زاوية عربي


أمسكنا في مقال سابق ببعض أطراف الخيوط المتشابكة التي أدت إلى الوضع المعقد الذي يشهده لبنان حالياً، اقتصادياً على الأقل. وإن كنا تكلمنا عن النمو الاقتصادي وهيكل الاقتصاد غير المتوازن، فلا يمكن أن نغفل مشكلات أخرى تظهر بوضوح في أداء الدولة داخلياً وخارجياً في إدارة ملفاتها الاقتصادية.

لقراءة الجزء الأول: كيف تساقطت أوراق أشجار الأرز؟ (الجزء الأول)

دعونا نتابع إذن كيف سقطت أوراق أخرى من شجرة الأرز.

الورقة الثالثة: عجز مزمن في الميزان التجاري، وقطاع خارجي هش

مع اتجاه لبنان لاقتصاد تقوده الخدمات والقطاع المصرفي، لم يجد البلد الجميل الكثير من السلع ليبيعها للدول الأخرى. وبلغة اقتصادية "جافة"، نقول أن لبنان لديه عجز مزمن في ميزانه التجاري.   

 

>

المصدر: وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية

وليس الميزان التجاري هو نقطة الضعف الوحيدة في القطاع الخارجي للبنان، ولكنه أحد أهم المشاكل.

حيث يعتمد الحساب الجاري بميزان المدفوعات اللبناني على تحويلات العاملين بالخارج، والسياحة – التي تأثرت بدورها كثيراً بالأوضاع السياسية ومنع دول الخليج مواطنيها من السفر إلى لبنان - كمصدر للعملة الصعبة، وكان من الأجدر أن يستند الحساب الجاري بالقطاع الخارجي اللبناني ميزان تجاري سلعي قوي يكفل مصادر مستديمة للدولار بدلاً من تلك المصادر المتذبذبة بطبيعتها. كل تلك العوامل جعلت من الحساب الجاري من ميزان المدفوعات اللبناني بمثابة وحش يلتهم من القوة الحقيقية لعملة اللبنانيين.

مع الضخامة النسبية للعجز التجاري، اتسع كذلك الحساب الجاري، وهو الحساب الذي يضم المعاملات الجارية غير الرأسمالية للدولة، أي ميزانها السلعي والخدمي والدخل الذي تحصله من استثماراتها والتحويلات الجارية التي تصلها من الدول الأخرى أو مواطنيها المغتربين.

ولم يكن عجز الحساب الجاري ضخماً فقط، بل هو أحد أوسع نسب العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي عالمياً، بمتوسط ربع الناتج المحلي الإجمالي منذ 2010 حتى الآن.

>

المصدر: صندوق النقد الدولي 

ومع هشاشة الحساب الجاري في ميزان المدفوعات اللبناني، اعتمد الاقتصاد اللبناني على تدفقات الودائع بالعملة الأجنبية إلى القطاع المصرفي والاقتراض والاستثمار الأجنبي المباشر – أي ببساطة الحساب المالي في ميزان المدفوعات – تلك التدفقات التي تراجعت خلال سنوات ما بعد حرب سوريا والتي بدأت بانتفاضة شعبية في 2011 ثم تحولت إلى حرب أهلية، مسببة المزيد من الضغط على العملة اللبنانية.

>

المصدر: البنك الدولي 

ومع استمرار العجز في الميزان التجاري والحساب الجاري من ناحية والتشبث بسعر صرف مرتبط بالدولار من ناحية أخرى، أصبحت الليرة مسعرة بأعلى من قيمتها الحقيقية بشكل كبير، مما نتج عنه اختلالات كثيرة.

وفي العموم، ينظر المستثمر – وبالذات المستثمر الأجنبي – بكثير من الحذر إلى العملة المبالغ في قيمتها، وهي تمثل له عامل خطر وأرض هشة من الممكن أن تنهار في أي وقت. فلم المخاطرة بتحويل مبلغ من المال إلى عملة ما قد تسوي نصف قيمتها لاحقاً...؟ وفي الحقيقة، هي ليست نظرة المستثمر فقط، بل والجهات والدول المانحة والاهم الأفراد الذين يرسلون تحويلاتهم من الخارج والذي يعتمد عليها الميزان التجاري.

 

(وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة 

 

 

 

 

 

 

© ZAWYA 2020

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا