" لقد نفد صبرنا.." هكذا تحدث الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (ذو النفوذ القوي) نور الدين الطبوبي للصحافة المحلية متهما الحكومة باعتماد خطة ممنهجة لرفع الأسعار من أجل التمهيد لإلغاء الدعم عن المواد الأساسية في خطوة، يعتبرها خبراء، قادرة على نسف جهود التهدئة الاجتماعية بعد الإعلان الأخير عن اتفاق بين الاتحاد والحكومة بشأن الزيادة في الأجور. 

وتحاول الحكومة التونسية إيجاد حلول لإصلاح منظومة الدعم، التي أثقلت كاهل ميزانيتها، من خلال إعداد مشروع لإرساء منظومة جديدة توجه بها الدعم نحو الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتعتمد تغيير تدريجي للأسعار على مدى أربع سنوات انطلاقا من 2023.

لكن الاتحاد العام التونسي للشغل يرفض هذا النهج ويعتبره مساسا بقوت التونسيين مما ينذر بأزمة قادمة قد تعطل حصول تونس على قرض من صندوق النقد متوقع خلال الربع القادم - بحسب تصريحات سابقة للناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية نصر الدين النصيبي - والذي عادة ما يتطلب إجراءات تقشفية تتضمن تقليل الدعم وزيادة الأسعار.

ماذا يحدث مع الدعم؟

تعاني تونس، منذ أشهر، من فقدان العديد من المواد الغذائية الأساسية على غرار السكر والزيت والحليب فيما يتهم الرئيس قيس سعيد المحتكرين والمضاربين باحتكار السلع وذلك للضغط عليه.

وقال الخبير الاقتصادي معز حديدان لـ"زاوية عربي" أن " فقدان المواد الأساسية من الأسواق سببه صعوبات مالية للحكومة لكن هذا لا يمنع من أنها تتجه فعلا، بداية من السنة المقبلة، إلى إلغاء الدعم كليا عن المواد الأساسية والمحروقات".

وقال حديدان " يجب على الدولة التخلي عن دعم المواد الأساسية.. اعتقد أن الحكومة في الطريق الصحيح".

وتتوقع تونس أن تبلغ تكلفة دعم المواد الأساسية حوالي 4.2 مليار دينار (1.3 مليار دولار) سنة 2022 - أي ما يعادل 3.3 % من الناتج المحلي - مقابل 3.2 مليار دينار خلال سنة 2021.

رد فعل الاتحاد العام للشغل 

حذر الأمين العام للاتحاد العام للشغل الطبوبي، الاثنين، من انفجار اجتماعي إذا ما تواصلت أزمة الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للتونسيين داعيا الحكومة إلى " مصارحة الشعب وإعطاء الواقع الحقيقي الاقتصادي والمالي لتونس".

وقال الطبوبي "من الواضح أن البضائع مفقودة بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية للدولة وهذه هي الحقيقة والحديث على أن المواد متوفرة ولكن وقع احتكارها أظنه أمر مجانب للصواب".

وهذه التصريحات قد تخلق حالة من عدم اليقين في تونس - وهو وضع لا يفضله أغلب المستثمرين- كونها تأتي بعد توقيع اتفاق مهم بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في وقت سابق من سبتمبر لزيادة الأجور في القطاع العام وصفته وكالة التصنيف الائتماني  "موديز" بـ"المرحلة المفتاح" لأجل إرساء برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.

رد فعل الشارع

شهدت منطقة دوار هيشر، الواقعة في ضواحي العاصمة التونسية، الأحد الماضي، احتجاجات صغيرة الحجم بسبب تردي الأوضاع المعيشية بعد ارتفاع معدلات التضخم والأسعار وغياب المواد الأساسية.

"الناس تتقاتل على كيلوغرام من السكر...لا يوجد دواء ولا زيت.. الحليب والزبدة والأرز مفقودين...طوابير تنتظر الحصول، يوميا، على الخبز لكن الحكومة صامتة لا تتحرك،" بحسب الناشط التونسي علي بوزوزية لزاوية عربي.

وتضم قائمة المنتجات المنتفعة بالدعم الحبوب ومشتقاتها، الزيت النباتي، الحليب نصف الدسم، السكر، العجين والكسكسي، والورق المعد لطباعة الكراسات وكتب المدارس، وذلك بحسب وزارة التجارة التونسية.

وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت، منذ أكثر من أسبوع ، عن زيادة في أسعار أسطوانات غاز الطهي ب 14% لأول مرة منذ 12 عام. 

وزادت أيضا أسعار الوقود بـ 3% لتصل إلى 2.4 دينار. وأرجعت الحكومة أسباب الزيادات إلى ارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والمواد الأساسية نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية.

وتعاني تونس من أزمة سياسية منذ 25 يوليو2021 بعد أن قرر الرئيس التونسي حل البرلمان والحكومة والانفراد بالسلطة، زادت من سوء الوضع الاقتصادي للبلاد التي تعاني من أزمة ارتفاع في أسعار السلع والطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

للمزيد عن أحداث 25 يوليو 2021:
تونس: هل سيستمر مشهد "من النهاردة.. أنا الحكومة"؟

 450 ألف شخص جديد في دائرة الفقر

قال الأستاذ الجامعي في الاقتصاد والخبير بقسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الرحمان اللاحقة لزاوية عربي أن "إلغاء الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات سيتسبب في زيادة معدل الفقر في تونس بـ 4 نقاط مئوية أي ما يزيد عن 450 ألف شخص (جديد) في دائرة الفقر".

ويقدر عدد التونسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر بقرابة مليون و600 ألف شخص، حسب المعهد الوطني للإحصاء. وتوقع البنك الدولي في تقرير آخر، أن يصل معدل الفقر في تونس إلى 3.4 % في 2022 و3.1 % في 2023، وذلك بحسب خط فقر يحتسب الحد الأدنى عند 3.2 دولار في اليوم.

" لا يمكن إصلاح منظومة الدعم عندما تكون الأسعار مرتفعة...هذا الملف سيجر البلاد إلى الهاوية،" بحسب اللاحقة.

وارتفع معدل التضخم في تونس ليبلغ 8.6% في أغسطس على أساس سنوي، حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء. 

وتسعى السلطات التونسية للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بحوالي 4 مليارات دولار لإنقاذ ماليتها العامة، وذلك بعد الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات الاقتصادية على غرار إصلاح منظومة الدعم والسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام.

لكن الخبير الاقتصادي اللاحقة يرى أن اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي سيكون "صعب جدا لأن الحكومة ليست جاهزة لمزيد من الشروط".

 

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا