22 01 2018

زيارة تحدّث عنها إلى «الراي» يوم... لم تتم

تحطّ طائرة الرئيس اللبناني ميشال عون غداً في الكويت، وهي التي كانت على وشك الإقلاع من بيروت قبل نحو شهرين ونصف الشهر ... عُطلٌ سياسي طرأ يومها على «المحرّكات اللبنانية» جعل الرئيس عون يتصرف على طريقة «الهبوط الاضطراري»، فتحرّك «الهاتف الأحمر» لإرجاء الزيارة التي تتمّ غداً بـ «مفعول رجعي» بعدما كان أُعدّ جدول أعمالها بعناية بالغة.

ففي اللحظة التي كان الرئيس اللبناني يستعد لحزم حقائبه وملفاته لزيارة الكويت التي كانت مقرَّرة في الخامس من نوفمبر الماضي فوجئ كسواه وقبل يوم واحد باستقالةٍ مباغتة لرئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، وهو الحدَث الذي أحدث يومها «صدمةً» سياسية قاسية في بيروت التي فركت عينيْها في اليوم التالي على خبر إرجاء الرئيس الذي كان يستعدّ للمغادرة، سفره الى الكويت.

وبين زيارةٍ لم تتم قبل نحو شهرين ونصف شهر، وزيارة مقرّرة غداً، لم يتبدّل الكثير في جدول الأعمال ولا طبيعة الوفد المرافق، ولا بالتأكيد الحرص اللبناني - الكويتي المتبادل على مكاشفةٍ من القلب الى القلب في شأن العلاقات الثنائية التي تعتريها «سحابةٌ» تتصل بملف «خلية العبدلي» الإرهابية وبـ «أزمة» تعيين سفير جديد للبنان في الكويت.

يومها، عشية الخامس من نوفمبر خصّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «الراي» بحوارٍ شامل أجراه معه في بيروت رئيس التحرير ماجد العلي وتميّز بكلامٍ بلا قفازات في السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات العربية والدولية للبنان، وكانت علامته الفارقة ما قاله فخامته عن الود الذي يحكم علاقته بسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والرغبة في العودة بالعلاقات اللبنانية - الكويتية الى «صفر شوائب».

قال الرئيس عون في اطلالته عبر «الراي» عن مغزى زيارته للكويت والهدف منها «أولاً وقبل أيّ شيء نحمل صداقتنا، فروحُ التعاون بيننا وبين الكويت معروفةٌ وراسخةٌ وتعود لأزمنةٍ غابرة منذ أن قامتْ علاقات مباشرة بين بلدينا. فالتعاون السياسي بين لبنان والكويت كان دائماً على ما يرام والحضور الكويتي في ربوعنا علامةٌ مميّزة، هكذا كان وهكذا نريده دائماً»، موضحاً أن «العلاقات بين لبنان والكويت لم تشبها أيّ شائبة في أيّ يوم من الأيام، ونحن نؤكد تصميمنا على ديمومة هذا الصفاء وعلى تطوير تلك العلاقات، فما يهمّنا يهمّ الكويت وما يهمّ الكويت يهمّنا».

وفتح الرئيس عون دفتر الذكريات في سياق الحديث عن علاقته بسمو الأمير فقال: «تربطنا بصاحب السمو علاقةٌ مميزة وقديمة تعود لأيام اللجنة السداسية في تونس. ففي تلك الاجتماعات أَظهر سموّه تَعاطُفاً حيال الأزمة اللبنانية، وكنا على تَفاهُمٍ بعدما تأكد من بعض الوقائع في الأوضاع التي كنا نواجهها آنذاك، وكان مقتنعاً بأننا أصحاب حق.

وهو بذل جهوداً كبيرة لكن لعبة القوى الدولية كانت ضدّنا، فعطّلوا اللجنة السداسية وعمدوا الى تشكيل لجنة ثلاثية أكدت هي الأخرى على ما خلصتْ اليه السداسية وهو كان في مصلحتنا. اغتاظ الاميركيون من هذا الوضع وعُقد لقاء بين وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر، فجرى نقاشٌ بينهما انتهى الى ما يشبه فرْض بيكر تغيير نتيجة تقرير اللجنة الثلاثية الذي كان وصل إلينا، قبل ان يتمّ تغييره».

وعلى طريقته تحدّث الرئيس عن جدول أعمالٍ لزيارة لم تتبدل عناوينها بين الأمس وغداً فأشار الى ان «الزيارة مناسبةً لمناقشة العلاقات اللبنانية - الكويتية والرغبة الدائمة في تطويرها خدمةً لبلدينا وشعبينا، والتداول بالقضايا ذات الاهتمام المشترك. فالأوضاع الراهنة في العالم العربي تعنينا ونتأثّر بها كوننا جزء من المشرق العربي، فالمنطقة مضطربة وهو الأمر الذي ينعكس علينا، فكل طرقنا في اتجاه الخليج مقفلة (بسب الأحداث في سورية)».

والجواب على سؤال عن العلاقات مع دول الخليج قبل أزمة الحريري، ربما يكون هو هو كما كان قبلها. ويومها قال الرئيس عون: «ليست لدينا عداوة مع أحد. على العكس نسعى دائماً من أجل أن تكون علاقاتنا مع الجميع في أفضل حال، تماماً كما هي مع الكويت، وكما تسعى الكويت اليه دائماً تجاه لبنان وغيره من الأشقاء العرب. فها هو سمو الأمير يقوم بالمساعي الحميدة للتوفيق بين المُخْتَلِفين في الخليج، ونحن بالمناسبة نشجّع هذا الدور ونتمنّى له التوفيق (...)».

الأكثر حساسية الأمس وغداً أيضاً هو الملف المرتبط بـ«خلية العبدلي» وهو قال لـ «الراي» رداً على سؤال: «نحن وبالتأكيد حريصون على أمن الكويت كحرصنا على أمن لبنان، اذ بالفعل يجب ان نُبقي العلاقة بين لبنان والكويت بمنأى عن أي شائبة وأن تكون سليمة مئة في المئة، الى ان جاءت هذه القضية. ونحن كلّفنا الأجهزة الأمنية بالبحث عمّن وردتْ أسماؤهم ويبدو أنهم غير موجودين هنا، فلم نكتشف وجودهم، لكن تعليماتنا الدائمة هي متابعة هذه القضية وإن شاء الله نتوصل الى القبض عليهم. وثانياً، طبعاً إذا صحّ - باعتبار انه لم يتمّ توقيفهم بعد - ان هؤلاء انطلقوا من لبنان (...)، نحن منزعجون أيضاً إذا كانوا انطلقوا من عندنا. ومصرّون على اتخاذ الإجراءات في حال كان أحدٌ موجود (...) فلبنان بلد صغير والناس على معرفة ببعضهم البعض. ولكن أقول ليس عندنا الى الآن، ولا يمكن ان أنفي بشكل مطلق إمكان التخفي، فاليوم هناك هويات مزوّرة، ولا يمكن التواري الى الأبد، لكن سنكون بالمرصاد (...)».

ولعل السؤال الذي اكتسب دلالة أكبر بعد استقالة الحريري، كان عن الكيمياء اللافتة بين الرئيس عون ورئيس الحكومة، وهو ما ردّ عليه يومها «من الأساس، وحتى عندما لم نكن متفقين سياسياً لم ينقطع التعاطف على المستوى الشخصي. ولديّ نوع من الغيرة على سعد، لانه بدأ باكراً مسيرته السياسية بعد استشهاد والده، وهو طيّب القلب ولديه إرادة لخدمة لبنان. بمعنى اننا نلتقي معه على الأهداف نفسها. البعض يلوم الرئيس الحريري على انه لا يَدخل في مشاكل معي، وأنا أتعرّض للوم في السياق نفسه (يضحك)، أي أنهم يلوموننا لأننا متّفقان».

© Al- Rai 2018