الملابس هي واحدة من أكبر الصناعات وأكثرها كثافة في استخدام الموارد في العالم.

إنه عمل معقد يتضمن سلاسل توريد كبيرة ومتنوعة تعبر أسواق متعددة، بما في ذلك الزراعة والتصميم والتصنيع والشحن وتجارة التجزئة والتسويق وخدمات إعادة التدوير. 

وبحسب تحالف الأمم المتحدة للأزياء المستدامة، والذي هو عبارة عن مبادرة لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الحليفة المصممة للمساهمة في أهداف التنمية المستدامة من خلال العمل معا في قطاع الموضة، تعتبر الأزياء صناعة عالمية تبلغ قيمتها 2.4 تريليون دولار أمريكي وتوظف ما يقرب من 300 مليون شخص - كثير منهم من النساء - ومن المتوقع أن ينمو حجم هذه الصناعة خلال السنوات القادمة.  

وكصناعة أيضا، تعتبر الأزياء من بين أسوأ الملوثات في العالم، ولها تأثير كبير ومباشر على جودة الهواء والماء، فضلاً عن إنتاج قدر كبير من النفايات الصلبة. 

ونظرًا لحجمها وانتشارها العالمي، فإن الممارسات غير المستدامة في قطاع الموضة لها تأثيرات مهمة على مؤشرات التنمية الاجتماعية والبيئية. وبدون تغيير كبير في عمليات الإنتاج وأنماط الاستهلاك فيها ، ستستمر التكاليف الاجتماعية والبيئية للقطاع في الارتفاع. 

الأثر البيئي الكبير  

تشير مجموعة من التقارير البحثية المنشورة حديثاً الى حجم البصمة الكربونية والبيئية الكبيرة التي يخلفها القطاع.  

بحسب تحالف الأمم المتحدة للأزياء المستدامة، فان صناعة الأزياء مسؤولة عما يقدر بنحو 2-8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وتستهلك الصناعة حوالي 215 تريليون لتر من المياه سنويًا.

 كذلك قدّر تقييم مشترك سابق أجرته مؤسسة Quantis ومؤسسة ClimateWorks بعنوان "قياس عالم الأزياء"، أن قطاعات الملابس والأحذية العالمية مجتمعة مسؤولة عن 8% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. 

وفي دراسة اجرتها خدمة الأبحاث في البرلمان الأوروبي (EPRS) حول التأثير البيئي لصناعة النسيج والملابس، تبين أن الملابس وحدها مسؤولة عن 2% الى 10% من التأثير البيئي الناجم عن استهلاك الاتحاد الأوروبي. 

ويشير تقرير صادر عن شركة McKinsey and Companyوموقع Business of Fashion، بعنوان" حالة الموضة في 2020” إن القطاع مسؤول عن توليد ما بين 20% إلى 35% من تدفقات الجسيمات البلاستيكية التي تنتشر في المحيطات.  

نحو الموضة المستدامة  

الرغبة في استعادة صورة القطاع المشوهة ومعالجة أوجه القصور فيها التي أبرزتها الأبحاث، شكلت دافع نحو الاستدامة التي تجتاح القطاع حديثا.

ولحسن الحظ، فإن حجم الصناعة وتأثيرها يعني أن من بداخلها لديهم فرصة ممتازة للتأثير بشكل إيجابي على البيئة  بنفس الدرجة التي يؤثرون فيها على الاقتصاد، والحد من آثارها البيئية والاجتماعية السلبية؛ وتحويل الموضة إلى محرك لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. 

وتتناول الأزياء المستدامة الطريقة الكاملة التي يتم بها إنتاج الملابس، ومن ينتجها، والعمر الافتراضي للمنتج قبل أن يصل إلى مكب النفايات. تكافح هذه الحركة المستدامة البصمة الكربونية الكبيرة التي خلقتها صناعة الأزياء.

أفعال لا شعارات  

إذا كانت صناعة الأزياء حقا تستهدف التوصل الى أهدافها للتنمية المستدامة فان مجرد ادعاء الاستدامة وبعض الخطابات التسويقية الرنانة وحدها لا تكفي لتحقيق هذا الهدف.

يتطلب تحقيق هذه الغاية تغيير عميق ومنهجية جديدة وأفكار خلاقة لتصميم الحلول المجدية، بالإضافة الى تعاون كبير بين الشركات المنتجة وزملائهم في سلسة التوريد والحكومات والمستهلكين.  

بمعنى آخر لا يمكن تحقيق هذه الأهداف عبر الرضوخ للضغوط العالمية ومواكبة الاتجاه العام فقط، بل تتطلب التزام أخلاقي بذلك. يجب ان تكون الأزياء المستدامة أيديولوجية كفلسفة يتم مناقشتها على جميع المستويات ومواءمة جميع الفرق الداخلية في الشركة حتى تصبح جزء من الحمض النووي للمنتج، وتتحول معها الى قيمة أساسية للعلامة التجارية.  

تحويل الاستدامة الى قيمة يتطلب مجهود، وموارد والتزامات. تبدأ عملية تبني مفاهيم الاستدامة من الإدارة، ثم تتدرج إلى كل شخص له دور في الموضوع. من سلاسل التوريد، وصولا الى إلهام العملاء وشركاء الأعمال للانضمام في الرحلة نحو الاستدامة. 

عندها فقط يتم تصميم منتج عملي بجودة عالية وصديقة للبيئة كما تتم إدارة الموارد خلال عملية التصنيع بكفاءة وفعالية مع الاهتمام بالبيئة.

بطبيعة الحال، يميل أي شيء جديد إلى أن يكون أغلى ثمنا قليلاً، ثم يتكيف مع هيكل تسعير أكثر واقعية. بعدها يصبح تسعير القيمة الحقيقية للاستدامة في منتجات الأزياء هو القاعدة، بحيث يمكن للمستهلكين رؤية أن السلع المستدامة لا تعكس فقط قيمهم الأخلاقية، بل إنها توفر قيمة مالية جيدة أيضًا. 

الشرق الأوسط يتحول  

لسنوات، لم يكن مفهوم الاستدامة في الشرق الأوسط ناضج كما كان في الغرب.

في الآونة الأخيرة كان هناك تحول كبير في النهج نحو الاستدامة: الآن، تتحرك الحكومات والشركات والمستهلكون في نفس الاتجاه.  

 تعد الاستدامة أيضًا أحد الموضوعات الرئيسية لمعرض إكسبو 2020، الذي يعقد في دبي. في هذا الحدث، يجتمع اللاعبون الرئيسيون من جميع أنحاء العالم لمشاركة إبداعاتهم وعرض ابتكاراتهم وإيجاد طرق جديدة للتعاون. 

كذلك، أدى الانتشار الواسع لأشهر العلامات التجارية للأزياء في العالم في المنطقة إلى زيادة الوعي بين المستهلكين وتجار التجزئة المحليين على حدٍ سواء.  

قد لا يزال المستهلكون في جميع أنحاء الشرق الأوسط لا يتبنون ولا يفهمون المنتجات والمبادرات المستدامة بشكل كامل، الا ان وعي المستهلك بالمنتجات المستدامة يتزايد بسرعة. يتم تصميم العديد من المنتجات اليوم بعناية، باستخدام مواد مثل البوليستر المُجدد، والقطن العضوي المعاد تدويره والأقمشة المستدامة الملونة بأصباغ صديقة للبيئة. 

في النهاية

 يلعب عالم الأزياء دور حيوي بسبب جميع المجالات والصناعات التي يمسها. إنه يساهم بقدر كبير في الاقتصادات المحلية، ويخلق ملايين الوظائف، ويؤثر على سلسلة التوريد العالمية وله آثار اجتماعية كبيرة أيضًا. ولذلك يصبح تطوير الدور الذي تلعبه الموضة أكثر إلحاحًا مع مرور كل عام، حيث تزداد ندرة موارد كوكبنا. 

 

(إعداد:  محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

#مقالرأي

© Opinion 2021

المقال يعبر فقط  عن أراء الكاتب الشخصية
إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى المشترك ومحتوى الطرف الثالث:
يتم توفير المقالات لأغراض إعلامية حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي نصائح أو أراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية استراتيجية استثمارية معيّنة.