من المفترض أن يؤدي رفع القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا إلى انتعاش اقتصادي. إلا أنه في حالة الأردن، قد لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى نتيجة إيجابية، بل قد يكون أكثر ضررا في الوقت الحالي.
 
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت تخفيف القيود في مطلع شهر مارس الجاري، منها تقليص فترة عزل المصابين وتنوي الغاء المزيد من الإجراءات الاحترازية مع حلول شهر رمضان في مطلع أبريل القادم، مثل التباعد في دور العبادة وتقليل الطاقة الاستيعابية في التجمعات بما في ذلك المطاعم.
 
إلا أن الركود الاقتصادي وانخفاض معدل نمو الشركات الأردنية يعود لأسباب أعمق من تلك الإجراءات.
 
بل على العكس، "هناك إجراء احترازي ينص على أن الشركات التي لديها الحق في اللجوء إلى القروض المخصصة للحد من تأثيرات كوفيد لا يمكنهم أن يقوموا بتسريح عامليها… اذا تم الغاء هذا الاجراء قد يؤدي ذلك الى المزيد من البطالة،" بحسب ما قاله موسى الساكت، رجل الأعمال الأردني ونائب رئيس غرفة صناعة عمان السابق في مقابلة مع زاوية عربي.
 
وكانت الحكومة الأردنية قد أطلقت برنامج "استدامة" في ديسمبر 2020 للمحافظة على استقرار ومساندة العمالة في القطاعات والمنشآت الأكثر تضررا بالجائحة من خلال تقديم إعانات للأجور. وتم تمديد البرنامج، الذي يستهدف دعم نحو 110 آلاف عامل، إلى يونيو القادم.
 
بطالة وتقشف
 
يعاني ربع الشعب الأردني البالغ عدده 10 ملايين من البطالة، وسط عجز الحكومة عن تحفيز اقتصاد البلاد. ويسعى الأردن لتطبيق اجراءات اقتصادية "اصلاحية" من خلال تعاونه مع البنك الدولي وصندوق النقد، ما يتطلب إجراءات تقشفية.
 
ويتوقع صندوق النقد أن تبلغ قيمة الدفعات التمويلية المفرج عنها للأردن 2.419 مليار دولار بين 2020 و2024 من خلال عدد من البرامج التمويلية. وكان البنك الدولي قد وافق هذا الشهر على حزمة تمويل لعمّان تبلغ 350 مليون دولار مخصصة لدعم الفئات الفقيرة والمتضررة من الجائحة بالإضافة إلى العاملين في الشركات الأكثر تضررا. وأعلن ناصر الشريدة، وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني في وقت سابق من الشهر الحالي، إن الكونجرس الأمريكي أقر حزمة مساعدات جديدة للأردن للعام 2022 تقدر بنحو 1.650 مليار دولار.

ويعتقد الساكت أن التقشف في نفقات الحكومة هو أمر مطلوب، إلا أن تقليص المصروفات العامة سيضر بالاقتصاد أكثر ويزيد من ازمة البطالة. وقال "نحن نحتاج لزيادة المصروفات وخاصة المخصصة للمشروعات في مختلف المحافظات، وتحديدا تلك التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة."  
 
ومنذ عام 2020، أدت الجائحة إلى تقليص إيرادات السياحة، القطاع الاقتصادي الحيوي للأردن الذي يمثل ما بين 12 إلى 14% من إجمالي الناتج المحلي. وبالرغم من ارتفاع إيرادات السياحة بنسبة 90% في العام الماضي على أساس سنوي لتصل إلى 1.9 مليار دينار (2.68 مليار دولار)، تبقى تلك الحصيلة أقل من نصف ما حققه الأردن من القطاع في 2019 قبل تفشي فيروس كورونا.
 
ارتفاع الأسعار ودعم الخليج
 
يستعد الاردن لرفع اسعار الكهرباء في مطلع شهر أبريل، وفقا لشروط تعاونه مع صندوق النقد الدولي، وهو الإجراء الذي سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاعات اضافية في الأسعار. ويعاني الأردن بالفعل كسائر الدول التي تستورد السلع الغذائية والوقود من ارتفاع أسعارها بسبب الحرب.
 
وارتفع معدل التضخم (زيادة الأسعار) في يناير فوق 2% سنويًا خلال الأشهر القليلة السابقة، مقارنة بمعدل أقل من 1% قبل الجائحة، بحسب بيانات رسمية.
 
وحين شهد الأردن مظاهرات في عام 2018 نتيجة رفع أسعار الوقود والكهرباء بناءًا على توصيات صندوق النقد، قامت السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار للحد من الاحتجاجات. 
 
اليوم، لا يمكن التعويل على المساعدات الخارجية بشكل كبير، حيث يحكم العالم "البراجماتية الاقتصادية" بحسب تعبير عامر السبايلة، كاتب وباحث سياسي أردني، مضيفا أن علاقة الأردن بالخليج يجب أن تتطور لتكون أكثر تأثيرا.
 
"الخليج دخل كله في برامج ما بعد النفط، أي البحث عن الاستثمار والبحث عن صناديق سيادية ومشاريع كبيرة،" يقول السبايلة لموقع زاوية عربي. "نمط العلاقة تغير بينما النظام في الأردن لم يتغير، يعني ما زال يفكر في نظرية المساعدات والهبات والمنح."
 
"الأردن صحيح يمكن أن يستفيد لكن بنظرية جديدة، وهي استفادة الطرفين من خلال مشاريع حقيقية عابرة للحدود … وشركات استراتيجية مفيدة للنمو الاقتصادي،" ضاربا المثل في تعاون الإمارات وإسرائيل في مجالات مختلفة منها الطاقة والمياه.  
 
الكثير من الضرائب بدون خدمات 
 
من جانب آخر، تبقى منظومة الضرائب الأردنية في الحاجة لإعادة الهيكلة لما لها من تأثير سلبي على الاقتصاد وعلى معاناة قطاعات عريضة من الشعب. فمن الخطوات المهمة، وفقا لالساكت، هو خفض ضريبة المبيعات، التي تمثل أكثر من ثلثي إجمالي عوائد الضرائب الأردنية، ما يضر بالاقتصاد في رأيه.  
 وتدرس الحكومة الأردنية، التي كانت قد أعلنت في نوفمبر الماضي عدم رفع أو فرض ضرائب جديدة خلال 2022، إلغاء ضريبة المبيعات على السلع الاساسية وسط مطالبات بإعادة النظر فيها.
 
من جانبه، يشير السبايلة أن تاريخيا يدفع الشعب الأردني الكثير من الضرائب بدون الحصول على خدمات موازية، وهو أمر أصبح أقل تحملا في وسط الضغوط الحالية. 
 
"وصلت الامور باعتقادي لنقطة انه اليوم نحن بانتظار اي trigger … (يوجد) ضعف كبير في صورة الدولة وفي قدرتها على ضبط الأمور أو إدارة شؤون الناس فيما يتعلق بالاقتصاد. فهذا كله هو وصفة جاهزة للتفجير المجتمعي." 

#تحليلمطول
 
(إعداد: شريف طارق، للتواصل: yasmine.saleh@lseg.co)