04 12 2016

رئيس بعثة "الصندوق" لدى السعودية يتوقع انخفاض عجز الميزانية هذا العام

أشاد صندوق النقد الدولي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه السعودية حاليا، مؤكدا أن «رؤية المملكة 2030» وبرنامج التحول الوطني يتضمنان إصلاحات طموحة في السياسات، من أجل تخفيض اعتماد الاقتصاد على النفط.

وقال تيم كالين؛ رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لدى السعودية في حوار مع «الاقتصادية»، «إن هناك تقدما جاريا في مجال الإصلاحات يستحق الترحيب»، متوقعا أن يكون عجز الميزانية هذا العام أقل من العام الماضي، كما لفت إلى أن «إجراء إصلاحات لتحسين التعليم وإعادة التدريب لضمان امتلاك العمالة المهارات تضمن التغلب على الجوانب السلبية للعولمة».

وحدد كالين، الذي يعتبر المسؤول الأول عن مهام الصندوق لدى دول مجلس التعاون الخليجي والمدير المساعد في فرع الصندوق في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أربعة إجراءات أساسية ينبغي أن تتخذها دول الخليج عامة لمواجهة انخفاض أسعار النفط، وتتركز في عملية الضبط المالي، ينبغي أن تستمر على المدى المتوسط، علاوة على تكثيف مراقبة القطاع المصرفي لتجنب حدوث ضيق مفرط في أوضاع السيولة، والتعامل مع ارتفاع القروض المتعثرة الذي يرجح أن ينشأ عن بطء النمو، علاوة على تعديل سياسة العمل والتوظيف.. فإلى نص الحوار:

بداية ما تقييم صندوق النقد الدولي لخطوات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها المملكة؟

"رؤية 2030" وبرنامج التحول الوطني يتضمنان إصلاحات طموحة في السياسات من أجل تخفيض اعتماد الاقتصاد على النفط، وتعزيز النمو غير النفطي، وزيادة فرص توظيف العمالة.

وهناك تقدم جارٍ يستحق الترحيب. فإصلاحات المالية العامة بدأت بالفعل وهناك إصلاحات جارية مهمة لتعميق أسواق رأس المال المحلية. وبالنظر إلى المستقبل، من المهم أن تحدد السلطات جوانب أخرى في جدول أعمال الإصلاح، وتضع أولويات للإصلاح، وتحدد تسلسل إجراءات السياسة المقرر تنفيذها للحد من مخاطر اختناقات التنفيذ، وتتيح وقتا كافيا لكي تتكيف منشآت الأعمال والأفراد مع الأوضاع الجديدة.

وعلى جانب المالية العامة، بدأت عملية التصحيح ونتوقع أن يكون عجز موازنة الحكومة هذا العام أقل من العام السابق. وتعمل الحكومة على احتواء النفقات وتحقيق إيرادات إضافية. وتنبغي مواصلة هذه الجهود على المدى المتوسط، وهو ما يشمل زيادة أسعار الطاقة التي لا تزال منخفضة بالمعايير الدولية، واتخاذ إجراءات أخرى لزيادة الإيرادات بما فيها الإيرادات المتوقع تحقيقها مع التطبيق المزمع للضرائب الانتقائية على السلع وضريبة القيمة المضافة، وزيادة ضبط الإنفاق. وفي هذه الأثناء، من المهم أن توضع آليات لضمان عدم تأثير هذه الإصلاحات بصورة سلبية في الأقل دخلاً.

ما توقعاتكم لمعدلات النمو الاقتصادي في دول الخليج عموما وفي السعودية تحديدا، خاصة في ضوء هبوط أسعار النفط؟

يشهد النمو تباطؤا في دول مجلس التعاون الخليجي. ويتوقع الصندوق أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في دول المجلس 1.7 في المائة في عام 2016، هبوطا من 3.4 في المائة في عام 2015. ويرجع هذا التباطؤ في معظمه إلى ضعف النمو في قطاعات الاقتصاد غير النفطية.

ونتوقع تباطؤا مماثلا في السعودية – حيث يُتوقع أن ينخفض النمو من 3.5 في المائة في 2015 إلى 1.2 في المائة في 2016 مع تراجع النمو في القطاعات غير النفطية ليقترب من الصفر هذا العام.

كيف يرى الصندوق نجاح السعودية في تحقيق 17.5 مليار دولار أمريكي من بيع السندات السيادية؟

إصدار السندات السيادية كان ناجحا للغاية. وقد كان الاكتتاب أكبر بكثير من المعروض، وحقق هذا الإصدار زيادة في التمويل المتاح للمملكة بأسعار فائدة تنافسية. وبإصدار هذه السندات، تمكنت الحكومة من تنويع مصادر تمويلها لعجز المالية العامة وتخفيف بعض الضغوط عن الأسواق المالية المحلية.

ما رأيكم في قدرة الاقتصاد السعودي على جذب الاستثمار الدولي؟

قدرة الاقتصاد السعودي على جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي ستعتمد بدرجة كبيرة على السياسات التي تنفذها الحكومة. فكلما قامت بمزيد لتقديم معلومات مؤكدة للمستثمرين عن توجه السياسة الحكومية وتحسين بيئة ممارسة الأعمال في المملكة، زادت جاذبية الاستثمار فيها. وإضافة إلى ذلك، ليس المهم فقط هو جذب الاستثمار الأجنبي إلى المملكة، لكن المهم أيضا هو جذب استثمارات السعوديين في الخارج لتعود إلى المملكة.

ما أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي من وجهة نظركم؟

أود التركيز على تحديين اثنين – الحاجة إلى تخفيض عجز المالية العامة مع الوقت، وأهمية إيجاد فرص العمل للمواطنين.

وقد اتخذت الحكومة خطوات بالفعل لتخفيض عجز المالية العامة الكبير. ومن الخطوات الجديرة بالترحيب ضبط الإنفاق الذي تم منذ أواخر 2015 وزيادة أسعار الطاقة. ومع ذلك، لا يزال الأمر يتطلب مزيدا من الضبط المالي الكبير والمتواصل والتدريجي على المدى المتوسط، ما يقتضي زيادات إضافية في أسعار الطاقة وتطبيق ضرائب جديدة – بما فيها الضرائب الانتقائية على السلع وضريبة القيمة المضافة – وزيادة كبح الإنفاق بدعم من إطار أقوى للمالية العامة. ومن الملائم تحقيق موازنة متوازنة بحلول عام 2020 تقريبا، حسبما ورد في خطة التحول الوطني.

ونظرا لتزايد أعداد السكان الشباب في المملكة، سيظل إيجاد الوظائف تحديا أساسيا. فالبطالة مرتفعة جدا بالفعل بين الشباب والنساء، ومع توقع استمرار أسعار النفط المنخفضة، سيكون أمام الحكومة مجال محدود لزيادة التوظيف في القطاع العام. ويعني هذا أن الحاجة ستزداد لإيجاد وظائف للمواطنين السعوديين في القطاع الخاص. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي تحسين التعليم والتدريب وتعزيز الإصلاحات الجارية في سوق العمل.

ما الذي يتوقعه صندوق النقد الدولي لسوق النفط؟

التنبؤات الاقتصادية التي أصدرها الصندوق عن المنطقة في أكتوبر 2016 بعنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي" تفترض زيادة متوسطة في أسعار النفط خلال السنوات القليلة المقبلة استنادا إلى الأسعار في سوق العقود الآجلة. فمن المفترض أن يبلغ متوسط سعر البرميل 43 دولارا في 2016 و51 دولارا في 2017. وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن تكون زيادات أسعار النفط محدودة، حيث تشير أسواق العقود الآجلة إلى بقاء الأسعار تحت مستوى 60 دولارا للبرميل في 2021.

غير أن هناك عدم يقين كبير بشأن آفاق أسعار النفط من حيث إمكانية مخالفة التوقعات هبوطا وصعودا. ويرجع عدم اليقين هذا إلى المخاطر التي تواجه النمو العالمي، وأوجه عدم اليقين المتعلقة باتفاقية إنتاج "أوبك"، وما تشهده صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة من عمليات دمج وتحسن في الكفاءة، إضافة إلى أوجه عدم اليقين في كبرى البلدان الأخرى المنتجة للنفط.

في رأي صندوق النقد الدولي، ما الإجراءات التي يجب أن تتخذها دول الخليج للتعامل مع هبوط أسعار النفط؟

نود تسليط الضوء على أربعة إجراءات أساسية ينبغي أن تتخذها دول الخليج لمواجهة انخفاض أسعار النفط، أولها عملية الضبط المالي ينبغي أن تستمر على المدى المتوسط، وإن كان حجم التعديلات المطلوبة وسرعة تنفيذها يختلفان باختلاف البلدان. وهناك مجال لزيادة الإيرادات غير الهيدروكربونية عبر بلدان المنطقة.

ومن أولويات السياسة الأخرى تحقيق مزيد من الترشيد للإنفاق الجاري، بما في ذلك فاتورة أجور القطاع العام، ورفع كفاءة الاستثمار العام، وإجراء إصلاحات إضافية في أسعار الطاقة، مع حماية محدودي الدخل في نفس الوقت.

ثاني هذه الإجراءات، أنه ينبغي تكثيف مراقبة القطاع المصرفي لتجنب حدوث ضيق مفرط في أوضاع السيولة والتعامل مع ارتفاع القروض المتعثرة الذي يرجح أن ينشأ عن بطء النمو.

أما الإجراء الثالث، فينبغي أن تعجل البلدان بالإصلاحات الهيكلية لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن الهيدروكربونات وتعزيز دور القطاع الخاص. فرغم التقدم الذي تحقق حتى الآن، هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات إضافية لتحسين بيئة الأعمال وتنويع نشاط القطاع الخاص وتوسيع دوره.

وأخيرا، تستحق سياسات سوق العمل اهتماما خاصا، نظرا لأعداد الشباب الكبيرة التي تمثل التحدي الأكبر. وتشكل برامج التعليم والتدريب أهمية خاصة. وارتباطا بهذا، هناك تحدٍ آخر يعوق استغلال المواهب، هو انخفاض معدل مشاركة الإناث في سوق العمل.

هل ترى أن الدعوة المتزايدة للحمائية الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى عواقب سلبية على الاقتصاد العالمي؟

نعم، التحول نحو الحمائية الاقتصادية يشكل خطرا على الاقتصاد العالمي، ويتعين تجنبه. فقد أدى الاندماج الاقتصادي إلى رفع مستويات المعيشة في مختلف أنحاء العالم على مدار العقود الثلاثة الماضية. وكانت التجارة قاطرة لنمو الاقتصاد العالمي وهي تحمل إمكانات كبيرة في المستقبل على هذا الصعيد.

لكننا نحتاج إلى اتباع سياسات تؤدي إلى توزيع ثمار التجارة والانفتاح والاندماج بصورة أفضل على الجميع، مع تخفيف الآثار الجانبية للعولمة. ومن أمثلة السياسات التي يمكن أن تساعد في هذا المجال إجراء إصلاحات لتحسين التعليم وإعادة التدريب لضمان امتلاك العمالة المهارات الملائمة للاقتصاد العالمي المتطور.

© الاقتصادية 2016