محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يوم الأحد الماضي في بغداد ليست الأولى التي يشهدها العراق، الذي عانى من أعمال عنف متكررة خلال العقدين الأخيرين.

ولعل أبرز هذه المحاولات تلك التي استهدفت نوري المالكي حين كان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون يزور بغداد في 2007. حينها، هز انفجار قوي المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية أثناء انعقاد مؤتمر صحفي مشترك لرئيس الوزراء العراقي آنذاك ومسؤول الأمم المتحدة، الذي اختبئ خلف منصة المؤتمر قبل انهائه سريعا.

وبعد ثلاث سنوات، أفادت تقارير اخبارية بتعرض المالكي لمحاولة اغتيال أخرى اسفرت عن اصابته بطلق ناري في ساقه، وأن عملية جراحية أجريت له في بغداد.

لكن ما قد يجعل محاولة اغتيال الكاظمي هذا الأسبوع أكثر حساسية هو توقيتها، الذي قد يؤدي إلى مزيد من التداعيات في المستقبل القريب.

خلاف حول الانتخابات البرلمانية

يقول حمزة حداد، محلل سياسي مقيم في بغداد، إن "ما يجعل هذا الهجوم مختلف هو أنه تم عقب الانتخابات، التي يشكك البعض في نتائجها مما يجعل تشكيل الحكومة (الجديدة) أصعب".

وكان زعيم "التيار الصدري" في العراق مقتدى الصدر قد تصدر الشهر الماضي نتائج الانتخابات وسط تراجع كبير للقوى السياسية الموالية لإيران.

ورفضت فصائل منها تحالف "الفتح" و"عصائب أهل الحق"، نتائج الانتخابات البرلمانية، محذرة من تبعات سلبية على المسار الديمقراطي في البلاد.

مزيد من التوتر السياسي؟  

شهدت المنطقة الخضراء تظاهرات من أنصار تحالف الفتح، الذراع السياسي للحركات المسلحة الموالية لإيران والتي تتضمن معظم فصائل الحشد الشعبي المسلحة، بعد الانخفاض الكبير لعدد المقاعد التي حازها التحالف في البرلمان، ونددوا بالنتيجة واصفين إياها بالمزورة.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية يوم السبت، قبل محاولة الاغتيال بيوم واحد، أن تحقيق بدأ في مقتل وإصابة عدد من المتظاهرين وقوات الأمن بعد اشتباكات وقعت في بغداد الجمعة، بدون تحديد أعداد الضحايا.

ويظن حداد أن من الممكن أن تزيد محاولة الاغتيال من التوتر بين القوى السياسية، رغم أنها استهدفت الكاظمي الذي لا يتبع حزب سياسي ولم يشارك في الانتخابات.

من جانبه، يعتقد منقذ داغر مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة جالوب الدولية، ومقرها زيورخ بسويسرا، أن المشهد العراقي قد يستفيد من الهجوم "بخاصة إذا أثبتت التحقيقات أن الضالعين في المحاولة هم من قوى اللادولة".

وقال لموقع زاوية عربي "أتوقع أن تؤدي (محاولة الاغتيال) إلى إعادة الاصطفاف باتجاهات أكثر وسطية وعقلانية".

تفاصيل الهجوم  

نفذت محاولة اغتيال الكاظمي ب3 طائرات مسيرة، أسقطت القوات الامنية اثنين منها فيما هاجمت الثالثة منزله. ولم يصب رئيس الوزراء بأذى فيما أدى الهجوم إلى إصابة بعض المتواجدين في المنزل.

ومازالت التحقيقات في الحادث جارية، بينما لم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم. وقال مجلس الوزراء إن محاولة الاغتيال "تمت على يد جماعات مسلحة مجرمة" بدون تحديد هويتها.

وكانت شبكة سي إن إن الأمريكية قد نقلت عن مصدر مقرب من الكاظمي قوله إن الهجوم وقع أثناء عودة رئيس الوزراء من متابعة قوات الأمن أثناء خوضها مواجهات مع المحتجين ضد نتائج الانتخابات البرلمانية عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء، حيث يقع مقر إقامة الكاظمي وغيره من المباني الحكومية والدبلوماسية.  

من وراءه؟  

توجهت أصابع الاتهام للضلوع في عملية اغتيال الكاظمي نحو عصائب أهل الحق، وهي جماعة عراقية مسلحة ذات علاقة قوية مع الحرس الثوري الإيراني، حيث يظهر قيس الخزعلي أمين عام الجماعة في فيديو وهو يتهم الكاظمي بتوجيه أوامر إلى عناصر الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين.  

وتم تصوير المقطع قبل ساعات من تنفيذ العملية، وفقا لتقارير إخبارية. إلا أن عقب الهجوم، أدان الخزعلي في بيان محاولة الاغتيال، وطالب بالتحقيق فيه لمعرفة أسبابه ومن وراءه إذا "لم يكن انفجار عرضي أو ما شابه".

كذلك نفى كتائب حزب الله العراقي الشيعي، وهو فصيل مسلح آخر مدعوم من إيران، الضلوع بمحاولة اغتيال الكاظمي، متهما اياه ب"لعب دور الضحية".

ولا يستبعد جويل وينج المحلل والباحث المعني بالشأن العراقي، وهو مقيم في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وصاحب مدونة ناطقة بالانجليزية تحت اسم "تأملات على العراق"، أن يكون أي من الفصيلين وراء محاولة الاغتيال.

وقال لموقع زاوية عربي "إذا لم يتم إدانتهما مع راعيتهما إيران من كل الفضائل السياسية، سيستمران في مثل تلك الهجمات".

وأضاف "أدان كل القادة السياسيين الهجوم ما عدا الفتح" وسط تشكيك من القوى السياسية المدعومة من إيران ما إذا كان الهجوم قد حدث من الأصل، وادعاءات أخرى أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عنه.

وأدانت إيران محاولة الاغتيال، مرجحة أن تكون أطراف خارجية هي المسؤولة عنها.

ونقلت رويترز يوم الاثنين عن مسؤولين أمنيين ومصادر وصفتها بالمقربة من الجماعات المسلحة في العراق، إن الهجوم الذي استهدف الكاظمي نفذته جماعة مسلحة مدعومة من إيران.

بقاء القوى المدعومة من إيران

من جانبه، يقول زيدون الكناني، وهو محلل سياسي يركز على العراق وباحث في جامعة أبردين باسكتلندا، إن محاولة الاغتيال ستؤذي من خلفها أكثر من حكومة الكاظمي نفسها، حيث أن الأخيرة بنسبة كبيرة تعتبر ضعيفة سياسيا ولا تحظى بدعم سياسي كبير.

لكن في الوقت ذاته يبدو أن "المجموعات المدعومة من إيران أصيبت بيأس كبير من الضغط على الحكومة لضمان الحماية لهم ولاستمرار دورهم في الحوكمة في المستقبل".

وأضاف "لكن إذا استمرت المليشيات في مهاجمة الحكومة بينما لم تشكل الحكومة الجديدة، فقد نشهد.. عدم استقرار شديد".

(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز)  

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

© ZAWYA 2021

#تحليلمطول

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام