"لا أصدق أني أقف الى جانب شاحنة تعمل على الهيدروجين بالكامل، أرامكو في قلب التحول، أحسنت أرامكو،" هكذا غرد يوسف الشمري من مؤتمر "اكتفاء" لزيادة التصنيع محلياً في مدينة الظهران شرق السعودية الذي نظمته شركة أرامكو بين 24 و26 يناير.

تعمل شركات النفط العالمية والدول المنتجة للنفط ومن بينها دول الخليج حالياً على تنويع مصادر الطاقة  لتلبية الطلب المتنامي على مصادر طاقة جديدة من بينها زيادة استثماراتها في الهيدروجين لخفض انبعاثات الكربون الذي يساهم في محاربة التغير المناخي - وهو أصبح واقع ملموس مع التغيرات المناخية الشديدة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة من فيضانات في أوروبا لدراجات حرارة غير مسبوقة في معظم الدول خلال الصيف.

وتتطلع السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكبر مٌصدر للنفط الى أن تصبح أكبر منتج للهيدروجين في العالم وتعتزم  إنتاج وتصدير ما يقارب 4 ملايين طن من الهيدروجين بحلول 2030 فيما تسعى الإمارات بحسب ما أدلى به وزير الطاقة سهيل المزروعي في أسبوع أبوظبي للاستدامة 2022 إلى الحصول على 25% من سوق الهيدروجين في العالم. 

في حديث مع  زاوية عربي قال الشمري وهو أيضا الرئيس التنفيذي لشركة لأبحاث النفط في لندن وباحث سابق في منظمة أوبك "السعودية هي اصلاً الدولة الأرخص في انتاج الهيدروجين من الطاقة الشمسية وهو أمر رائع ولكن الهيدروجين من الطاقة الشمسية لن يلبي الطلب العالمي فالكمية التي يمكنك انتاجها من الشمس هي قليلة مقارنة بما يمكنك انتاجه من الهيدروكربون لكن الهيدروجين مطلب مهم لتعزيز استخدامات الطاقة الشمسية في المملكة حيث يمكن تلبية الطلب في أوقات مختلفة ومعالجة مشكلة التذبذب في الطاقة المتجددة".

وبالفعل أكد وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان في "منتدى دافوس الاقتصادي العالمي" في 19 يناير الذي عقد عن بعد إن السعودية تقوم باستثمارات ضخمة في الغاز الصخري الذي سيستخدم في انتاج الهيدروجين الأزرق ذو الانبعاثات الكربونية المنخفضة.

تبني المملكة حالياً مجمع للهيدروجين في مدينة نيوم وتستطيع انتاج الكهرباء بأقل من 2 دولار للكيلوغرام من الهيدروجين، وفقاً للشمري وأضاف “أعتقد انه بإمكاننا القيام بالمزيد من ناحية انتاج الهيدروجين من الهيدروكربون السائل للوصول الى الهدف بأن تصبح المملكة مورد كبير للهيدروجين الأزرق بحلول 2030 واعتقد ان أرامكو ستكون مهتمه بذلك نظراً لكمية النفط المتوفرة مقارنة بالطاقة الشمسية ولا تزال أرامكو شركة نفط الى حد كبير."

ألوان الهيدروجين

ترمز ألوان الهيدروجين الى عملية انتاجه فالهيدروجين الاخضر هو المثالي اذ لا يتأتى عنه أي انبعاثات نظراً لاستخدام الطاقة المتجددة. 

أما الهيدروجين الأزرق الذي يستخدم الغاز فهو قليل الانبعاثات اذ يتم احتجاز وتخزين الكربون في باطن الأرض أما الهيدروجين الرمادي فينتج عنه ثاني أكسيد الكربون يتم اطلاقه في الهواء فيما يتم انتاج الهيدروجين الأصفر من عملية التحليل المائي عبر الطاقة النووية.

"أريد فعلاً أن تتبين المواقف على حقيقتها، هل نقوم بالتخلص من الهيدروكربون والوقود الأحفوري ونستخدم التغير المناخي كعذر أم أننا فعلاً جديون بمواجهة التغير المناخي وفي هذه الحالة يجب علينا الا نكترث لموارد الطاقة المستخدمة طالما اننا نصل الى هدف التخفيف (من استخدام الهيدروكربون)،" هذا ما قاله وزير الطاقة السعودي في منتدى دافوس. 

تعتمد الصناعات الرئيسية في دولة مثل مصر على الهيدروجين الرمادي المنتج محليا، ما سيجعل تحول البلاد للهيدروجين الأزرق تحدي كبير لصادرات البلاد والمنتجات الصناعية، بحسب دراسة لمعهد أكسفورد لأبحاث الطاقة.

 تلقت مصر عروض بنحو ملياري دولار من شركات إيني الإيطالية وجنرال إليكتريك الأمريكية لتنفيذ مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق في البلاد.

وفي اشارة الى توظيف المرأة السعودية قال الأمير عبد العزيز الى أن العالم سيشهد انتاج السعودية الهيدروجين "الزهري" من الطاقة النووية. 

في جلسة جمعته بوزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان ذكر وزير الطاقة الإماراتي في مؤتمر أسبوع أبوظبي للاستدامة 2022 في الـ 17 من يناير عن نية البلدين العضوين في منظمة أوبك التعاون في مجال الأبحاث والتطوير في ما يتعلق بالهيدروجين. 

من المتوقع أن يغطي الهيدروجين 12% من الاستهلاك العالمي للطاقة بحلول عام 2050، وأن أكثر من 30% من الهيدروجين المُنتج سيتم نقله عبر الحدود بحلول العام نفسه، بحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (ايرينا).

"هل السوق متوفر؟.. من سيشتري؟ وكم؟

في مؤتمر للطاقة عقدته شركة جلف انتليجنس هذا الشهر، أشارت كارول نخلة الرئيسة التنفيذية لـ شركة كريستول انرجي للاستشارات ومقرها لندن الى أن لدى منطقة الشرق الأوسط أفضلية عن الجميع في سباق الهيدروجين لأن انتاجه يعتمد على اللقيم أي الغاز الطبيعي وهو أرخص في المنطقة من أي مكان في العالم، الأمر الذي يمثل ميزة تنافسية.

غير أنه عند النظر للصورة الأكبر لا تتعلق المسألة فقط بكيفية انتاج الهيدروجين أو بتكلفة انتاجه  بل بالسوق، وتساءلت نخلة "هل السوق موجود؟.. من سيشتري؟ وكم سيشتري؟ وكيف سيكون شكل السوق؟ هذا أمر نحتاج لتطويره على المدى البعيد،" وفق نخلة.

وتتوقع آيرينا أن يرتفع الطلب على الهيدروجين الأخضر فقط بحلول منتصف العقد الثالث من القرن الحالي.

وأشار الأمير عبد العزيز في تصريحاته الاخيرة في منتدى دافوس الى تعاون المملكة مع "الآخرين" للتأكد من زيادة حجم سوق الهيدروجين الأخضر وتساءل "من أكثر المسائل المقلقة هي كم سيبلغ حجم سوق الهدروجين الأخضر في السنوات المقبلة؟"

وأضاف "أشعر بالقلق لأننا قد ندخل في مشكلة أمن الطاقة فقد لا يعجب البعض فكرة بأن تكون السعودية مسيطرة أيضاً في مجال الهيدروجين الاخضر ولكن سنصبح كذلك وأتمنى أن يتم تقبل هذا الامر." 

وبحسب كريم الجندي وهو زميل مشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية في الـChatham House في لندن "تستطيع السعودية انتاج الهيدروجين الأزرق والاخضر بسعر منخفض نظراً للبنية التحتية وتكلفة الطاقة المتجددة المنخفضة."

انضمام  دول  أخرى؟

يُتوقع مع مرور الوقت أن تنضم دول شرق أوسطية أخرى لسباق إنتاج الهيدروجين، إذ "سنرى في مرحلة ما كل الدول تعلن ترحيبها بالاستثمارات في الهيدروجين،" بحسب أحمد سمير البرمبالي المدير العام بمجلس صناعات الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقره أبوظبي.

وتتمتع منطقة الشرق الأوسط، بحسب البرمبالي، بالمقومات اللازمة لإنتاج الطاقة النظيفة التي يمكن استخدامها لاحقا لتوليد هيدروجين أرخص، إذ بها مساحات شاسعة من الصحراء القابلة لاستغلالها في إنتاج الطاقة الشمسية، ومساحات شاسعة من السواحل لتوليد طاقة الرياح.

وأضاف: "هناك فرصة في المنطقة كلها على الأخص شمال أفريقيا ودول الخليج،" مشيرا أن الأمر يتطلب أيضا سياسات تسمح بدخول المستثمرين بشكل أسرع إلى السوق وهنا تأتي الإمارات في الطليعة، تليها السعودية ثم مصر ومؤخرا المغرب.

وبالفعل قامت شركة أكوا باور السعودية التي يملك الصندوق السيادي السعودي جزء منها الشهر الماضي بتوقيع اتفاق مع شركة أوكيو العمانية وشركة اير بروداكتس الأمريكية لدراسة تطوير مشروع هيدروجين في ظفار بعٌمان.  

لفت البرمبالي إلى أن المنطقة ستشهد بالتأكيد تحالفات في ما يتعلق بإنتاج الهيدروجين.

وفي هذا الشأن يرى المحلل أن هناك حاجة إلى تأسيس كيان للطاقة النظيفة على غرار منظمة البلدان البلدان المصدر للنفط (أوبك)، لكن تحت اسم "منظمة البلدان المصدرة للطاقة النظيفة" (OCEEC)، ويتوقع أنها ستؤسس قريبا.

سؤال أخير: هل  الهيدروجين  هو  الحل  بالفعل؟ 

أضاف البرمبالي إنه من منظور عملي لكي يكون "الهيدروجين ركيزة التحول للطاقة النظيفة" -كما هو الاعتقاد السائد- فهناك حاجة "لأن يكون لدينا هيدروجين يمكن توليده واستهلاكه بسعر منافس لأسعار الطاقة البديلة التي يتم استهلاكها".

"لكن هذا ليس الوضع الحالي على مستوى العالم، إذ نحتاج لإنتاج الهيدروجين بكميات ضخمة للغاية حتى يتمكن الهيدروجين من المنافسة مع الوقود الأحفوري" وأيضا ليس هناك معايير عالمية لإنتاج الهيدروجين وتوثيقه إضافة إلى الصعوبات في نقله، وفق البرمبالي.

 

(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي 

وريم شمس الدين، وقد عملت سابقاً في مؤسسات إعلامية شملت سي أن أن بالعربية ووكالة رويترز وداو جونز)

(تحرير ريم شمس الدين وياسمين صالح)

( للتواصل: rim.shamseddine@refinitiv.com)

© ZAWYA 2022

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام