوامل أخرى تؤثر في سعره، مثل العرض والطلب المحلي والسعر الضمني للدولار أمام الجنيه عند تحويل السعر العالمي من دولار إلى جنيه.

وقد بلغ سعر الذهب محلياً في مصر بنهاية الأسبوع الماضي 3,102 جنيه لجرام عيار 24 في حين بلغت الأونصة عالمياً 1,982.70 دولار مما يعني سعر ضمني للدولار يساوي 48.66 جنيه.

العقود الآجلة للدولار أمام الجنيه المصري

يتجه بعض المستثمرون من المؤسسات إلى سوق آخر للتحوط ضد إنخفاض قيمة الجنيه المصري بشرائهم الدولار مستقبلياً من خلال العقود الآجلة الغير قابلة للتسليم ولفترات استحقاق مختلفة، مثل 3 شهور، 6 شهور، أو 12 شهر. من خلال هذه العقود، يقوم المستثمرون بالتعاقد على شراء الدولار ولنقل خلال عام من الآن بسعر يتم تحديده حسب العرض والطلب وهو ما يعني أن جانب المشتري ملتزم بشراء الدولار مستقبلاً بالسعر الذي تم الاتفاق عليه في حين أن جانب البائع ملتزم ببيع الدولار مستقبلاً بنفس السعر.

ولكن بما أن هذه العقود غير قابلة للتسليم، فطريقة تنفيذها يكون من خلال مقارنة السعر اللحظي للدولار أمام الجنيه وقت التنفيذ في المستقبل مع تحديد الجانب الرابح والجانب الخاسر ليقوم الجانب الخاسر بسداد الفرق بين السعرين للجانب الرابح.

ومؤخراً، سجل سعر الدولار في العقود الآجلة الغير قابلة للتسليم والتي تستحق خلال 12 شهر 47.90 جنيه للدولار وهو السعر الضمني الذي يتقبله المشتري للدولار خلال عام.

تباين في أسعار صرف الدولار أمام الجنيه

مما سبق، يتضح تباين الأسعار المختلفة للدولار أمام الجنيه حسب الطريقة أو الأداة المالية التي يتم استخدامها. ولكن تتفق كل هذه الطرق على أن سعر الدولار الرسمي المعلن من قبل البنك المركزي — وهو في حدود 30.9 جنيه للدولار — بعيد تمام البعد عن تلك الأسعار حيث بلغت فجوة السعر الضمني للدولار من خلال شهادات الإيداع الدولية للبنك التجاري الدولي حوالي 85% (أي أن السعر الضمني أعلى من السعر الرسمي بـ 85%)، في حين بلغت فجوة السعر الضمني للدولار من خلال الذهب والعقود الآجلة 58% و55%، على التوالي. وذلك يعتبر ضعف ما كانت عليه الفجوة في بداية عام 2023، حيث سجلت 40% لشهادات الإيداع الدولية و27% للذهب و23% للعقود الآجلة.

 

ماذا بعد؟

العبرة في أي سلعة هو توافرها ليعكس سعرها نقطة توازن العرض مع الطلب.

وكأي سلعة، العملة الصعبة في مصر — وبالأخص الدولار الأمريكي — تشهد منذ فترة نقص في المعروض من خلال القنوات الرسمية كالبنك المركزي المصري أو البنوك.

ولكن هذا لا يعني نقص المعروض بصورة عامة والدليل وجود سوق موازي للدولار ولكن النقطة هي أن السيولة اختارت السوق الموازي بديلاً نظراً لارتفاع سعره عن السوق الرسمي وزيادة المضاربة عليه.

وكما حدث في نوفمبر 2016 بعد تعويم الجنيه المصري، سنجد السوق الموازي يختفي تدريجياً إن لم يكن سريعاً عندما يحقق سعر السوق التوزان بين العرض والطلب الحقيقيين ولكن كيف أو متى يتحقق هذا التوازن هو السؤال الذي ستجيب عليه الأيام القادمة.

(إعداد: عمرو حسين الألفي، محلل مالي معتمد، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلسريع

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا