بيروت/الأمم المتحدة (رويترز) - دعا مجلس الأمن الدولي يوم السبت إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما في سوريا بينما قال مسعفون في منطقة الغوطة الشرقية السورية إن القصف لا يهدأ لفترة تسمح لهم بإحصاء الجثث في واحدة من أكثر حملات القصف فتكا في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات.

وبعد قليل من تصويت مجلس الأمن الذي جاء بإجماع الأعضاء الخمسة عشر على قرار يطالب بوقف إطلاق النار، قالت خدمات طوارئ وجماعة تراقب الحرب إن الطائرات الحربية قصفت بلدة في الغوطة الشرقية، آخر معاقل المعارضة المسلحة قرب العاصمة السورية دمشق. وواصلت الطائرات الحربية قصف المنطقة لليوم السابع على التوالي بينما تحصن السكان في المخابئ.

كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش دعا يوم الأربعاء إلى إنهاء فوري ”للأعمال الحربية“ في الغوطة الشرقية حيث يعيش نحو 400 ألف شخص تحت حصار تفرضه الحكومة منذ عام 2013 دون ما يكفي من الطعام أو الدواء.

وبينما أيدت روسيا، حليفة سوريا، قرار مجلس الأمن الدولي، أثار سفيرها لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا شكوكا في جدواه. ولاتفاقات وقف إطلاق النار السابقة على الأرض سجل ضعيف فيما يتعلق بإنهاء القتال في سوريا التي صار للرئيس بشار الأسد اليد العليا فيها.

وأبلغ نيبينزيا مجلس الأمن بعد التصويت قائلا ”الضروري هو أن تعزز طلبات مجلس الأمن اتفاقات راسخة على الأرض“. وقال بعد ذلك للصحفيين إن توقع وقف فوري لإطلاق النار غير واقعي وإن هناك حاجة لتشجيع الأطراف على العمل من أجل ذلك.

وبعد تأخر لأيام ومفاوضات في اللحظات الأخيرة للحصول على التأييد الروسي، وافق المجلس على القرار الذي صاغته السويد والكويت والذي يطالب بوقف الأعمال العدائية لمدة 30 يوما ”دون إبطاء“ للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وبإجراء عمليات الإجلاء الطبي.

وقالت وزيرة خارجية السويد مارجو والستروم لرويترز ”نقبل أن الأمر قد يستغرق عدة ساعات قبل أن يتم تنفيذه بشكل كامل... علينا فحسب أن نواصل الضغط والتنفيذ هو المهم الآن“.

ولم ترغب روسيا في تحديد موعد بدء وقف إطلاق النار ومن ثم جرى تخفيف مقترح بأن تبدأ الهدنة بعد 72 ساعة من الموافقة على القرار على أن يكون البدء ”دون إبطاء“. وأضافت مباحثات يوم السبت طلبا لجميع الأطراف ”بالعمل على الفور لضمان تطبيق كامل وشامل“.

وقالت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن ”بينما كانوا يطيلون في المفاوضات، كانت القنابل مستمرة في السقوط من طائرات الأسد المقاتلة. في الأيام الثلاثة التي احتجناها للموافقة على هذا القرار، كم من الأمهات فقدن أبناءهن في القصف؟“

وأضافت ”نشعر بشكوك عميقة في أن النظام (السوري) سيُذعن“.

 محاربة الإرهاب

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن نيران الصواريخ والقصف والغارات الجوية أودت بحياة قرابة 500 شخص منذ مساء يوم الأحد. ومن بين القتلى أكثر من 120 طفلا.

وأضاف المرصد، ومقره بريطانيا، أن الغارات أصابت دوما وحمورية وبلدات أخرى في الغوطة الشرقية يوم السبت مما أسفر عن مقتل 40 شخصا.

وبعد تصويت مجلس الأمن على القرار، رحبت جماعتا المعارضة الرئيسيتان في الغوطة الشرقية بالقرار وتعهد جيش الإسلام وفيلق الرحمن في بيانين منفصلين بحماية قوافل الإغاثة التي ستدخل الجيب المحاصر الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة قرب دمشق.

وقال المسلحون إنهم سيلتزمون بوقف إطلاق النار لكنهم سيردون على أي انتهاكات من الحكومة السورية وحلفائها.

وقال وائل علوان المتحدث باسم فيلق الرحمن ”نؤكد التزامنا الكامل والجاد بوقف إطلاق نار شامل وتسهيل إدخال كافة المساعدات الأممية إلى الغوطة الشرقية استجابة لقرار مجلس الأمن رقم 2401 مع حقنا المشروع في الدفاع عن النفس و رد أي اعتداء“.

ونددت جمعيات خيرية طبية بالهجوم على 12 مستشفى. وتقول الحكومة السورية وحليفتها روسيا إنهما تستهدفان المتشددين فحسب وتسعيان لوقف هجمات المورتر التي يشنها مقاتلو المعارضة على العاصمة كما تتهمان المعارضين في الغوطة باستخدام السكان دروعا بشرية.

ولم يصدر تعليق من الجيش السوري حتى الآن.

وقال سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري ”نمارس حقنا سياديا بالدفاع عن أنفسنا وسنستمر في مكافحة الإرهاب أينما وجد على الأرض السورية...الحكومة السورية تحتفظ بحقها كاملا في الرد على المجموعات الإرهابية المسلحة في حال قيامها باستهداف المدنيين ولو بقذيفة واحدة“.

وقال الجعفري إن حكومته تفسر القرار على أنه ينطبق أيضا ”على ما تمارسه القوات التركية من اعتداءات في عفرين وما تقوم به قوات ما يسمى التحالف الدولي من اعتداءات متكررة على سيادة وأراضي سوريا وبطبيعة الحال أيضا ينطبق القرار على الانتهاكات المستمرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي على السيادة السورية دعما لشراذم الإرهاب في الجولان السوري المحتل هذا هو فهمنا للقرار الذي اعتمدتموه“.

ولا تشمل الهدنة التي طالب بها مجلس الأمن عناصر الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة.

وقال الدفاع المدني السوري في الغوطة الشرقية إن مسعفين هرعوا للبحث عن ناجين بعد ضربات في كفر بطنا ودوما وحرستا. وأضافت منظمة الإنقاذ التي تعمل في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة أنها وثقت 350 حالة وفاة على الأقل خلال أربعة أيام.

وقال سراج محمود وهو متحدث باسم الدفاع المدني ”يمكن أكتر من هيك بكتير... ما قدرنا أمس نحصي أعداد الشهداء لأن الطائرات الحربية عم تتجول بالسماء“.

* تحت الأنقاض

في حين تسقط القنابل التي أصاب بعضها مراكز للطوارئ وسيارات إسعاف يكافح المسعفون لانتشال الناس من تحت الأنقاض. وقال محمود ”بس نحنا إذا راح نحفر بأيدينا وراح نطلع برجلينا نركض ركض ونسعف العالم لساتنا موجودين“.

وقال شاهد في دوما إنه استيقظ في الساعات الأولى من صباح يوم السبت على صوت قصف الطائرات لمنطقة قريبة. وظلت معظم الشوارع خالية.

وقال مجلس المعارضة المحلي إنه يشكل فرق طوارئ من المتطوعين في عدة أحياء لتدعيم الملاجئ بأكياس الرمال ومحاولة ربطها ببعضها البعض من خلال أنفاق.

وقال محمود ”كل يوم نقول إن شاء الله غدا سنكون بحال أفضل... واليوم المشهد الرئيسي في الغوطة هو أشلاء ودماء... لا حاجة لحفر قبور، سنُدفن تحت بيوتنا“.

وسرعان ما انهارت محاولات سابقة لوقف إطلاق النار في سوريا منذ نشوب الصراع متعدد الأطراف الذي راح ضحيته مئات آلاف القتلى وأجبر 11 مليون شخص على النزوح من ديارهم.

وقالت وسائل الإعلام الرسمية السورية إن فصائل معارضة في الغوطة الشرقية أطلقت قذائف مورتر على أحياء في مدينة دمشق يوم السبت وإن الأهداف شملت موقعا قريبا من مدرسة.

وأضافت أن القصف الذي نفذه المسلحون تسبب في إصابة ستة أشخاص وأن الجيش رد بقصف النقاط التي انطلقت منها القذائف.

وصار جيب الغوطة أحدث نقطة ملتهبة في الحرب بعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها المعارضة وعمليات انسحاب تمت من خلال التفاوض. واستعاد الجيش السوري السيطرة على المدن الرئيسية في غرب سوريا بمساعدة جماعات مسلحة مدعومة من إيران تحت إسناد من الطائرات الروسية.

وتعهدت المعارضة في الغوطة الشرقية بعدم القبول بمثل هذا المصير مستبعدة نوعا من الإجلاء الذي أنهى وجود المعارضة في حلب وحمص بعد حصار مرير.

وتُلقي روسيا باللوم على مقاتلي النصرة، المنتمين إلى الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة، فيما آل إليه الوضع في الغوطة. وفي المقابل، تتهم الجماعتان الإسلاميتان الرئيسيتان أعداءهما باستغلال وجود عدد قليل من المسلحين المتشددين يقدر ببضع مئات ذريعة للهجمات.

شاركت في التغطية داليا نعمة في بيروت - إعداد محمد اليماني للنشرة العربية

 

© Reuters News 2018