من إسراء أحمد، محلل اقتصادي أول

شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر

حصري لزاوية عربي

لقراءة الجزء الأول من التقرير 

حصري لزاوية عربي الاقتصاد المصري: تحسنت المؤشرات ولكن .. هل يكمن الشيطان في التفاصيل؟

الجزء الثاني

كيف إذن يمكن الوصول بالمجهود المبذول إلى المواطن بشكل أكثر مباشرة؟ 

استعرضنا في جزء سابق أسباب وجود فجوة بين ما تحققه الحكومة من تحسن في المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، وما يشعر به المواطن فعلياً، أو دعونا نقول ما يريد أن يشعر به حتى يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي ونتائجه بنفس القدر من الحماسة التي تبديها الحكومة. فالاقتصاد قد يبدو وأنه يعاني شيئاً من الجفاف حين يهتم بالمؤشرات الكلية البحتة، كالنمو وعجز الموازنة، وهي مؤشرات شهدت تحسناً في مجملها. ولذا، ظهرت أفرع من علم الاقتصاد تهتم بأمور أكثر قرباً لحياة الناس اليومية كالتنمية الاقتصادية والاقتصاد السياسي وغيره مما يدرس أثر الممارسات الاقتصادية على الفرد وتوزيع الدخل، مستوى المعيشة ومستويات الرفاهية. 

وبما أن الهدف الرئيسي من العلوم الاجتماعية والإنسانية كالاقتصاد وفروعه هو تحسين معيشة الفرد ومستوى رضاه وتمكينه من تحقيق أهدافه، فدعونا نستعرض بعض أوراق اللعبة التي نظنها رابحة ليصل التحسن الاقتصادي للمواطن بدلاً من بقائه مقتصراً على الأرقام الكلية والتقارير. 

رأس المال البشري ... ورقة لابد من الرهان عليها 

وفي الحالة المصرية لابد من الاستثمار في عنصر الوفرة وهو القوة البشرية، وهو ما يستدعي استثماراً كثيفاً في الصحة والتعليم. فزيادة الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم سينعكس بشكل مباشر وإيجابي على تنمية القدرات البشرية وإنتاجية الفرد، وهو أمر ضروري للتنمية في دولة كثيفة السكان كما في الحالة المصرية. كما أن الاهتمام بالخدمات من صحة وتعليم يقتضي الاستفادة من صور التعاون مع القطاع الخاص وتعاقدات الـ Public Private Partnership وغيرها. 

ولكن قد يبدو هذا الكلام قديماً وقتل بحثاً كما يقال. 

وهذا صحيح لأن المشكلة هنا أن الاستثمار في الصحة والتعليم هو عملية طويلة الأجل، ونتيجته تظهر على المدى الطويل. 

هل من حلول أسرع في نتائجها؟ 

إلى أن نرى مواطناً مصرياً أكثر حظاً فيما يحصل عليه من خدمات صحية وتعليمية، لابد من حسن استغلال العنصر البشري في النمو الاقتصادي الذي تستهدفه الحكومة خلال الفترة الحالية.  

ولتحقيق ذلك، نرى أن "جملة السر" الأولى هي "الصناعات كثيفة العمالة عالية التصدير". 

 فبالرغم من أهمية قطاع البناء والتشييد وقدرته على خلق فرص عمل، إلا أن قطاعاً مثل الصناعات التحويلية – والذي يضم على سبيل المثال صناعة المنسوجات والملابس، الجلد، الخشب، المشروبات، الأجهزة الكهربائية، والأثاث وغيرها – أو قطاع آخر مثل الزراعة والصيد يمثلان مجتمعين حوالي 33% من جملة المشتغلين في مصر، ويساهمان معاً بما يقرب من ربع الناتج المحلي المصري، وهو قيمة إجمالي ما يتم إنتاجه داخل الدولة من سلع وخدمات، ولهما قدرة على استيعاب أعداد كبيرة من القوة البشرية المتنامية. 

والأهم من ذلك أن هذين القطاعين يتسمان بالاستدامة والقدرة على التصدير وهو أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة من مسار الاقتصاد المصري، حيث تقدم مصدراً مستداماً للعملة الصعبة وهو أمر حيوي للحفاظ على قيمة العملة الوطنية وتجنب ارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وذلك من خلال تقليص خلل الميزان التجاري في مصر، أي الاتساع في الفجوة بين الصادرات والواردات لصالح الأخيرة. 

 كذلك تتسم تلك القطاعات بالقدرة على توظيف العنصر البشري متوسط ومحدود التعليم، وهو ما نحتاجه خلال الوقت الحالي إلى أن يتسنى تحسين رأس المال البشري المصري بإتاحة تعليم أفضل جودة لعدد كبير من الناس. ولكي نقدر حجم الفجوة والمساحة التي علينا أن نتحرك فيها، نعطي مثالاً من دولة أخرى. فبنجلاديش على سبيل المثال تحقق ما يتجاوز 25 مليار دولار من صادراتها من الملابس الجاهزة، في حين أن مصر بما تحمله من تاريخ لصناعة الغزل والنسيج وبخصائص القطن المصري الشهير، لم تتجاوز صادراتها من الأقمشة والملابس الجاهزة لعام مالي كامل وهو 2018/19 حوالي 1.75 مليار دولار فقط. 

مدينة جديدة أم ورشة لصناعة السجاد؟  

هذا هو السؤال الذي يجب أن يُسأل في هذه المرحلة. 

فقطاعات البناء والتشييد والبنية التحتية كالكهرباء لها أهميتها ولا يمكن أن ننكر ذلك، وتحقق زيادة في نسبة تشغيل المصريين، إلا أن كثيراً من العمالة في تلك المشروعات تعمل على نحو مؤقت، ولها طابع معين يُستبعد منه المرأة على سبيل المثال. 

بينما إذا تخيلنا نمواً واسعاً في ورش إنتاج مواد مصنعة بسيطة – مثل ورش إنتاج الجلود، أو المنسوجات والسجاد والملابس على سبيل المثال – نجد أن النتيجة المتوقعة مختلفة في أثرها على توظيف العنصر البشري بنوعيه، خلق فرص مستدامة، إلى جانب توفير سلع تكسب أرضاً تصديرية في الخارج وهي كلها أمور هامة لنواحي الاقتصاد المختلفة، تنموياً واجتماعياً. 

وربما تصبح الفكرة أكثر وضوحاً إذا نظرنا إلى معدل البطالة والذي شهد تحسناً كبيراً من 12.8% في عام 2015، إلى 7.5% في الربع الثاني من 2019. ولكن حين نقرأ المؤشر من الجانب الاجتماعي، لابد أن نذكر أن عدد المشتغلات من الإناث قد انخفض بين الفترتين من 4.8 مليون مشتغلة إلى 4 ملايين خلال نفس الفترة، وهو أمر له أهمية اجتماعية في مجتمع يحاول تمكين المرأة وإبراز دورها في العمل ويولي أهمية خاصة لقضية المرأة المعيلة مثلاً. 

بترول وغاز، أم صناعة وزراعة؟ 

من ناحية أخرى، يلاحظ في السنوات الأخيرة اتجاه الاستثمار الأجنبي بشكل كبير إلى قطاع الغاز الطبيعي، مع تواضع التدفقات التي يحظى بها قطاع الصناعة وشبه انعدام نصيب قطاع الزراعة منها.  

وهو أمر يتطلب تحركات تحفيزية من قبل الحكومة أكثر تأثيراً مما تم بالفعل لجذب هذا النوع من الاستثمار ليس الأجنبي فقط وإنما المحلي وهو الأهم والأكثر استمرارية. 

فوفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، استحوذ قطاع البترول والغاز على ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي التدفقات الأجنبية الواردة إلى مصر (حوالي 74% منها)، وذلك خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2018/19، والذي بدأ في يوليو 2018 وانتهى في يونيو 2019، بينما لم تتجاوز الاستثمارات الأجنبية التي اختارت مجال الصناعة خلال نفس الفترة 6% من إجمالي الاستثمارات، وكان قطاع الزراعة أقل القطاعات حظاً، بـ 0.4% فحسب. 

وربما يعكس اختلاف القطاعات التي يتجه إليها الاستثمار وتحوله من القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية إلى قطاع الغاز، تغير خريطة الدول مصدر هذه الاستثمارات، حيث نلاحظ خلال الأعوام المالية 2014/15 إلى 2018/19 تراجع الاستثمارات العربية من 2.7 مليار دولار إلى 1.6 مليار دولار (وخاصة الاستثمارات السعودية والإماراتية التي تراجعت بمقدار النصف تقريباً) لصالح تنامي الاستثمارات الأوربية من 6.5 مليار دولار إلى 9.4 مليار دولار خلال نفس الفترة. 

الضرائب 

هي أحد أهم الإحداثيات التي يرسم بها المستثمر – محلي أو أجنبي – خريطته، عندما يقرر الاستثمار في بلد ما. 

ولهذا هناك ضرورة لوجود خطة واضحة وشاملة للسياسة الضريبية للسنوات القادمة، حيث أن فترة الإصلاح ومحاولات الحكومة لزيادة موارد الموازنة أدت إلى إحساس عام بعدم استقرار الالتزامات الضريبية التي تقع على المستثمر وقابليتها للزيادة في أي وقت. 

خلفية سريعة على الضرائب في مصر 

ففي فترة وجيزة، تم تطبيق الضريبة على القيمة المضافة بدءاً من 2016 – والتي بدأت بمعدل 13% لتصل لاحقاً إلى 14% – بدلاً من سابقتها ضريبة المبيعات التي كانت مفروضة بمعدل 10%، إلى جانب عدم الوضوح فيما يتعلق بالضريبة على الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة، والتي من المقرر أن تفرض على الأرباح المحققة من خلال التداولات في البورصة المصرية ويتحملها المستثمر، مع وجود أخبار متداولة مختلفة عن تعديلات مرتقبة على قانون الضريبة على الدخل. ذلك الزخم سبب شعوراً عاماً "بالترقب" وعدم اليقين لدى المستثمرين. 

أسعار الطاقة للقطاع الصناعي 

خلفية سريعة 

اتخذت الحكومة المصرية مؤخراً خطوة في الاتجاه الصحيح حين قامت بمراجعة أسعار الغاز الطبيعي للقطاع الصناعي، حيث قامت في مطلع أكتوبر الماضي بخفض أسعار الغاز لبعض الصناعات، وهي الأسمنت من 8 دولار إلى 6 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية (وهي وحدة قياس الغاز للقطاع) وكذلك صناعة الحديد والألومنيوم والنحاس والبورسلين والسيراميك من 7 دولار إلى 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية. 

واختصاراً، ومع الاعتراف بوجود مجهودات لإزالة بعض الاختلالات في الاقتصاد المصري من خلال برنامج الإصلاح المطبق منذ نوفمبر 2016، إلا أننا نرى أن وصول تلك المجهودات للمواطن الفرد لازال يحتاج إجراءات كثيرة ومجهودات أكبر بإجراءات أكثر هيكلية لزيادة الإنتاجية والاهتمام بالخدمات العامة وتحقيق النمو الاقتصادي في القطاعات الأكثر قدرة على تحقيق التشغيل المستدام والمساهمة في التصدير. 

وهو أمر قد يتطلب وقتاً أطول وإجراءات أكثر عمقاً لكنه كذلك يضمن تغييراً أكثر تأثيراً على الناس – أغلبية الناس – حتى لا نجد أنفسنا في حاجة إلى برنامج إصلاح آخر بعد سنوات لمواجهة نفس المشكلات. 

 

 (للتواصل: ياسمين صالح، yasmine.saleh@refinitiv.com)

© ZAWYA 2019

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا