من سامح الخطيب

القاهرة 6 أكتوبر تشرين الأول (رويترز) - بين خطين متوازيين يسير أحدهما فوق أعلى قمم السلطة بينما يجتاز الآخر الحواري والأزقة خلف قصص البسطاء والمعدمين، يكسي الكاتب المصري ناصر عراق شخوص روايته الجديدة (دار العشاق) لحما ودما لينطقوا بالكثير عن زمن ظن البعض أنه باح بكل ما فيه.. زمن محمد علي باشا.

والرواية الصادرة في 256 صفحة من القطع المتوسط عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة هي الأحدث في سلسلة روايات الصحفي والإعلامي المصري الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة وفاز بجائزة كتارا للرواية العربية عام 2016 عن رواية (الأزبكية).

تدور أحداث (دار العشاق) في السنوات التالية مباشرة لمذبحة القلعة حين قضى محمد علي باشا على الممالك وانفرد بحكم مصر وشرع في التجهز لحملة عسكرية لمحاربة الوهابيين في شبه الجزيرة العربية.

وبينما يلهث الحاكم وراء حلمه بالمجد العسكري والفتوحات وينشغل بكنز المال واستمالة قناصل الدول الغربية للحفاظ على منصبه، ينسحق السواد الأعظم من المصريين تحت وطأة الضرائب والأعباء المادية المفروضة لتحقيق أحلام حاكمهم.

وما بين الحاكم المغرم بالسلطة والشعب المغلوب على أمره يعيش في مصر أجانب جاءوا من أصقاع الأرض من كل جنس وعرق فمنهم من حمل الخير للبلد وشعبه ومنهم من استنزف موارده وتملك الأرض واحتكر السلع وتاجر حتى في البشر.

وهنا يبرع المؤلف في رسم صورة نابضة لأحياء مصر قديما، الراقي منها والشعبي، ويتطرق إلى ساكنيها ومستوياتهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم، حتى نهر النيل يتغزل فيه عندما كان بكرا لم يتلوث بعد.

ومن بين سيل حكايات فاضت بها (دار العشاق) تطفو على السطح حكاية الرسام الفرنسي شارل، ذلك الرجل الذي جاء إلى مصر وفي قلبه عشق للبلد وأهله وتلاقت مبادئ الحضارة الغربية بداخله مع تطلع المصريين للحرية والكرامة.

وتنشأ علاقة وطيدة بين الرسام الفرنسي ونماذج متنوعة من المصريين منهم الحداد والنجار وبائع الطيور، فيعلمهم اللغة الفرنسية والرسم ويفتح مدرسة للمكفوفين في وسط الحي الشعبي الذي اختار السكن به.

ويبارك هذه العلاقة ويدعمها الشيخ عمر مكرم، الشخصية المعروفة تاريخيا بمواقفها الوطنية التي ربما استعان بها المؤلف في سياق الأحداث للدلالة على سلامة فطرة المصريين وانحيازهم نحو الخير.

ويستخدم المؤلف الهالة التاريخية المحاط بها الشيخ الجليل ليضع على لسانه قرب نهاية الأحداث خلاصة ما أراد قوله من وراء عمله الأدبي.

يقول الشيخ محدثا الرسام الفرنسي "المصريون يا بني شعب طيب يستقبلون الغرباء بمودة واحترام إذا جاءوا ليُعمروا ويبنوا.. لكن كل من حكم مصر في القرون الأخيرة كانوا من الأجانب الذين دخلوا طامعين ليسيطروا وينهبوا وينعموا بخيراتها، وقد تركوا الشعب غارقا في الفقر والجهل والمرض.

"ولو كان هؤلاء الأجانب دخلوا مصر عشاقا لها ولأهلها، حالمين بتحقيق العدل وتطوير البلد وتعليم أبنائه من أجل تصبح مصر دارا ضخمة للعشاق، لوضعهم الناس فوق رؤوسهم".

(تحرير أمل أبو السعود)