تقوم التونسية جميلة الوسلاتي - 45 سنة - كل يوم في الرابعة صباحا لملء غالونات بالمياه قبل خروجها للعمل خوفا من استمرار الحكومة في قطع مياه الشرب حتى في أوقات النهار.

جميلة: " قطع الماء واقع نعيشه بشكل يومي منذ سنوات..بيتي أصبح مرصف بالقوارير والأوعية البلاستيكية المملوءة بالماء من خوفي من الحكومة لتقطع عنا الماء حتى في وسط النهار. ولا أجد ماء للطبخ أو غسل المواعين والاستحمام".

أما الحكومة، فجاء موقفها من خلال قرار من وزارة الفلاحة (الزراعة) التونسية أواخر مارس الماضي بالبدء في تطبيق نظام الحصص للتزود بالمياه الصالحة للشرب والذي سيستمر حتى نهاية سبتمبر القادم بسبب موجة جفاف غير مسبوقة تعاني منها البلاد منذ سنوات والتي يبدو أنها تفاقمت في الآونة الأخيرة.

وتعاني تونس من أزمة اقتصادية متفاقمة مع ارتفاع حاد لمعدلات التضخم وأسعار المواد الأساسية، وتراجع الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف وندرة الأمطار. ويساهم القطاع الفلاحي (الزراعي) بنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات وزارة الفلاحة التونسية.

ويسعى البلد الواقع في شمال إفريقيا للتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بنحو 1.9 مليار دولار يدعم ميزانيته لكن الاتفاق تعطل بسبب الوضع السياسي المتأزم وعدم دفع الحكومة بإجراءات تقشف مطلوبة من الصندوق.

ولا تخفي جميلة خوفها من استمرار هذه الوضعية وقيام الحكومة بتشديد الإجراءات في فصل الصيف مع ارتفاع استهلاك الماء بسبب زيادة درجات الحرارة.

" قطع الماء أصبح عادة يوميّة منذ سنوات. كثرة استعمالات الماء في الصيف باش تخلي (سوف تجعل) الحكومة تقطع علينا الماء لساعات طويلة وتفتحه فقط لساعتين.. وهذه كارثة".

ومنعت أيضا وزارة الفلاحة استعمال المياه الصالحة للشرب في غسل السيارات وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وهددت بمعاقبة المخالفين بالسجن وغرامات.

"كلّ مخالف لمقتضيات هذه القرارات يعرّض نفسه للعقوبات بخطية مالية (غرامة) والسجن لفترة تتراوح بين 6 أيام وستة أشهر،" بحسب بيان من وزارة الفلاحة.

وعادة يصعب تطبيق مثل هذه العقوبات بسبب صعوبة ثبوت حدوثها.

هل وصلت تونس لمرحلة الشح المائي؟

أكد المتخصص في الموارد المائية التونسي حسين الرحيلي لزاوية عربي أن صيف سنة 2023 سيكون صيف العطش بامتياز وسيشهد التونسيون انقطاعات دورية لمياه الشرب في أغلب مناطق البلاد.

وتابع "اعتقد ان الوضعية ستكون أصعب وأخطر.. لقد وصلنا إلى مرحلة الشح المائي".

ويصل نصيب الفرد في تونس من الماء إلى 420 متر مكعب في السنة وهو مرشح للانخفاض إلى 350 متر مكعب سنة 2030، في حين أن المعدل العالمي يناهز 1000 متر مكعب تقريبا سنويا، حسب بيانات لوزارة الفلاحة التونسية.

وبين الرحيلي أن الإمكانيات المائية المخصصة لماء الشرب بدأت في التراجع خلال الفترة الأخيرة بسبب ندرة الأمطار منذ شهر سبتمبر مما أثر بشكل كبير على مخزونات السدود.

وطالب الحكومة بمزيد من الإجراءات على غرار منع الإنتاج بغرض التصدير لأي مواد - ذات استهلاك عالي للماء - كالفراولة والبطيخ.

وقد أعلنت الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه الحكومية - وهي المسؤولة عن هذا القطاع في تونس - أن الماء قد يُقطع لمدة سبع ساعات يوميا بداية من الساعة التاسعة ليلا إلى الرابعة صباحا بدءا من 31 مارس الماضي.

وتعاني معظم المناطق في تونس من انقطاع المياه ولكن الوضع أسوأ في وسط البلاد وخصوصا في محافظة صفاقس وفي الجنوب عن شمالها والذي به العاصمة.

ونقلت إذاعة موزاييك المحلية عن المدير العام للشركة مصباح الهلالي أن الوضع هذا العام "غير مسبوق حيث تشهد تونس سنة رابعة من الجفاف، لأوّل مرة يحدث ذلك"، وأضاف أن مخزون السدود كان 80% سنة 2019 وتراجع بصفة متواصلة ليصل إلى 30% في مارس.

" سنابل القمح والشعير شاحت. لا أمطار ولا مياه ري من السدود... والحكومة صامتة لا تتحرك. فقدنا الماء وسنفقد محصولنا وأبقارنا،" هكذا وصف الحال محمد الهلالي، 55 سنة، فلاح في محافظة باجة - شمال غرب تونس. 

نقص في المحاصيل

أطلق الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين) صيحة فزع أمام تضرر مساحات الحبوب المزروعة نتيجة نقص المطر.

وقال نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنيس الخرباش لزاوية عربي بأن الموسم الفلاحي 2022-2023 سيكون كارثي وأن محصول الحبوب لن يتجاوز 250 ألف طن أي بانخفاض يقدر بـ 75% مقارنة بالموسم الماضي بسبب زيادة غياب الأمطار منذ سنوات.

وانتجت تونس - التي تعاني من أزمة غلاء شديدة، مثل معظم الدول المستوردة للسلع الغذائية والطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا - حوالي 751 ألف طن من الحبوب في الموسم الماضي 2021-2022، وفق بيانات وزارة الفلاحة التونسية.

سدود شبه فارغة

وتعاني تونس منذ سنوات من تأزم الوضعية المائية بسبب التغيرات المناخية ونقص الأمطار مما خلف نقص كبير في الموارد المائية والسدود.

ولم يتجاوز مخزون السدود، المقدّر عددها 37 سدّ في تونس، 31% وهو مستوى "غير مسبوق" وفق تصريحات للمسؤول المكلف بالمياه لدى وزارة الفلاحة التونسية رضا قبوج، نقلتها وكالة الأنباء الرسمية التونسية منذ أسابيع.

وبلغت نسبة الامتلاء في سد سيدي سالم، الذي يعد من أهم السدود في المنظومة المائية بتونس والمزود الرئيسي لمياه الشرب، في حدود 17% فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب، وفق قبوج.

وقال مسؤول النقابة الخرباش أن على السلطات "التحرك العاجل وإعلان حالة الطوارئ المائية بإجراءات أكثر صرامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

أما بالنسبة لجميلة فالحال كالآتي:

" العطش سيرافقنا لسنوات.. وهذه الحكومة عاجزة ولا تملك حلول غير قطع الماء. الوضع أصبح لا يطاق.. انظري كيف أصبحنا نخزن المياه لنعيش ".

 

(إعداد: جيهان لغماري، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا