عاشت مصر في ظروف غير مستقرة منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011. ولأول مرة في تاريخه، أطاح الشعب المصري برئيسه، وانتخب رئيسًا ثيوقراطيًا، أطاح به بعد سنة من التدخلات الدستورية لتشديد قبضته على السلطة، وانتخب رئيسًا جديدًا يقود حاليًا برنامجًا إصلاحيًا.

من السمات المميزة لهذا الإصلاح وجود إستراتيجية تدريجية للحد من عبء الإنفاق الحكومي، من خلال الإلغاء التدريجي لدعم الوقود والطاقة وتشجيع الاستثمار. ومن الإنصاف القول إن السنوات الثلاث الماضية شهدت إعادة إحياء الأمل في قدرة مصر على النهوض من سكونها، والمطالبة بمكانتها اللائقة بين اللاعبين الاقتصاديين العالميين. وتنظر هذه المقالة في التغيير التشريعي الرئيسي الذي يدعم الإستراتيجية المذكورة أعلاه.

بسبب الربيع العربي والتحديات التي نتجت عنه، تم استحداث قانون جديد للاستثمار لتلبية احتياجات مجتمع الأعمال المحلي، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر. وبعد بعض النقاشات، قبلت السلطة التشريعية والتنفيذية المصرية التحدي المتمثل في إصدار قانون جديد، يراعي أحدث الممارسات التجارية، ويواجه التحديات الاقتصادية التي تعاني منها مصر منذ عقود. وشملت صياغة القانون مناقشة مطولة مع مختلف الأطراف المعنية. وأخيرا، صدر قانون الاستثمار الجديد في 31 أيار/مايو 2017 المعروف باسم القانون رقم 72 لعام 2017 ("القانون")، وتم العمل به اعتبارا من 1 حزيران/يونيو 2017.

والهدف من هذا القانون هو خلق بيئة استثمارية يجري فيها العمل بسهولة ووضوح وشفافية، حيث يتم تحفيز الاستثمارات الجديدة، مع الحفاظ على الضمانات والحوافز القائمة وتعزيزها. وفي رأينا أن القانون كان له أثر مباشر على جاذبية مصر للاستثمار الأجنبي المباشر ، وساعد بشكل ملحوظ على وضعها ضمن أكثر البلدان جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا.

وضوح المفاهيم وسهولة ممارسة الأعمال

أعاد القانون تقديم الحوافز والضمانات المنصوص عليها في قوانين الاستثمار السابقة، مع إضافة ضمانات وحوافز أكثر تقدمًا. علاوة على ذلك، تم تعريف مفهوم الاستثمار للمرة الأولى بطريقة حديثة، وأزال الغموض في التطبيق من خلال السماح لجميع الشركات التي ينص القانون على الاستفادة منها، وليس فقط تلك التي تندرج تحت نظامها.

يتناول القانون التداخلات الإجرائية بين دمج آلية قانون الاستثمار وأية آلية أخرى تحت رعاية الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة. وهو يخلق عملية مبسطة للمستثمرين لضمان سهولة ممارسة الأعمال التجارية، ويزيل العقبات الإجرائية والموضوعية التي تعترض الاستثمار. الأهم من ذلك أن القانون أعاد إجراءات تخصيص الأراضي، وقدم خيارات أكثر تقدمًا ومرونة لتسهيل العملية التي بدأتها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالفعل.

يحافظ القانون، من بين أهم ضماناته، ويكفل حق المستثمرين في إعادة الأموال، سواء كأرباح أو عائدات تصفية. وقبل إصدار القانون، كانت العودة إلى الوطن تحديًا كبيرًا، نظرًا لنقص العملة الأجنبية في ذلك الوقت. ودعمًا لهذه الضمانات الجديدة، رفع البنك المركزي المصري القيود المفروضة على الشركات لإيداع وسحب العملات الأجنبية. كما اتخذ القانون خطوات إيجابية نحو تخفيف بعض القيود على تصاريح العمل والتأشيرات، وذلك من خلال مضاعفة حصة الأجانب المسموح لهم بالعمل في مشروع من 10? إلى 20? من إجمالي القوى العاملة، مع السماح للمستثمرين بالحصول على تأشيرات إقامة في مصر مدة المشروع.

وكردٍ على البيروقراطية التي أعاقت طويلاً قدرة مصر على التقدم، يتناول القانون التحديات الإجرائية الرئيسية. حيث تنص المادة 4 من القانون على أنه لا يجوز للسلطات الرقابية، من بين الضمانات والحوافز الأخرى، فرض أعباء أو زيادة الرسوم الحكومية على المستثمرين دون التشاور أولا مع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وقبل الحصول على موافقة كل من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية.

كما يجري اتخاذ خطوات تشريعية أخرى لخلق مناخ استثماري يجذب طائفة واسعة من المستثمرين الأجانب. فعلى سبيل المثال، أصدرت وزارة التجارة والصناعة اللائحة التنفيذية لقانون تيسير إجراءات تراخيص ‏المنشآت الصناعية‎ ‎رقم 15‏‎ ‎لسنة‎ 2017‎ ، والذي يسهل إصدار التراخيص الصناعية من خلال عملية مبسطة يمكن من خلالها الحصول على التراخيص بسرعة. وبسبب تطبيق القوانين السالفة الذكر، سيكون أمام المستثمرين الآن طريق واضح للحصول على الأراضي/الممتلكات اللازمة لأعمالهم، وكذلك تراخيص التشغيل، في غضون فترة محددة.

حوافز ذكية وفعالة

وفقا للمواد 11-12 من القانون، فإن المشاريع الاستثمارية المنشأة بموجب القانون تتمتع بنسبة 30? إلى 50? (حسب نشاطها وموقعها الجغرافي) من تكاليفها الاستثمارية، باعتبارها قابلة للخصم من صافي أرباحها الخاضعة للضريبة. وهذه آلية جديدة للحوافز الضريبية يجري تنفيذها في مصر للمرة الأولى، وقد أشيد بها من قِبَل المهنيين والمؤسسات، وهي تحل محل الإعفاءات الضريبية التقليدية التي لم تثبت جدواها في جلب الاستثمار الأجنبي المباشر. والهدف من هذا الاستقطاع هو تحفيز هدف الاقتصاد الكلي الأوسع نطاقًا، المتمثل في تنمية المناطق في صعيد مصر، فضلاً عن المناطق الاقتصادية الخاصة، بتشجيع المستثمرين على بناء المشاريع اللازمة في المناطق التي تحتاجها.

الإدارة

من العناصر الرئيسية لبرنامج الإصلاح في مصر الإدارة السليمة. وقد كانت هناك أهمية خاصة لتمكين صانعي القرار من إجراء إصلاح إستراتيجي ومستدام. فعلى سبيل المثال، أصبح لدى الرئيس التنفيذي للشركة الآن خمسة نواب لتحقيق اللامركزية في السلطات، إلى جانب السلطات المخولة له أصلاً من أجل تسريع الإجراءات والعمليات. وعلى نطاق أوسع، تم إنشاء مجلس أعلى للاستثمار للإشراف على تخطيط وتنفيذ سياسات الاستثمار ، مع استبعاد جميع النزاعات وأوجه التداخل بين السلطات التنفيذية، التي من شأنها أن تعوق مناخ الاستثمار، وتؤدي إلى إعاقة موجة التقدم الاقتصادي القوية.

الخلاصة

على الرغم من أنه يمثل قفزة نوعية من سابقيه، ناهيك عن أن الاستثمار الأجنبي المباشر بدأ يظهر إشارات جيدة في تقارير 2016-2017، فإن قانون الاستثمار وحده لا يمكن أن يحوّل المناخ الاستثماري. وفي رأينا أن القانون يجب أن تدعمه رغبة تنفيذية في مواصلة وضع سياسات جديدة، ومتابعة الإصلاحات التي تحققت حتى الآن.

كل هذه التدابير مطلوبة من أجل زيادة تحفيز مناخ الاستثمار في مصر. كما يتطلب الأمر دعمًا من قادة الأعمال وشركات مراجعة الحسابات وشركات المحاماة، لتخفيف عملية الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستفادة من الديناميات الجديدة التي أنشأها القانون والإصلاحات التشريعية الأخرى. ومن الضروري أن يواصل المستثمرون وضعهم في الاعتبار التحديات والفرص في مصر ، حتى يكونوا على دراية جيدة بخياراتهم الاستثمارية وقراراتهم.

بقلم أيمن نور - a.nour@tamimi.com  - القاهرة

 

© Al Tamimi & Company 2018