يجرَى حاليًا اختبار تقنية السيارات ذاتية القيادة في عدة بلدان، بما فيها سنغافورة، والولايات المتحدة، وبريطانيا. أمّا في دولة الإمارات العربية المتحدة، فتقود هيئة الطرق والمواصلات في دبي عملية الانتقال إلى التنقل بدون سائق، وذلك من خلال تنفيذ استراتيجية دبي للتنقل الذاتي الذكي، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي. وتتوقع تلك الاستراتيجية بأن نسبة 25 في المئة من جميع رحلات القيادة بإمارة دبي ستكون بدون سائق بحلول العام 2030.

ووفقًا لـ إس إيه إي إنترناشيونال (جمعية مهندسي السيارات-سابقًا)، هناك 6 مستويات من القيادة الآلية: المستوى صفر، وهو الوضع الذي تقوم من خلاله بكل مهام القيادة دون وجود للقيادة الآلية، والمستوى الخامس هو عندما يمكن للسيارة أنْ تقوم بجميع مهام القيادة، والسفر إلى أي وجهة، تحت أي ظروف، بدون أي تدخل بشري.

وتقريبًا تندرج التكنولوجيا التِجارية المُتاحة للسيارات حاليًا تحت المستوى الثالث، حيثُ تتوفر القيادة الذاتية لفترات محدودة في الظروف العادية، ولكن لا يزال يتطلب الأمر تدخل السائق في ظروف معينة.

وتقع المركبات في الأبحاث والدراسات الحالية ما بين المستويين الرابع والخامس، حيثُ تقوم بعض الشركات حاليًا باختبار مركبات بدون سائق على طرق محددة مسبقًا أو غير محددة. ويتوقع الباحثون أنَّ القيادة الآلية للسيارات -بحلول منتصف القرن- قد تسهم في الحد من الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية بنسبة تصل إلى 90 في المئة (تشير الدراسات إلى أن الخطأ البشري هو السبب في معظم حوادث السيارات). ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يوجد ما يقدر بحوالي 1.2 مليون حالة وفاة سنويًا تسببها حوادث السيارات في جميع أنحاء العالم. وفي وقتٍ سابق من هذا العام، فإن الأرقام التي نُشرت على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال فعاليات أسبوع المرور الخليجي أشارت إلى أن 725 شخصًا قد قُتِلُوا في حوادث مرورية خلال العام الماضي 2016.

وإذا استطاعت السيارات المستقلة (ذاتية القيادة) أن تصل بإمكاناتها إلى القضاء على الغالبية العظمى من الحوادث المرورية، فإن هذه التكنولوجيا ستكون من بين أنجح مبادرات الصحة العامة في التاريخ الحديث.

وإذا كانت السيارات المستقلة ستحل محل المركبات التقليدية، فهذا لا يعتمد فقط على إدخال تحسينات تِقنية، بل أيضًا يجب وضع القوانين اللازمة التي نحتاجها لذلك؛ وقد بدأت هذه القواعد والقوانين في الظهور بالفعل.

غير أن هناك مسألة قانونية هامة تواجه موضوع اعتماد السيارات مستقلة القيادة، وتدور حول مسألة على من تقع المسؤولية في حالة تعرض المركبة مستقلة القيادة لحادث.

ففي القيادة التقليدية للمركبات، عندما يقع السائق في خطأ يكون هو المسؤول عنه؛ ولكن إن لم يكن هناك سائق بشري، فمن يخضع للمساءلة؟.

في جميع أنحاء العالم، تعمل السلطات الحكومية، والمحاكم، وشركات صناعة السيارات، على التوصل إلى إجابات لهذه الأسئلة حول المسؤولية القانونية. وبالرغم من ذلك، نجدُ أنَّ خيارات إرجاع المسؤولية مُعقدة. لذا؛ فلننظر لهذه الاحتمالات التالية:

  • أن يكون مالك السيارة مسؤولًا قانونًا

  • يكون الخيار الافتراضي هو أنْ يكون مالك السيارة المستقلة مسؤولًا في حالة وقوع حوادث من قبل سيارته مستقلة القيادة؛ وفي العديد من الدول حاليًا، يُطلب من مالكي السيارات أن يكون لديهم تأمين للطرف الثالث كحد أدنى.

    ومع ذلك، ماذا لو لم يكن مالك السيارة مخطئًا، ووقع حادث نتيجة عيب أو خلل في أنظمة السيارات ذاتية القيادة؟. إنَّ السيارات ذاتية القيادة يتم التحكم فيها من خلال برمجيات تحدد للسيارة كيفية التصرف في مواقف معينة. فماذا لو كان هناك حادث بسبب أنْ السيارة اتخذت قرارًا لم يكن السائق قد اختاره من الأساس؛ فمن الناحية التقليدية كان الأساس القانوني للمسؤولية الذي يُبنى عليه في حوادث الطرق هو الإهمال. وبِناءً عليه، فقد يبدو من غير العادل أن يُنسب الحادث لمالك السيارة إذا لم يكن مخطئًا.

  • أنْ يكون مُصنّع السيارة مسؤولًا قانونًا

  • أمّا البديل التالي فهو أنْ تبقى الشركة المُنتجة للسيارة ذاتية القيادة مسؤولة عن الحوادث التي تُسببها السيارة؛ فإذا كان البرنامج الذي يتحكم في أي خلل وظيفي بالسيارة سببًا في وقوع الحادث، فستعود المسؤولية القانونية على الشركة المُصنّعة.

    والمشكلة مع هذا السيناريو هي أنه يُعد من الناحية التِجارية عاملًا مُثبطًا بالنسبة للمشاركين في صناعة مثل هذه السيارات ذاتية القيادة؛ ولذلك، إذا كانت كل شركة من الشركات المنتجة للسيارات ذاتية القيادة مسؤولة قانونًا عن أي حوادث تتسبب فيها سياراتها، فمن هي الشركة التي قد تكون على استعداد لتحمل هذا المستوى من المخاطرة؟.

  • أن تكون السيارة مسؤولةً قانونًا بصفتها شخصًا اعتباريًا

  • والشخص الاعتباري هو مفهوم مختلف عن المفهوم الشائع عن "الشخصية المعنوية". وتُعد الشركات مثالًا بارزًا على الأشخاص الاعتباريين من غير البشر. وفي الواقع، فإن شعب الماوري -السُكان الأصليين لنيوزيلاندا- قدسوا في الآونة الأخيرة نهرًا في نيوزيلندا؛ ولهذا اعترفوا به كشخص اعتباري بموجب القانون.

    وهكذا، فإنه من خلال الاعتراف بالمركبات ذاتية القيادة كأشخاص اعتباريين، يمكن معاملتها بمثل المعاملة مع الكِيانات القابلة للتأمين على غرار الشركات والأشخاص. وبهذه الطريقة، فإن المسؤولية القانونية المتعلقة بالسيارة ستكون قائمة بذاتها؛ وقد يتطلب هذا الاحتمال توسيع نطاق التأمين الإلزامي لتغطية المركبة ذاتية القيادة تأمينيًا، لكي يتم منع التهرب من المسؤولية الشخصية. وعلى سبيل المثال، فإن المملكة المتحدة بصدد النظر في إقرار نموذج تأمين فردي تتم بموجبه تغطية السائقين تأمينيًا عندما يتم تفعيل ميزات القيادة الذاتية.

    التشريعات المُقترحة-ما هو القادم بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة؟

    وقد يبدو من المرجح (استنادًا إلى القوانين التي تم إصدارها بالفعل، على سبيل المثال في كاليفورينا) أنَّ مالكي السيارات في البداية سيبقون مسئولين عن الحوادث التي تتسبب فيها سيارتهم ذاتية القيادة، ولكن هذا يُعد افتراضًا مسبقًا بأن مالكي السيارات وسائقيها يحتفظون ببعض من التحكم والسيطرة والتفاعل، وبالتالي يحتفظون ببعض المسؤولية؛ وقد يسبب هذا غرامًة بموجب المبادئ القانونية، حيث لا يزال المستوى الحالي للقيادة الذاتية يتطلب تدخل السائق في ظل ظروف معينة، ولكن عندما تصبح هذه التكنولوجيا حقيقة وذاتية التحكم بالكامل، فإن إسناد نسبة المسؤولية لمالك السيارة سيكون مجرد حل عملي أو سياسة اجتماعية لتحقيق التوازن بين الخير الأعظم المتمثل في تقليل الحوادث المميتة، التي يتعينُ الاهتمام بها في تشريعات محددة. ويبقى أن نَرى ما هو النهج الذي ستتبعه حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق التوازن بين هذه المصالح. 

    كتبه/ أندرو فوسيت - a.fawcett@tamimi.com - دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة

    © Al Tamimi & Company 2017