منذ ما يقرب من خمس سنوات ونصف، أتذكر أنني كنت أقدم كلمة قسم البحوث المعتادة في الاجتماع الصباحي أمام فريق المبيعات بالشركة وذلك قبل بداية يوم تداول 30 أبريل 2018 وهو اليوم التالي لوصول المؤشر الرئيسي للسوق المصرية EGX 30 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق.

أتذكر مستوى المؤشر حتى العلامة العشرية بوضوح شديد لأنني نبهت زملائي في قسم المبيعات بصوت عالٍ وواضح: "تذكروا هذا الرقم 18,414.11 جيداً لأننا قد لا نراه مرة أخرى في أي وقت قريب". 

2023 

وقد انخفض مؤشر السوق منذ ذلك اليوم وعلى مدار 4 سنوات وربع تقريبا بنسبة 53% حتى بلغ أدنى مستوى له يوم 6 يوليو 2022.

لكن قبل بضعة أيام فقط، في 27 أغسطس 2023 على وجه التحديد، اخترق مؤشر EGX 30 القمة السابقة ليسجل أعلى مستوى له على الإطلاق، متأخراً ما يقرب من خمس سنوات ونصف.

وبحلول 5 سبتمبر 2023، اخترق مؤشر السوق مستوى الـ 19,000 لأول مرة في تاريخه. قد يعتقد البعض أن هذه بالتأكيد أخبار جيدة للمستثمرين.

ولكن إذا فكرت في الأمر بشكل أعمق، فسوف تلاحظ أن هذا المستوى الأعلى على الإطلاق يأتي بعد عدة جولات كبيرة من تخفيض قيمة الجنيه المصري في أواخر عام 2016، وأوائل وأواخر عام 2022، وأوائل عام 2023. 

 ومنذ 3 نوفمبر 2016، خسر الجنيه المصري أكثر من 70% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي. 

بمعنى آخر، إذا نظرنا إلى أداء مؤشر السوق من وجهة نظر المستثمرين الأجانب، فإن الأسهم المصرية لديها الكثير لتعويض خسائرها.

ومن المثير للاهتمام أن البورصة المصرية تنشر أداء مؤشر EGX 30 بالدولار الأمريكي. وكان أعلى مستوى وصل إليه هذا المؤشر في 5 مايو 2008، أي قبل بضعة أشهر فقط من بداية الأزمة المالية العالمية.

ولم يقترب المؤشر من هذا المستوى قط منذ ذلك الحين.

واليوم، يعتبر مؤشر EGX 30 منخفضاً بنسبة 73% عن أعلى مستوى له على الإطلاق مقوماً بالدولار الأمريكي. ليس هذا فحسب، بل لا يزال المؤشر منخفضاً بنسبة 39% عن مستواه يوم 3 نوفمبر 2016. 

2008 

وبالعودة إلى عام 2008، كانت البورصة المصرية تتمتع بمتوسط حجم تداول يومي يبلغ مليارين جنيه مصري.

ومن حيث القيمة بالدولار الأمريكي، كان ذلك يفوق 360 مليون دولار أمريكي  (كان الدولار الأمريكي يعادل 5.5 جنيه مصري في ذلك الوقت).

وفي عام 2023 وحتى الآن، يبلغ متوسط السوق أيضاً مليارين جنيه مصري، وهو ما يعادل الآن 65 مليون دولار أمريكي فقط. وهذا يعني أن متوسط حجم التداول اليومي في السوق بعد أكثر من 15 عام منخفض بأكثر من 80%! 
 
من المؤكد أن السوق تطور على مر السنين مع خروج بعض الأسهم ذات القيمة السوقية الكبيرة من السوق وانضمام أسهم أخرى. ولكن بشكل عام، أصبح السوق يمثل جزء صغير مما كان عليه من حيث السعر وقيم التداول. 

 

أرخص؟ 

وبغض النظر عن الحركة السعرية، قد يتساءل المستثمرون عما إذا كان السوق أرخص أيضاً من حيث التقييم أو إذا كان قد وصل إلى ذروته. أحد المقاييس للإجابة على هذا السؤال هو النظر إلى مضاعف الربحية (معدل سعر السهم إلى أرباحه) في السوق في مايو 2008، ونوفمبر 2016، واليوم.

فبالرغم من أن السوق اليوم عند أعلى مستوياته السعرية على الإطلاق، إلا أنه لا يزال تقريباً عند نصف التقييم الذي كان عليه قبل 15 عام، حيث يتداول حالياً عند مضاعف ربحية يبلغ 8.2 مرة مقابل 15 مرة في مايو 2008.

وأيضاً، إذا قمنا بمقارنة تقييم السوق الحالي بمستويات ما قبل تخفيض الجنيه المصري أواخر عام 2016، فهو أقل بنسبة 35% من مضاعف الربحية البالغ 12.7 مرة التي كان يتداول عندها وقتها. 
  
من الواضح أن ظروف السوق تملي مستويات تقييم جديدة، ولكن عند مستويات التقييم الحالية، فإن الأسهم المصرية هي أبعد ما تكون عند كونها تتداول عند أعلى مستوياتها على الإطلاق.

 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، رئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA") 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)