27 11 2015

مختبر حي في كاليه الفرنسية لتغيير الهياكل الاقتصادية

كل أزمة اقتصادية عالمية لابد أن تنتهي بنظام جديد كليا لتحقيق النمو، لأن النظام الذي عجز عن انتشال العالم من أزمته لن يكون هو الحل بأي حال من الأحوال، مثل هذه الأفكار سادت على نطاق واسع بعد عامين فقط على انفجار الأزمة الراهنة في العام 2008، في وقت لم يكن أحد يجيب عن التساؤلات حول سبل الخروج منها، الآن نحن على بعد أكثر من 6 سنوات ولا أحد يقدم إجابة، المفكر الاقتصادي والمستشار لدى المفوضية الأوروبية جيرمي ريفكين كان من بين القلائل الذين طرحوا إجابة صريحة حددها في تغيير شامل للهياكل الاقتصادية وحدد بدقة أداة هذا التغيير وهي الطاقة، ووثق نظريته في كتابه الثورة الصناعية الثالثة الصادر في العام 2011 .

بعد شهور من ظهور كتاب ريفكين بدا الأمر وكأنه مجرد نظرية، لكن الآن الفرنسيون قطعوا شوطا معقولا في تطبيق الثورة الصناعية الثالثة ويحققون نجاحا كبيرا بإمكانات متواضعة، لقد حولوا منطقة نوربا دو كاليه Nord-Pas-de-Calais إلى أول مختبر أوروبي حي للثورة الصناعية الثالثة يعمل على تطبيق نظرية ريفكين التي تغير هيكل الاقتصاد اعتمادا على نظام طاقة جديد قائم على خمسة أركان، أولا مصادر الطاقة لابد أن تكون متجددة، ثانيا تحويل كل منشأة أو مسكن إلى مصنع صغير للطاقة ينتج ما يستهلكه، ثالثا تخزين الطاقة الفائضة باستخدام التقنيات المتوفرة رابعا، تبادل الطاقة الفائضة بين الوحدات عبر نظام رصد مرتبط بالانترنت ونظام لتوزيع الفوائض يحقق أرباحا للأفراد، خامسا فوائض الطاقة التي تنتجها المنشآت والمساكن يجب أن تكفي كل الأنشطة الاقتصادية والنقل والمواصلات.

ريفكين يرى أن المليارات التي أنفقت لتحفيز الاقتصاد في ظل الأزمة وضعت في المكان الخطأ غير المجدي، فلا يجوز أن نستمر في البنى التحتية القديمة، وإنما يتعين إنشاء بنى تحتية جديدة تعتمد على الطاقة المتطورة والمتجددة، وعبر ما توفره من نفقات يمكن تمويل الاستثمارات، وذلك لا يتحقق بطاقة تنتج مركزيا من محطات ضخمة، وإنما بطاقة لا مركزية ينتجها الجميع في كل مبنى، فكل حقبة صناعية استفادت من توفر وسيلة تواصل جديدة ومصدر طاقة جديد.

أفكار ريفكين الأساسية التي تبشر بأن كل حي وكل منطقة ريفية ستحصل على بنية تحتية منتجة للطاقة، والكل يمثل ثورة اقتصادية جديدة تعيد السلطة الى الشعب، السلطة الأفقية أخذت طريقها في أواخر عام 2012، إلى منطقة نوربا دو كاليه في فرنسا حيث ظهرت حملة وطنية للانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة وتصميم نموذج جديد للتنمية يتضمن 300 مشروع وسلة أفكار تتلقى الابتكارات من العديد من الأفراد أو الشركات الصغيرة لتصميم أعمال توفر فرص عمل لشركات المقاولات والعديد من الجهات تقوم على تحسين الظروف المعيشية والصحية للأفراد، ويجري التخطيط لإشراك 150 ألف طالب جامعي في تعميم التجربة عالميا والبداية بفكرة جامعة خالية من الكربون حيث يجري وضع تصميمات لها، كما يجري تصميم مستشفى جديد مستقل تماما فيما يتعلق بالطاقة ورائد في استخدام مواد البيئة وتحليل دورة الحياة.

© Annahar 2015