عمّقت الحرب في أوكرانيا أزمة الاقتصاد التونسي المعتمد على الواردات مما تسبب في ارتفاعَ فاتورة استيراد القمح والمحروقات وسط تصاعد قياسي للتضخم ونزيف متواصل لعجز الميزان التجاري.

وتواجه حكومة نجلاء بودن ضغوط للقيام بمراجعة سياساتها الاقتصادية والتحرك لوضع استراتيجية حمائية توقف النزيف وتعمل على إيجاد حلول تشجع على النمو والإنتاج قصد الترفيع في حجم الصادرات والحدّ من تراجع قيمة الدينار.

وتستنزف الواردات احتياطي النقد الأجنبي بخزينة الدولة حيث استمر هبوط الاحتياطيات منذ بداية سنة 2020 لتصل قيمتها إلى 23.2 مليار دينار (7.1 مليار دولار) ما يعادل 106 أيام توريد حاليا.

وسجل عجز الميزان التجاري حوالي 17 مليار دينار خلال شهر أغسطس مقابل 10.4 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من سنة 2021.

وقفز معدل التضخم السنوي في تونس إلى 9.1% في سبتمبر من 8.6% في أغسطس، مسجلا أعلى مستوى له منذ التسعينات، بحسب المعهد الوطني للإحصاء التونسي اليوم. 

استراتيجية "الدفاع التجاري" لوقف النزيف 

وفسر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية آرام بلحاج تعمق العجز التجاري بـضعف قدرة الاقتصاد التونسي على خلق الثروة وتراجع قدرته التنافسية بالإضافة الى التوريد العشوائي من المنتجات غير الضرورية.

ودعا بلحاج حكومة نجلاء بودن إلى فرض قيود على الواردات واعتماد استراتيجية "الدفاع التجاري". 

وقال :" اعتقد أن استراتيجية الحكومة في مجال التجارة والتصدير لم تكن ناجعة بالشكل الكافي خاصة فيما يتعلق بالواردات من تركيا والصين.. يجب وضع قيود على الواردات ليست الكمالية فحسب بل كل الواردات التي لها مثيل مصنع في تونس للحد من عجز الميزان التجاري".

وتابع" لابد من دعم التصدير وحماية المنتج المحلي لوقف النزيف".

وزادت واردات البلاد بنسبة 31.6% لتبلغ 46.2 مليار دينار خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الحالية مقابل 21 % خلال نفس الفترة من السنة الماضية في حدود 35.1 مليار دينار.

وفي بداية هذا العام، فرضت تونس رسوم جمركية جديدة على حوالي 3000 صنف من المنتجات الصناعية والفلاحية والغذائية التي يتم توريدها سنويا في محاولة للحد من نزيف احتياطي العملة الأجنبية لكن لا يمكن تطبيق هذه القيود على الاتفاقيات الثنائية. 

وقالت المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة التونسية درة البرجي لـ"زاوية عربي" إن مسالة إيقاف التوريد مسالة غير ممكنة لعدة أسباب أبرزها انخراط تونس بالمنظمة العالمية للتجارة. 

وأضافت البرجي "غير أن اتفاقيات المنظمة تنص على امكانية سن الدول الأعضاء لإجراءات فنية وتنظيمية لحماية صناعاتها الوطنية..  يجب تقييم بعض الاتفاقيات وتشديد الإجراءات لوقف النزيف".

وقالت البرجي أن الأسباب التي أدت إلى تسجيل عجز في الميزان التجاري عديدة أهمها الأزمة الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى تواصل هبوط قيمة الدينار التونسي إزاء العملات الأجنبية مقابل الارتفاع المهول لسعر صرف الدولار.
 
تراجع الصادرات

ويرى رئيس الجمعية التونسية للحوكمة وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية معز الجودي أن تراجع الصادرات التونسية، خاصة الصناعية والغذائية والميكانيكية، كانت سبب مهم في نزيف الميزان التجاري.

وقال الجودي لـ"زاوية عربي" أن تراجع سعر صرف الدينار أمام سلة العملات الرئيسية أثر على الميزان التجاري ورفع من تكاليف التوريد.

واضاف:" العجز التجاري مع تركيا ارتفع بشكل كبير جدا وعلى الحكومة مراجعة هذه الاتفاقية وتعديلها". 

وتحتل الصين المرتبة الأولى على مستوى البلدان التي سجلت عجز مع تونس بعجز قيمته 5.8 مليار دينار، تليها تركيا بنحو 3 مليار دينار والجزائر بـ 1.7 مليار دينار، ثم روسيا وإيطاليا والعربية السعودية واليونان وأذربيجان.

وتابع "الحل يكمن في دعم السياسات الاقتصادية التي تشجع على النمو والإنتاج والرفع من حجم الصادرات من إنتاج الفوسفات والصناعات الميكانيكية والغذائية كذلك تحسين مناخ الأعمال للتقليص من نزيف عجز الميزان التجاري".

وأنتجت تونس حوالي 8.2 مليون طن من الفوسفات في 2010. وهبط الإنتاج إلى 3.8 مليون طن العام الماضي ومن المتوقع أن يبلغ 5 مليون طن هذا العام.

بلغت صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية 21.4 مليار دينار في السنة الماضية مقابل 17.5 مليار دينار في 2020 بنمو بحوالي 22%، وفق مؤشرات نشرتها وزارة الصناعة التونسية.

ويتوقع الجودي أن تسجل تونس، مع نهاية 2022، أكبر عجز تجاري في تاريخها ببلوغ مستوى 22 مليار دينار مما سيؤثر على احتياطي العملة الأجنبية.

 

(إعداد: جيهان لغماري، للتواصل zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا