لم يولد كل رجال الأعمال وفي فمهم "معلقة دهب"، فهناك المئات منهم صنعوا ثرواتهم بعد معاناة مع الفقر والجوع وربما بعض من الذل والهوان، هؤلاء هم من تتحول قصص نجاحهم إلى حكايات ملهمة لملايين الشباب الذين يجلسون يقلبون في أفكار تداعب أحلامهم وطموحاتهم.

جان كوم صاحب فكرة "واتس آب" ولد لأسرة فقيرة في أوكرانيا عام 1976 قبل أن يهاجر مع أسرته إلى أمريكا بسبب المشاكل السياسية وقتها.

رغم فقره إلا أنه عرف كيف يؤسس لحلمه.

فقد علم نفسه علوم الكمبيوتر واستطاع أن يلتحق بجامعة أمريكية ويعمل بشركة ياهو لعقد من الزمان.

ونجح في أن ينتصر على الفقر والجوع، وأن يجمع ثروته الطائلة البالغة نحو 9 مليار دولار.

والأكبر قيمة من الثروة هو أنه كتب قصة ملهمة لصغار المستثمرين.  

ولكن كوم ليس الوحيد الذي فعل هذا وأيضا لم يكن هذا النوع من النجاح حكر على العالم المتقدم بل عندنا أيضا وهذه المرة من مصر.

مهندسة الصعيد

قالت المهندسة ريم علي صاحبة مشروع تطوير الري بالتنقيط لأراضي المزارعين في صعيد مصر، أنها كانت كلما واجهتها مشكلة في تنفيذ مشروعها تبحث عبر الإنترنت على قصص ملهمة مثل قصة  كوم لتعيد قراءتها من جديد، لتحصل على دفعة معنوية تسندها لتخطي الصعاب. 

حكت ريم البالغة من العمر 32 عام لزاوية عربي، إنها تخرجت من كلية الزراعة جامعة جنوب الوادي في الصعيد وبسبب العادات والتقاليد في صعيد مصر اضطرت إلى الجلوس في المنزل في انتظار "العريس" الذي ستنتقل للجلوس أيضا في منزله، على حد قولها.

كانت دائما تسمع عن معاناة والدها وعدد من المزارعين من الجيران نتيجة ري الأراضي الزراعية بالغمر الذي كان يكلف المزارع في السنة الواحدة نحو 300 ألف جنيه وهو ما يعادل الآن نحو 15.6 ألف دولار - وهو يعتبر مبلغ كبير بالنسبة للمزارعين.

وفكرت ريم في مشروع شبكة ري بالتنقيط لأراضي المزارعين في قريتها والذي خفض تكلفة الري السنوية ل3 آلاف جنيه فقط، ولكن الأمر كان يتطلب المال لشراء المواسير وبعض المستلزمات الميكانيكية. وكان من الصعب تضحية المزارعين ووالدها ببيع ماشية أو قطعة أرض. 

لكن والدها كان مؤمن بفكرتها، فباع ماشيتين واستطاعت ريم ان تبني شبكة ري لأرضهم فقط وبعد نجاحها وتحقيق الأرض محصول وفير نتيجة ذلك، تسارع المزارعون لتنفيذ فكرتها، لكن المال كان عائق لديهم.

 سمعت ريم عن مبادرة نظمها جهاز تنمية المشروعات الصغيرة المصري لمساعدة أصحاب المشاريع الصغيرة. وقدمت الأوراق المطلوبة واستطاعت أن تحصل على قرض بمبلغ 100 ألف جنيه مكنها من تنفيذ مشروعها لمعظم أراضي قريتها "دندرة" التابعة لمحافظة قنا. 

"بعد عامين فقط حصلت على قرض آخر ب 400 ألف جنيه واستطعت أن أمد المشروع لأكثر من 10 قرى أخرى،" بحسب ريم والتي بسببها بدلا من أن كان المزارع يعاني من عملية الرى، الآن أصبح كل ما عليه أن يفتح "حنفية صغيرة"، على حد تعبيرها لروي أرضه. 

من محل ساعات صغير لمصنع كبير 

منذ الصغر اعتاد عمر كريم أن يذهب مع والده إلى محل الساعات الذى كان يعمل به الأب، كان يجلس يتأمل الساعات والمنبهات التي كانت معلقة في المحل الصغير.

 وبعد أن توفى صاحب المحل اشتراه الأب. لكن لكبر سنه وتطور الحياة وظهور الموبايل والتي جعلت الساعة سلعة غير ضرورية أغلق الأب المحل.

 وبمجرد أن تخرج عمر من الجامعة وبحث عن العمل دون جدوى فكر في العودة إلى محل والده المغلق وقرر أن ينتج ساعات الحائط ولا يعتمد على الاستيراد.

 تمكن من تأجير ورشة صغيرة في منزل مجاور وبدأ في تنفيذ أعماله بعدد محدود. 

وبحسب عمر، وهو صاحب مصنع ساعات الآن بمحافظة الجيزة بمصر: "بدأنا المشروع من عام ونصف العام، تمكنا من إنتاج ساعات حائط ومنبهات مصرية لأول مرة في مصر. الآن لدينا فوق 100 موديل ".  

 "الآن لدى مصنع هو رقم واحد في مصر لإنتاج ساعات الحائط وننتج 80 ألف ساعة في السنة الواحدة"، أضاف عمر الذي قال أنه أيضا تلقى مساعدات حكومية في بداية عمله.

نساء النوبة والمشغولات اليدوية 

في النوبة – جنوب مصر -  تعد المشغولات اليدوية واحدة من الحرف التي تشتهر بها النساء هناك، حيث يجدن إتقانها بدقة عالية.

وكانت فاطمة النوبي إحدى رائدات تطوير وتوسيع هذا العمل في تلك المنطقة ليتحول إلى مصدر دخل رئيسي لمئات الأسر.  

"هنا فى قرية غرب سهيل بمدينة أسوان أعيش مع زوجى وبناتى الصغار، بعد أن توقفت السياحة في 2011 (بسبب الأوضاع السياسية التي أعقبت انتفاضة 2011)، أصبح هناك عدد كبير من الشباب فى أسوان وخاصة النوبة يواجهون البطالة."

"ففكرت في أن أساعد زوجي من خلال الحصول على قرض وعمل مشروع عبارة عن مشغل لصناعة المشغولات والحرف اليدوية التي يتقنها نساء النوبة بعد أن ورثوها من أجدادهم ."   

المشهد هناك كالتالي: النساء يفترشن الحصير أمام بيوتهن الملونة و يجلسن يوميا من الصباح الباكر وحتى الغروب لصناعة المشغولات اليدوية من شنط حريمى وسجادة صلاة، بالإضافة إلى الطواقى والمعلقات المنزلية والمفروشات وغير ذلك من استخدامات أهل النوبة قديما . 

"التحقت أنا وبعض السيدات بجمعيات لنتعلم أكثر عن كيفية اتقان تلك المشغولات اليدوية. وحصلنا على قروض من الدولة والآن نحقق دخل كبير يكفى لنا ولأولادنا ."   

كيف تحول "تحويشة العمر" الى مشروع صغير للمخلل؟ أحمد يجيبك 

في قرية النخاس التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية بدلتا مصر، يعيش أحمد مصطفى، الذي ظل يعمل موظف في إحدى شركات المقاولات الخاصة لمدة تزيد عن 12 عام منذ تخرجه من الدراسة.

 في يوم من الأيام قرر عدم الذهاب إلى تلك الكرة مرة ثانية وأبلغهم باستقالته. وقتها نهره والده، والذي طبقا له، لا أحد يجد فرصة عمل مثل تلك ويتركها .

لكن أحمد كانت له وجهة نظر أخرى. 

"بدأت حياتي العملية مشرف معماري فى إحدى شركات المقاولات الخاصة، كنت موظف ناجح. ووصلت بعد سنوات من الخبرة لدرجة مدير مشروع، لكننى كنت دائما ما أشعر بعدم الأمان كلما تقدمت فى السن، وكنت أعلم أن الشركة سوف تستغنى عن خدماتى فى أى وقت. لذا فكرت في مشروعي الخاص. " 

"فكرت في استغلال خبرتي في المقاولات لكنها كانت تحتاج إلى تمويل كبير ولم يكن بحوزتي إلا 55 ألف جنيه هي كل تحويشة العمر."

"بسبب قرب مزارع الزيتون من قريتنا جاءتني فكرة مخلل الزيتون. استأجرت المكان وجهزته واشتريت 50 طن زيتون وخزنته مخلل وبعدما نضج لم أجد مشترى."

"فالمصانع لها تجار يتعاملون معهم ورفض الكثيرون التعامل معى باعتبارى جديد فى السوق، بدأت التفكير للخروج من المأزق، فالخسارة ستكون ضربة قاسمة لا يوجد أمامى بديل غير النجاح، بدأت الف على المحلات والمطاعم الصغيرة وأعرض عليهم بأسعار مخفضة عن السوق لإغرائهم وبالفعل نجحت فى بيع الكمية."  

" كررت نفس التجربة بكميات أكبر وأصبح لنا متعاقدين.. و توسعنا  قبل عامين من خلال "فيس بوك" بعرض المنتج هناك."  

"وطلب أحد المستوردين من دولة عربية والذى كان فى مصر بالصدفة زيارة المصنع، وبالفعل حضر وعاين المنتجات وجودتها، وبدأت فى التصدير له، من هنا بدأت عدد من شركات الاستيراد بالسعودية والكويت والأردن تطلب  منتجاتنا." 

من قصة حب لمصنع

علي سيف وحنان السيد، قبل 15عام كانا يعملان في أحد مصانع المواد الغذائية بمدينة 6 أكتوبر وبسبب مشكلة قرر صاحب العمل أن يطرد حنان من العمل وبسبب ذلك قرر علي هو الآخر أن يترك العمل.

" لم أترك العمل بسبب حنان فقط ،" بحسب علي.

"ولكن كنت أبحث عن مشروع لي. لم أكن راضي عن نفسي في هذا العمل. جلست انا وحنان وفكرنا في مشروع صغير يجمعنا. ولأننى كنت مسؤول في المصنع عن تسلم أغلفة المنتجات ففكرت في شركة صغيرة لتغليف وتعبئة المواد الغذائية."

"جمعنا قرابة 40 ألف جنيه من الأسرة. واستأجرنا ورشة صغيرة في منطقة شعبية بالقاهرة وبدأنا فى تغليف وتعبئة كل المواد الغذائية الزيت والسكر والأرز."

وبعدها حصلوا على تمويل حكومي أيضا وبدأوا بالتوسع حتى استطاعوا أن يوفروا 200 وظيفة للشباب والفتيات.

 "بدأت بسيارة إيجار لنقل السلع الغذائية..  ولدينا أكثر من 6 سيارات."

من الطلاق إلى مصنع الملابس الجاهزة   

ب"ماكينة خياطة واحدة " استطاعت عفاف الدسوقي أن تسد احتياجات أبنائها الثلاثة بعد طلاقها من زوجها.

" كان لازم اشتغل علشان أعرف أعيش أنا وأولادي. اشتريت ماكينة خياطة بعد ان بعت قطعتين ذهب من شبكتي. بدأت بخياطة الملابس لأولادي ثم لأبناء الجيران حتى جاءتني فكرة تنفيذ ملابس "اليونى فورم" لتلاميذ المدارس الخاصة بدلا من أن تشتريه الأسر من المدرسة بمبالغ مرتفعة."  

 "البداية عندما جاءت سيدة من جيرانها لإصلاح بنطلون أبنها. فسألتها عن ثمن البنطلون ووجدته مرتفع جدا. فعرضت عليها ان انفذ له واحد آخر بنصف الثمن. ومن هنا بدأت فكرة تنفيذ ملابس تلاميذ المدارس الخاصة بعد أن ازداد عدد طلبات أولياء الأمور."  

وبحسب عفاف، المشكلة التي واجهتنا كانت ضغط العمل وضرورة البحث عن ماكينات إضافية والوصول إلى اليد العاملة.

 "علمت ابنتي الخياطة و ابنة شقيقتي أيضا إلى أن وصل عدد العاملات في المشغل قرابة 10 عاملات. وقتها تقدمت بأوراقي إلى جهاز تنمية المشروعات الصغيرة وجاءت لجنة وشاهدت المشغل ووافقوا على منحى قرض بقيمة 200 ألف جنيه. انتقلت إلى مكان أكبر واشتريت ماكينات أكثر. الآن أصبح لدي مصنع كبير لإنتاج الملابس الجاهزة ويعمل معى اكثر من 60 عامل وعاملة ."   

وأضافت عفاف :" الآن إنتاج المصنع 100% تصدير للخارج، ومن أبرز الدول التي نصدر إليها إيطاليا وإسبانيا وكرواتيا وفرنسا وروسيا وألمانيا وتركيا، وحصلنا على شهادة جودة من تركيا ."

بعد رحلة طويلة من التعب قالت عفاف وهى تجلس في مكتبها الفخم أثناء المقابلة : " كلما نظرت إلى عدد الماكينات والعاملات وحجم الإنتاج أتذكر أول مرة جلست فيها أمام ماكينة الخياطة قبل 10 سنوات. وقتها إبرة الخياطة أصابتني وسقطت بقعتين من الدم فوق قميص أحد الجيران ودفعت ثمنه رغم أنه لم يكن معى غير 50 جنيه فقط" . 

 

(إعداد: أحمد حسن، للتواصل: yasmine.saleh@lseg.com)

#أخباراقتصادية

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا