09 04 2016

تضمنت تصريحات مستشار رئيس الوزراء للشؤون الأقتصادية : «ان الستراتيجية الجديدة التي اقرتها الحكومة العراقية الحالية تتمثل في تطوير القطاع الخاص وتسهيل دخول الشركات إلى السوق،وشمل فيه جميع العاملين فيه بصندوق التقاعد وتشريع قوانين ترعاهم ،وإعطاء قروض ميسورة للشركات الصناعية والخدمية والتجارية والزراعية. ويلفت إلى أن «تفعيل هذه الستراتيجية التي تمتد إلى عام 2030 وبالاتفاق سيخفف الضغط على القطاع العام، ويسهم في تطوير القطاعات الاخرى ، معللا ذلك الى إن «فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط على الموظفين، إذ يشمل بها كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق الرفاهية لهم، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير».

تقول الأحصائيات الرسمية الآن: ان العدد الحالي للموظفين يفوق ستة ملايين ،منها الموظفون المدنيون ورجال الأمن والمتقاعدون، كما ان «ستراتيجية الدولة العراقية في السنوات السابقة تمثلت في التقليل من مستوى البطالة المرتفعة، إذ تضمنت كل موازنة في الموازنات السابقة أكثر من مئة ألف وظيفة عمل في الدوائر الحكومية».

ولو نظرنا نظرة فاحصة تشخيصية لم نجد في هذه السياسة وسيلة لمحاربة البطالة المرتفعة بين الخريجين من الكليات العراقية الحكومية والاهلية انما تضاعفت الاعداد واتجه معظمهم للعمل في القطاع الخاص او اتجه للهجرة خارج البلد بالرغم من مخاطرها الجمة وخسارته للطاقات الوطنية الشابة التي هو احوج لهم في الفترة العصيبة بدلا من التضخم في مرافق الدولة الاخرى ورواتبهم المفرطة فهم يكلفون خزينة الدولة أعباء إضافية عديدة.

ان عملية الاصلاح الشامل لابد منها ان تطول جميع المرافق المترهلة في الدولة من الذين يهدرون مليارات الدنانير دون عمل حقيقي ،حيث تتطلب اتخاذ اجراءات حقيقية فعالة من الجميع لمحاسبة المفسدين واعادة المبالغ المسروقة من الثروة الوطنية الى ابناء الشعب العراقي الذي اعطى اغلى ماتجود به النفس وتضحياته الجسام لمحاربة «داعش» الأرهابي وتحرير الارض والعرض والمقدسات من هؤلاء المجرمين الذين لا دين لهم ابدا.

الان العراق يصنف من الدول الفاشلة صناعيا وزراعيا اصبح يستورد حتى الخضار والطاطم ،إذ ان واردات النفط وفقا للأسعار الراهنة ومع تكاليف الإنتاج العالية التي تأخذها الشركات بسبب جولات التراخيص النفطية لم تعد كافية لتغطية نفقات الحكومة وبدأت بتنفيذ سياسة التقشف كون هذه الواردات لاتكفي لدفع رواتب موظفي الدولة، اضافة لاقتراضه من البنك الدولي واليابان لتغطية العجز الكبير في الموازنة العامة. العراقي وفلسفته حبر على ورق لاتوجد خطوات حقيقية للاصلاح الأقتصادي الشامل .

كما ان الواردات غير النفطية خاصة من القطاعين الصناعي والزراعي لم تعد تشكل شيئا في الناتج المحلي الاجمالي ؛بسبب تجميد أغلب شركات وزارة الصناعة والمعادن وتحويلها من شركات عاملة رابحة إلى شركات خاسرة . .

اضافة الى ارتفاع نفقات الدفاع وتكاليف الحرب التي تنعكس سلباً على الموازنة العامة، لاسيما ان هذه التكاليف لا تقتصر على الأعمال العسكرية حيث التجهيز والتدريب والتعبئة والرواتب فحسب، وإنما تشمل أيضا نفقات تعويض ذوي الشهداء وعلاج الجرحى وإعانة الأرامل والأيتام وإعادة تأهيل واعمار مادمرته الحرب، وهذه بمجملها تمثل نفقات إضافية تثقل كاهل الموازنة.

اعتقد ان مقومات تفعيل وتنمية الأقتصاد العراقي في المرحلة الراهنة هو الشروع فعلا بتطبيق الخطة التنموية الخمسية بشكل جدي وبدون تردد من خلال اعطاء مساحة واسعة للقطاع الخاص وتقليل الاعتمادعلى القطاع العام من اجل القيام بهجرة عكسية لموظفي الدولة من القطاع العام الى القطاع الخاص.

ونظرا لحزمة الفوائد الموجودة في رواتب ومخصصات الوظيفة العامة للدولة ومغرياتها ، في حين لاتوجد ضمانات حقيقية لدى العاملين في القطاع الخاص لعدم وجود الاستقرار الوظيفي ، اذ من السهل ان يطرد من العمل في أية لحظة . وهذه جاءت نتيجة لما انتهجته الحكومات السابقة في وضع ستراتيجيات غير ناجحة في ادارة الأقتصاد العراقي ، اذ ازداد عدد الموظفين في الخدمة المدنية باعداد مخيفة من 850 الف موظف قبل الغزو الأميركي عام 2003 الى مايفوق اكثر من اربعة ملايين ونصف حاليا ، والذين يتقاضون اكثر من 51 تريليون دينار عراقي مايقارب اكثر من 42 مليار دولار اميركي.

ان الستراتيجية الجديدة للحكومة الحالية يجب ان تستهدف اتخاذ جملة من الاصلاحات الاقتصادية الشاملة في السياستين المالية والنقدية ومعالجة الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد حاليا وذلك من خلال الارادة القوية الشجاعة في محاربة الفساد والمفسدين واعادةجميع المبالغ المسروقة من ثروات الشعب و اتخاذ السياسات الأقتصادية الآنية والمتوسطة والبعيدة المدى من اجل احداث النمو وتطوير الأقتصاد العراقي كما ينبغي من اجل اصلاح مرتكزاته الأساسية ومعالجة الأزمة المالية الخانقة من خلال تنويع مصادر الأقتصاد العراقي.

© Al Sabaah 2016