قام المغرب الاسبوع الحالي بتعليق كل أشكال التواصل مع السفارة الألمانية في الرباط وهيئات التعاون والمؤسسات السياسية التابعة لها، وعزى قراره إلى "سوء تفاهمات عميقة" بين الرباط وبرلين دون إبداء مزيد من التفاصيل حول أسباب سوء التفاهم هذا.

وأعقب تحرك الرباط رد دبلوماسي من برلين إذ استدعت وزارة الخارجية الألمانية سفيرة المغرب لديها لإجراء مشاورات عاجلة بشأن ما حدث، وقالت إنها لا ترى "سبب لفرض قيود على العلاقات الدبلوماسية"، وفق تقارير إعلامية دولية.

ليبيا والصحراء

"لا يزال الأمر غامض" هكذا علق ريكاردو فابياني مدير المشروعات بشمال أفريقيا لدى "مجموعة الأزمات الدولية" على أسباب التوترات الدبلوماسية الأخيرة بين البلدين، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى عدة أمور ربما تكون الدوافع غير المعلنة لتحرك الرباط.

وقال فابياني، في حديث مع زاوية عربي اليوم الخميس، إن الأمر قد يعود بالأساس إلى قضيتين، الأولى هي قرار ألمانيا بدعوة الجزائر دون المغرب إلى المؤتمر الذي استضافته برلين بشأن ليبيا العام الماضي، أما القضية الثانية فهي موقف ألمانيا من قضية الصحراء الغربية.

 وطلبت ألمانيا نهاية العام الماضي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مناقشة قضية الصحراء الغربية بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة المغرب على المنطقة المتنازع عليها في مقابل تطبيع المملكة لعلاقاتها مع إسرائيل. 

والصحراء الغربية هي منطقة غنية بالمعادن، خصوصًأ الفوسفات، تطل على المحيط الأطلسي, ويحدها المغرب من الشمال والجزائر وموريتانيا من الشرق والجنوب. وغزت المغرب الصحراء الغربية عام 1975 بعد انسحاب أسبانيا التي اتخذت الصحراء كمستعمرة لأكثر من 200 عام. 

وأتى قرار الرئيس الأمريكي بعد عقود من الصراع المسلح بين جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر من جانب والمغرب من جانب آخر لفرض السيطرة على الصحراء الغربية، حيث تقترح الرباط التي تسيطر على 80% من مساحة الصحراء الغربية، منحها حكم ذاتي تحت سيادة المغرب، بينما تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.

وأضاف فابياني "القشة التي قسمت ظهر البعير (بالنسبة للمغرب) على الأرجح كانت واقعة رفع علم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية خارج برلمان ولاية بريمن (شمال غرب ألمانيا)".

وتابع أن الحقيقة هي أن الرباط مستاءة من مواقف برلين، خاصة فيما يتعلق بالصحراء الغربية، فعلى عكس واشنطن وباريس ظلت برلين مستقلة وحيادية للغاية حيال الصراع في الصحراء الغربية "مقوضة بذلك سياسة المغرب بفرض الحقائق على الأرض هناك". 

ما التداعيات والتوقعات؟

توقع المحلل السياسي أن يحاول المغرب إجبار ألمانيا على تخفيف حدة موقفها حيال قضية الصحراء الغربية، مشيرا إلى أن ذلك سيكون على الأرجح عن طريق دفع برلين إلى الانسحاب من هذه القضية.

لكنه  قال أنه من المبكر للغاية توقع ما سيحدث مستقبلا، وأنه لا يتضح بعد ما إذا كانت برلين ستقبل "هذا النهج المتشدد" من الرباط. 

واستبعد فابياني أن يلقي التوتر الدبلوماسي الأخير بظلاله على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وأن تتمادى الرباط بتدمير مصالحها الاقتصادية، موضحا أن "المغرب يحتاج ألمانيا من أجل التجارة والاستثمار أكثر مما تحتاج ألمانيا المغرب".

وبلغت المساعدات الالمانية للمغرب حوالي 490 مليون يورو (نحو 590 مليون دولار أمريكي) سنوياً في المتوسط في الفترة ما بين 2015 و2019 لأجل دعم الاستثمار الخاص والتنمية الاقتصادية المستدامة، بحسب ما نقلته تقارير إعلامية عن السفارة الألمانية بالرباط.

وحول تأثير التوترات الأخيرة على علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي في ضوء أن ألمانيا أقوى أعضاءه الـ 27، قال فابياني إن دعم فرنسا للمغرب قوي للغاية، وإن "باريس لن تسمح مطلقا لخلاف بين المغرب وألمانيا في أن يتداخل مع علاقتها بالرباط وعلاقات الاتحاد الأوروبي بالمغرب".

ولم تصل علاقات المغرب مع ألمانيا للمستوى القوي لدول أوروبية أخرى على رأسها فرنسا وإسبانيا، غير أن برلين لديها علاقات أقوى مع الجزائر عن طريق التبادل التجاري و الاستثمارات الألمانية المباشرة، بحسب تقارير إعلامية.

وتوقع فابياني أن تستمر التوترات القائمة بين المغرب وألمانيا لبعض الوقت، لكنه قال: "لكن في نهاية المطاف سيتعين على البلدين التصالح".

(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي)

(تحرير أحمد فتيحة, للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com) 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام