يعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية حادة منذ أكتوبر 2019، عندما نزل الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على محاولات الحكومة فرض المزيد من الضرائب. منذ ذلك الحين، قيدت البنوك المحلية سحب العملات الأجنبية في حين انهارت الليرة اللبنانية. 

ونظرًا لأن لبنان يستورد معظم بضائعه، بما في ذلك السلع الأساسية، فقد ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير بينما ظلت رواتب المواطنين على حالها. 

فقد الناس قوتهم الشرائية، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها وزادت معدلات البطالة. وأدت الأزمة إلى خفض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 90% في أقل من عامين ودفعت أكثر من نصف السكان إلى الفقر. وفي تقرير صدر في يونيو الماضي، قال البنك الدولي إن معدل التضخم السنوي في لبنان ارتفع إلى 157.9% في مارس هذا العام من 10 % في يناير 2020.

السقوط الحر

وصف البنك الدولي أزمة لبنان بالسقوط الحر للاقتصاد اللبناني، وواحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم منذ أكثر من 150 عام.

وقال في تقرير صدر مؤخرا: "من المرجح أن تحل الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان ضمن المراتب العشر الأولى، وغالبا ستكون ضمن أول 3 كالأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر". وهو يلوم إلى حد كبير النخب السياسية الطائفية في البلاد. 

وقال البنك: "يوضح هذا حجم الكساد الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، مع الأسف عدم وجود نقطة تحول واضحة في الأفق، بالنظر إلى التقاعس الكارثي المتعمد في السياسة". وحذر من أن "التأثير الاجتماعي للأزمة، وهو بالفعل مأساوي، يمكن أن يتحول بسرعة إلى كارثي".

 الحياة لا تطاق 

ومع وجود أكثر من نصف السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر، أفاد مرصد الأزمات في الجامعة الأمريكية في بيروت هذا الأسبوع إن تكلفة الغذاء ارتفعت بنسبة 700% خلال العامين الماضيين مع تسارع الزيادات، وأن العائلات ستضطر إلى إنفاق حوالي خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور لمجرد وضع طعام كافٍ على الطاولة، حيث ان سعر سلة المواد الغذائية الأساسية ارتفع بنسبة تزيد على 50% في أقل من شهر".

ناهيك عن الانفاق على المرافق والغاز والأدوية التي يصعب العثور عليها، والتي أغرقت البلاد في الظلام لساعات وهددت المستشفيات والشركات بالإغلاق وثارت أعمال عنف مميتة بين المستهلكين وسائقي السيارات الباحثين عن الوقود.

ويتم تداول الليرة اللبنانية الآن في السوق السوداء عند 22,000 للدولار، أي حوالي 15 ضعف السعر الرسمي البالغ 1,500. وتنفد الحكومة من العملة الصعبة لدعم المنتجات الأساسية والأدوية والغاز، والمشاهد الأكثر شيوعًا في البلاد هي طوابير طويلة من سائقي السيارات الذين يحاولون ملء الخزانات، ويقول مديرو المستشفيات إن الأدوية بدأت تنفد.

فقدان السيطرة 

في الشهر الماضي، قال البنك المركزي إنه أنفق أكثر من 800 مليون دولار على الوقود. في غضون ذلك، إن فاتورة الأدوية تضاعفت، ولا تزال تلك البضائع غائبة عن السوق المفتوحة، وأنها تباع بأسعار تفوق قيمتها.

وانخفضت احتياطيات البنك المركزي من أكثر من 40 مليار دولار في 2016 إلى 15 مليار دولار في مارس، ويكلف دعم الوقود حوالي 3 مليارات دولار في السنة.

رفع الدعم 

قرر حاكم مصرف لبنان منذ أيام رفع الدعم عن الوقود.

عندما تدعم الدولة سلعة ما، فإنها تدفع ثمنها جزئيًا لتسهيل الوصول إليها، خاصة لذوي الدخل المنخفض.

تشير التقديرات إلى أن إلغاء الدعم دون وجود شبكة أمان جاهزة سيلقي بأكثر من 80% من اللبنانيين في براثن الفقر (حوالي 55% من السكان يعتبرون فقراء اليوم)

آثار كارثية
ليس من المبالغة القول إن رفع الدعم سيؤدي الى ارتفاع سعر الكلفة على كل شيء في البلاد وسيدفع الاقتصاد نحو المزيد من الشلل والجمود. 

من المتوقع ان تشهد المواد الغذائية والاستهلاكية ارتفاعاً يتراوح ما بين الـ 70% و80% نتيجة ارتفاع تكلفة النقل، وارتفاع تكلفة تشغيل المولدات الخاصة لتوليد الكهرباء، إضافة إلى زيادات الرواتب للعمال والموظفين، وبخاصة تلك التي ترتبط ببدلات النقل.  

 وقد نشهد ظاهرة اقفال العديد من المؤسسات الحكومية نتيجة توقف الموظفين والعمال عن الحضور إلى عملهم، حيث باتت رواتبهم لا تساوي تكلفة مواصلات أسبوع واحد.  

 كما يتوقع ان ترتفع الكلفة التشغيلية لكل المؤسسات والشركات سواء الخدمية او الصحية أو السياحية والتربوية، وسيقفل حتما ما تبقى من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تمكنت بمعجزة من الصمود حتى اليوم.

وقد بدأت هذه النتائج بالظهور منذ اليوم الأول للإعلان عن رفع الدعم مع احتساب فروق الأسعار قبل استيراد المحروقات بسعرها الجديد، وعلى سبيل المثال أعلن نقيب أصحاب الأفران أن "سعر ربطة الخبز سيتراوح بين 6 و7 آلاف ليرة (من 1,500 قبل الأزمة الاقتصادية) بعد رفع الدعم عن المحروقات، كما أعلنت العديد من المستشفيات اغلاقها أو عدم قدرها على الاستمرار أكثر من أيام معدودة نتيجة فقدان المحروقات من الأسواق والتقنين القاس للتيار الكهربائي. 

في الوقت الذي يتقاتل فيه اللبنانيون على فتات الخبز، يتساءل الكثير منهم عما إذا كانوا سيتمكنون من النجاة من المستوى التالي من الأزمة في غياب واضح ومتعمد للسلطة السياسية بأعذار أقبح من الذنب. 

(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان وحاصل على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال)  

 

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام