فقر مدقع يعاني منه نصف الشعب الأفغاني البالغ عدده تقريبا 40 مليون، وسط معاناة مستمرة لتوفير الاحتياجات الأساسية للمعيشة مثل المأكل والمياه الصالحة للشرب. وقد تصل نسبة الفقر إلى 97% في منتصف 2022 ما لم تتغير أوضاع البلد المنكوب، وفقا لدراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام الماضي. 

عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان في 2021 لم تعني فقط قمع أكبر للحريات وفرض ممارسات إسلامية أكثر تشددا، لكنها أيضا أدت الى المزيد من التراجع السياسي والاقتصادي وسط عزلة دولية.  

وكانت طالبان قد عادت إلى الحكم العام الماضي بعد 20 عام من الإطاحة بها، حيث استسلم لها الجيش الوطني الأفغاني المدعوم من الولايات المتحدة بدون أي مقاومة في جميع أنحاء البلاد مع بدء رحيل القوات الأمريكية.

وانسحب تحالف من القوات الدولية، التي قادته الولايات المتحدة، بشكل كامل من الدولة الآسيوية في 30 أغسطس الماضي. 

ولا يعترف المجتمع الدولي بطالبان كحاكم رسمي لأفغانستان حتى الآن وسط انتقادات ضد ممارستهم القمعية، آخرها كان فرض ارتداء النقاب على مذيعات التلفزيون في مايو الماضي.

لكن لا تعاني الحركة الإسلامية الحاكمة لأفغانستان من العزلة التامة، حيث يتواصل معها ممثلو بعض الدول حول أشكال مختلفة من التعاون.  

فهل مع الوقت سيتم تطبيع العلاقات مع طالبان وتملأ دول أخرى الفراغ التي تركته الولايات المتحدة؟ وما هي الدوافع؟

وفقا لأشوك سوين، أستاذ أبحاث السلام والصراع في جامعة أوبسالا السويدية، الإجابة هي نعم، والدوافع استراتيجية واقتصادية.   

الصين  

"رحيل الولايات المتحدة قد أعطى الصين فرصة لتعزيز تواجدها في أفغانستان وأن تخلق مقاطعة استراتيجية  - اقتصادية شبه إقليمية قوية،" بحسب سوين لموقع زاوية عربي مضيفا أن هذه المقاطعة تضم باكستان وإيران، وساعد في حدوثها مبادرة الحزام والطريق.

أطلقت الصين في 2013 مبادرة الحزام والطريق التي تستهدف بناء مشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل الموانئ والمطارات، في ما يقرب من 70 دولة بما فيهم باكستان، إيران وأفغانستان - التي انضمت إلى المبادرة عام 2016 -  بهدف تعزيز علاقات الصين التجارية.  

"الصين تمدد نفوذها بشكل تدريجي في أفغانستان، ومصالحها الاستراتيجية واقتصادها كفيلين بحل محل أمريكا في أفغانستان،" بحسب سوين.   

ولدى الصين مخاوف أمنية تجاه أفغانستان مع تزايد هجمات متشددين في الجارة باكستان، استهدف بعضها مواطنون صينيون يعملون في مشاريع صينية مختلفة خلال الشهور الماضية. وتبلغ مشاريع الصين التنموية في باكستان مليارات الدولارات.   

وتشارك أفغانستان جزء من حدودها مع كل من باكستان والصين، التي تخشى أيضا أن تصبح أفغانستان قاعدة للانفصاليين والإسلاميين من الأيغور، وهم أقلية مسلمة مضطهدة في الصين. 

ولم تقم الصين بسحب تمثيلها الدبلوماسي من أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة من البلاد، على عكس العديد من الدول الأخرى. وفي مارس الماضي، أكدت حركة طالبان خلال اجتماع في كابل مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي أنها ستبدد كل مخاوف بكين الأمنية. 

وناقش الطرفان خلال الاجتماع بدء العمل في قطاع التعدين في أفغانستان، حيث ترى طالبان الصين كمصدر هام للدعم الاقتصادي.  

الخليج وتركيا

كذلك يعطي الفراغ التي تركته الولايات المتحدة، وخاصة أثناء انشغالها بغزو روسيا لأوكرانيا في الوقت الحالي، الفرصة "للاعبين آخرين، تحديدا دول الخليج وتركيا، للانخراط اقتصاديا مع نظام طالبان.. وهو ما يحدث الآن،" وفقا لسوين.     

وكانت الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية قد أعلنت في مايو الماضي توقيعها اتفاق مع طالبان لتقديم خدمات المساعدة الأرضية في المطارات الأفغانية الرئيسية الثلاثة في كابل وقندهار وهرات من خلال عقد مدته 18 شهر.  

وتسعى أفغانستان إلى استئناف الرحلات الدولية بشكل كامل، حيث تحتاج المطارات الأفغانية إلى إصلاحات وتوسعات لذلك، بما فيهم مطار العاصمة كابل الذي لحق به أضرار في أغسطس الماضي حين هرع الآلاف للهروب من البلاد بعد انسحاب القوات الأجنبية.   

وكانت قطر وتركيا قد نشرت أطقم مؤقتة في مطارات أفغانية للمساعدة في الأمن وعمليات أخرى، بعد عودة طالبان إلى السلطة. وفي الوقت ذاته، تتفاوض شركات قطرية وتركية مع الحركة في الأشهر الماضية حول تشغيل مطارات كابل وقندهار وهرات ومزار الشريف وخوست، إلا أنها لم تصل لشيء نتيجة إصرار طالبان على تولي الأمن في المطارات،  وفقا لمصادر تحدثت للإعلام.

تضييق طالبان  

ويقول سوين "اللاعبون الاقتصاديون الأساسيون في أفغانستان سيكونون من آسيا والشرق الاوسط، ليحلوا محل الولايات المتحدة وأوروبا،" التي أيضا لا تعلب دور كبير في الوقت الحالي في أفغانستان.   

من جانبه، يقول مايكل أوهانلون، مدير الأبحاث وباحث أول في دائرة السياسة الخارجية في معهد بروكينغز للأبحاث، ومقره واشنطن، إن التدخل الأجنبي في اقتصاد أفغانستان يصب في مصلحة الشعب الأفغاني الذي يعاني الأمرين تحت حكم طالبان.  

وقال لموقع زاوية عربي "إلا أن مع اتجاه طالبان للتضييق وتشديد محاذير الحياة بأشكال مختلفة، لا اتوقع ان تذهب هذه الجهود (التدخل الاقتصادي من قبل دول أخرى) بعيدا." 

(إعداد: شريف طارق، تحرير: ياسمين صالح، للتواصل yasmine.saleh@lseg.com)

#تحليلمطول

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا