لم ينجح الإفراج عن عبدالله حمدوك وإعادة تنصيبه كرئيس للحكومة في تهدئة فوران الشارع السوداني، مما ينذر بأن الصدام بين القوى العسكرية والقوى المدنية قد يستمر بدون حل، وهو ما قد يهدد بدوره الدعم الدولي الذي يحتاجه اقتصاد البلد الأفريقي بشدة.

الإفراج عن حمدوك مطلع الأسبوع الجاري جاء بعد حوالي شهر من إطاحته من قِبَل قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات واشتباكات في مختلف المدن السودانية بالإضافة إلى ردود أفعال دولية غاضبة.

ووقع حمدوك اتفاق مع المجلس السيادي الذي يرأسه البرهان يقضي بعودة الأول لرئاسة الحكومة، وعلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وبدء حوار بين كافة القوى السياسية، واعتبار الوثيقة الدستورية لعام 2019 والمستكملة في 2020 هي المرجعية للمستقبل السياسي للسودان.

وقد يبدو ظاهريا أن الاتفاق جمع مرة ثانية بين البرهان وحمدوك، اللذان قادا حكومة مكونة من مدنيين وعسكريين تحت قيادة الأول عقب سقوط نظام عمر البشير في أبريل 2019، إلا أن بعض المعارضين يقولون إنه تم تحت تهديد السلاح مما يفقده شرعيته.

وبالرغم من أن الاتفاق يهدف ل"حقن دماء السودانيين" بحسب ما قاله حمدوك في كلمة يوم الاثنين، إلا أن العديد من القوى السياسية المؤثرة في الشارع السوداني رفضته، معتبرة أنه يكرس لهيمنة العسكريين على مقدرات البلاد.

وتصف المعارضة الإطاحة بحمدوك في أكتوبر ب"الانقلاب" وترفض أي اتفاق ياتي من بعده بحجة أن ما بني على باطل فهو باطل.

هل يستمر الاتفاق؟

ويقول حميد خلف الله، ناشط سوداني في مجال حقوق الإنسان مقيم في إيطاليا، "أن السياق الذي وقع فيه الاتفاق مرفوض تماما من الشعب في الشارع".

وقال لزاوية عربي إن "محتوى (الاتفاق).. متوافق مع البيان الذي صدر من قادة الانقلاب في 25 أكتوبر ولا يمثل طلبات الجماهير بأي شكل".

وكان البرهان قد أعلن الاطاحة بحكومة حمدوك يوم 25 أكتوبر الماضي، ووعد بانتقال سياسي بمشاركة مدنية وتمثيل يضم كل السودانيين في الوزارات والولايات والمجلس السيادي، مؤكدا أن ليس لديه مشكلة مع حمدوك، بل مع الأحزاب السياسية وصراعاتها ومطامعها.

وعقب الإعلان عن الاتفاق يوم الأحد، شهدت الخرطوم المزيد من الاحتجاجات والاشتباكات بين مدنيين وقوات الأمن.

من جانبها، تشير ريتشال جاكوب وهي محللة في شركة "ماكس سيكيوريتي" للاستخبارات الأمنية التي تغطي مناطق مختلفة من العالم منها الشرق الأوسط، أن بالرغم من أن الجيش السوداني يسيطر على معظم مقاليد الحكم، إلا أن "إعادة تعيين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قد يكون كافي حتى تظهر الأمور بشكل مقبول مرة أخرى".

وصرحت لزاوية عربي بأن استمرار دعم مجموعات مسلحة مثل حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان للاتفاق يعزز من احتمالية استمراره، مضيفة أن الاتفاق "قد يكون كافي لإقناع المجتمع الدولي بأن كل شيء عاد إلى طبيعته في السودان".

وأدانت قوى دولية وإقليمية انقلاب البرهان، كما أعلن البنك الدولي والولايات المتحدة إيقاف مساعداتهما للسودان عقب الإطاحة بحكومة حمدوك. وقد أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن البرهان وحمدوك في محادثات معهما الاثنين أن البلاد بحاجة إلى إحراز مزيد من "التقدم" قبل أن تستأنف واشنطن صرف 700 مليون دولار من المساعدات المعلقة.

وترى جاكوب أن السودان سيشهد حتما المزيد من الإضرابات لأن لجان المقاومة "ترفض أي اتفاق يترك الجيش في الحكم. لجان المقاومة هي منظمة فعالة جدا وقادرة على تحريك الشارع، لذلك من المتوقع أن تستمر (الاضرابات)" .  

وأضافت أن الاتفاق الجديد لا يعني فشل الانقلاب، مضيفة أن "هذه الصفقة قد تبدو ظاهريا أنها حل وسط لكنها تضعف من سلطة مجلس الوزراء المدني وتؤجل أي انتقال للسلطة إلى حكومة يقودها مدنيين، وهو ما يريده البرهان تحديدا" للإبقاء على هيمنة الجيش.

الدعم الدولي إلى متى؟  

وعلى الرغم من رفض معظم القوى المدنية للاتفاق، رحبت به عدد من الدول، منها الولايات المتحدة وتركيا ومصر والامارات.

ويقول حميد إن السبب وراء دعم المجتمع الدولي للاتفاق هو إنه يريد حل سريع لإضطرابات السودان، حيث "يعتقدون أن التسويات السياسية قد تحقق ذلك، وهو ما أجده قصير النظر وغير مستدام بأي طريقة".

وخلال فترة حكمه السابقة، دفع حمدوك بحزمة إصلاحات اقتصادية قاسية، تمثلت في رفع الدعم عن الوقود وإزالة القيود عن العملة ما أدى لانهيارها وارتفاع التضخم بنسب فاقت ال400% وبلوغ نسبة البطالة 40%. وعظم ذلك الوضع من معاناة المواطنين وجعل البعض ينادي بالإطاحة بحمدوك في مظاهرات سبقت انقلاب البرهان.

وتشير جاكوب من ماكس سيكيوريتي أن الدعم الدولي في غاية الأهمية، "لكن السؤال بالنسبة لي هو ما إذا كان الضغط الدولي سيزيد في حالة استخدام الجيش السوداني قدر مفرط من العنف ضد المتظاهرين".  

وأضافت "المستقبل سيعتمد على مدى الاضطراب المدني خلال الأسابيع القادمة والى أي مدى سيكون رد فعل الحكومة عنيفا. فلو رأينا أي أحداث كبيرة مشابهة لمجزرة 3 يونيو، قد يغير هذا في صناعة القرار السياسي".

وكانت قوات أمنية قد قامت عقب الإطاحة بنظام البشير بشهرين بفض اعتصام سلمي في 3 يونيو 2019 مما أسفر عن مقتل أكثر من 120 شخص. وتم إلقاء العديد من القتلى حينها في نهر النيل.    

ويشير حميد إلى أن الاتفاق كان بين حمدوك والجيش بدون موافقة باقي الوزراء التي تمت الاطاحة بهم في إنقلاب أكتوبر. وقال إنه "في الأساس محاولة لجعل الانقلاب أكثر قبولا للمجتمع الدولي".  

(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز)    

(للتواصل: ahmed.feteha@refinitiv.com)

© ZAWYA 2021

#تحليلمطول

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام