من نادين عوض الله وجون ديفيسون

القاهرة 15 مارس آذار (رويترز) - عندما اختار الأمير محمد بن سلمان مصر مقصدا لأول رحلة رسمية يقوم بها للخارج منذ أن أصبح وليا للعهد زينت القاهرة شوارعها بالرايات معلنة أن البلدين هما القلب النابض في الشرق الأوسط.

وأشاد الأمير بأهمية القاهرة فقال "عندما تقوم مصر فالمنطقة كلها تستطيع أن تنهض".

وفي إشارة للاضطرابات التي اجتاحت مصر في أعقاب الانتفاضة الشعبية عام 2011، قال الأمير محمد لرؤساء تحرير الصحف في القاهرة "كنت فاقد الأمل تماما في أن تقوم مصر وكنت أدعو الله ألا تنهار وما رأيته اليوم أكد لي أن الله استجاب لدعائي، فقد رأيت تفاعلا كبيرا في مستقبل المنطقة".

غير أن تصريحات ولي العهد السعودي صاحب النفوذ الكبير هذا الشهر أوضحت أيضا أن مصر، التي جاء وقت كانت فيه زعيمة العالم العربي، لم تسترد مكانتها في الوقت الذي انتقل فيه النفوذ والقوة شرقا إلى دول الخليج الثرية المصدرة للبترول والساعية لتأكيد دورها.

ويتزايد الدور الذي تلعبه دول خليجية مثل السعودية والإمارات في الخارج واستخدام المال والسلاح في التدخل في صراعات إقليمية ولدعم من يواجه مصاعب من الحلفاء مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تخوض قواته حربا على تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء.

وبعد ما شهدته مصر من ركود في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسني مبارك شهدت القاهرة مزيدا من التآكل في مكانتها الإقليمية بعد الإطاحة بمبارك في 2011 وما أعقبها من اضطرابات سياسية وأزمة اقتصادية وهجمات من المتطرفين الإسلاميين.

ويقول أنصار السيسي قائد الجيش السابق الذي يسعى للفوز بفترة رئاسة ثانية في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر إن بإمكانه أن يحقق الأمن ويحيي الدور المحوري لمصر في الوساطة في محادثات السلام في الشرق الأوسط.

غير أن دبلوماسيين يقولون إنه ما دامت مصر تواجه مشاكل أمنية داخلية والمنطقة تشهد اضطرابا فستركز القاهرة على قضايا أقرب إليها جغرافيا مثل المتشددين في قطاع غزة وفي ليبيا والسد الذي تبنيه إثيوبيا ويهدد إمدادات المياه. أما القضايا الشائكة مثل السلام الفلسطيني الإسرائيلي فستحتل مقعدا خلفيا.

وقال الدبلوماسي نبيل فهمي الذي كان مسؤولا في مقتبل العمر عندما أصبحت مصر أول دولة تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 "ما من شك في أننا في أوقات معينة حسمنا الحرب والسلام في الشرق الأوسط".

وأضاف فهمي، الذي شغل منصب وزير الخارجية عاما بعد أن أمسك السيسي بزمام الأمور في مصر عام 2013 كما شغل منصب سفير مصر في واشنطن في عهد مبارك، أن ما شهدته مصر من اضطراب كان معناه أن السنوات الأخيرة كانت صعبة في دبلوماسية القاهرة.

وقال لرويترز "عندما تمر... بعملية انتقالية... ينظر الناس إليك ويقولون ’يبدو أنك مشغول’ ولذلك لا يمكنك فعلا أن تمتلك ذلك النفوذ".

عزل السيسي الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 2013 بعد احتجاجات واسعة. وأصبح في حكم المؤكد أن يفوز في الانتخابات التي تجري من 26 إلى 28 مارس آذار أمام منافس أشاد بالسيسي بدلا من أن يتحداه.

يشترك السيسي والسعودية في معارضة جماعة الإخوان كما أنه أيد مواقف الرياض وأبوظبي فانضم إلى مقاطعة قطر ودعم بقدر محدود حربهما على المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

ورغم أن السيسي سار في مسار منفصل فيما يتعلق بسوريا واختار ألا يتبع النهج المتشدد الذي التزمت به الرياض ضد الرئيس السوري بشار الأسد فقد عززت موافقته على تسليم جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية الإحساس بأن القاهرة أصبحت شريكا أصغر.

ومع اقتراب عدد سكان مصر من 100 مليون نسمة أي نحو ربع سكان العالم العربي فإن استقرار مصر مازال له أهميته بالنسبة للمنطقة لكنها نادرا ما تتولى القيادة الآن عندما تقع الأزمات.

وعندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر كانون الأول أنه سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس انتقد الرئيس السيسي القرار لكن كانت تركيا وليست مصر هي التي دعت إلى عقد قمة عاجلة لقادة العالم الإسلامي للتنديد بهذه الخطوة.

* آفاق ضيقة

خلال فترة الرئاسة الأولى عزز السيسي علاقاته مع روسيا والصين محاولا تقليل الاعتماد على الشراكة المستمرة منذ أربعة عقود مع الولايات المتحدة التي جلبت لمصر مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات.

غير أن شواغل السياسة الخارجية الأكثر إلحاحا لدى مصر تكمن في حدودها. فمن ناحية الغرب خلقت حالة الفوضى في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي قبل سبع سنوات وضعا أمنيا خطيرا على أعتاب مصر.

ومن الشرق خلقت الخلافات الفلسطينية وضعا غير مستقر في قطاع غزة رغم أن الأزمة في شبه جزيرة سيناء المجاورة حيث تقاتل القوات المصرية المتطرفين تطغى على هذا الوضع.

أما في الجنوب فتشعر القاهرة بالانزعاج من السد الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل ويهدد موردها من المياه الذي تعتمد عليه مصر في الزراعة.

وقد أعلنت إثيوبيا بدء العمل في بناء السد بعد أسابيع من الإطاحة بمبارك عندما لم تترك الاضطرابات الداخلية مجالا يذكر أمام مصر للرد.

وقال فهمي إن مصر في الوقت الراهن "ستضطر للتعامل مع الحرائق المشتعلة حولنا لأنها تخلق إحساسا بالضرورة الملحة".

وقال دبلوماسي غربي إن الأولويات الداخلية التي حددتها المؤسسة العسكرية المهيمنة في مصر قلصت آفاق دبلوماسية القاهرة.

وأضاف الدبلوماسي "مياه النيل وليبيا وغزة هي القضايا الرئيسية الثلاثة التي تهتم بها. وكلها يحركها جدول الأعمال الداخلي لا الرغبة في لعب دور إقليمي".

وقال إن السبب الرئيسي في الدور الذي تلعبه مصر في غزة حيث حاولت التوسط في مصالحة بين الفصائل المتنافسة هو الأمن.

وتقول وزارة الخارجية المصرية إنها تعتبر السلام الإسرائيلي الفلسطيني أولوية ملحة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد إن ليبيا وغزة تمثلان مشكلتين أمنيتين في الأساس.

وقال إن مصر تحاول تقليل عمليات تهريب السلاح والمتطرفين عبر حدودها الصحراوية الممتدة 1200 كيلومتر مع ليبيا في حين أنها تريد في غزة المساعدة في تهدئة الوضع والوساطة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم القطاع والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وقال أبو زيد إن الشرق الأوسط يواجه تحديات أمنية وإنسانية هائلة وبالتالي "يتطلب ذلك اهتماما أكبر بالقضايا الأمنية".

وقال فهمي الذي شارك في المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو لعام 1993 إن الاضطرابات منذ انتفاضات الربيع العربي قبل سبع سنوات تعني أن مصر أمامها شوط قبل أن تسترد نفوذها لكن ما زال هناك مجال أمام القاهرة لإيجاد دور لنفسها.

وأضاف أن الوضع الخاص لمصر هو أنها كانت صاحبة المبادأة "لذلك فرغم صعوبة هذه السنوات أعتقد فعلا أنه دفعنا للأخذ بزمام مشاكلنا مرة أخرى والتعامل مع القضايا المختلفة من حولنا".

(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير محمد اليماني)