نطلق اليوم في قصر هوفبورج الشهير في وسط فيينا أعمال الندوة الدولية السابعة لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" بمشاركة وزراء الطاقة والنفط في الدول الأعضاء إلى جانب الهيئات الدولية، وعلى رأسها وكالة الطاقة الدولية ورؤساء شركات الطاقة، وفي مقدمتهم السبع الكبار إلى جانب عدد كبير من الاقتصاديين والمحللين الدوليين. وتنظم "أوبك" هذا السيمنار كل ثلاث سنوات، ويعقد هذا العام تحت شعار "التعاون النفطي من أجل مستقبل مستدام" ويتضمن عديدا من الجلسات وورش العمل التي تناقش تطورات السوق النفطية وآفاق نمو الطلب ومستقبل الإنتاج من الموارد المختلفة سواء التقليدية أو غير التقليدية أو المتجددة، إلى جانب بحث مستقبل مزيج الطاقة العالمي ومعدلات النمو الاقتصادي وفرص تعزيز الاستثمارات.

ويتحدث إلى المؤتمر المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك وعديد من وزراء الطاقة والاقتصاديين ورؤساء الشركات الدولية، وسيكون بمنزلة تحضير جيد من خلال المناقشات المستفيضة بين كل أطراف الصناعة، وذلك قبل انطلاق الاجتماع الوزاري رقم 174 لمنظمة "أوبك" يوم الجمعة المقبل يليه الاجتماع الوزاري الرابع لدول "أوبك" وشركائهم من خارج المنظمة يوم السبت المقبل.

وقالت لـ"الاقتصادية"، مصادر مقربة من الاجتماعات الوزارية، إن هذه الاجتماعات تأتي في وقت دقيق تحتاج فيه صناعة النفط الخام إلى تأكيد علاقات التعاون والشراكة بهدف تأمين مستقبل أفضل للطاقة في العالم، وتحقيق نمو وتوازن مستدام في السوق النفطية، وإضفاء الشكل المؤسسي على مستقبل تعاون المنتجين، وتأكيد التلاحم والتكامل مع المستهلكين ومع كل أطراف الصناعة.

واختتمت اللجنة الفنية المكونة من الخبراء في دول "أوبك" وخارجها اجتماعها في فيينا أمس الأول، بتقديم توصيات إلى الاجتماع الوزاري يوم الجمعة المقبل، تدعم فكرة إجراء زيادة إنتاجية تدريجية، وذلك على الرغم من معارضة خبراء من دول فنزويلا وإيران والعراق، إلا أن اللجنة الفنية حذرت من أزمات واسعة قد يتعرض لها المعروض النفطي في النصف الثاني من العام إذا استمر الإنتاج وفق مستوياته الحالية. وفي سياق متصل، مالت أسعار النفط الخام إلى التراجع بسبب تصاعد الصدام التجاري بين الصين والولايات المتحدة مع ترقب الزيادة الإنتاجية المتوقعة في إنتاج "أوبك" والمستقلين، التي ستقرر رسميا يومي الجمعة والسبت المقبلين.

وفي هذا الإطار، قال لـ"الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس العالمية، إن منظمة "أوبك" لا تزال تلعب دور القائد في السوق، حيث يعزز دورها علاقات التفاهم والتنسيق الواسعة التي تربطها مع الشريك الروسي، لافتا إلى أن المنتجين على بعد خطوات قليلة من قرار زيادة الإنتاج. وذكر أن السعودية وروسيا بالطبع سيقومان بالدور الأكبر في توفير الإمدادات الإضافية، مشيرا إلى أن المعارضة لقرار زيادة الإنتاج مازالت قائمة، ويتبناها منتجون أساسيون وشركاء في منظومة العمل المشترك للمنتجين، ولكن الزيادة باتت حتمية في ظل تحديات وتقلصات واسعة ستواجه المعروض النفطي في النصف الثاني من العام الجاري، ويبقى الجدل أيضا حول حجم تلك الزيادة ومدى تأثيرها في السوق ووسائل التوافق على زيادة مناسبة تعوض الانخفاضات وتبقى على علاقات متوازنة بين العرض والطلب. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد أيه إف" في كرواتيا، أن تحديات وصعوبات مهمة تواجه المنتجين في اجتماع الجمعة المقبل أولها وأهمها الحفاظ على تماسك المجموعة واستيعاب الخلافات وتجنب تصاعد الأزمات، مشيرا إلى أن التحدي الثاني هو تعويض الانخفاضات في المعروض النفطي وفي الوقت نفسه الحفاظ على أسعار نفط ملائمة تتجنب الارتفاعات المفرطة لعدم تدمير الطلب، وفي الوقت نفسه إنعاش الاستثمار.

وأشار إلى أن المنتجين في الاجتماع المقبل مطالبون ليس فقط بالتوصل إلى اتفاق لزيادة الإنتاج، ولكن المطلوب أكبر من ذلك، وهو إضفاء الطابع المؤسسي، ووضع إطار دائم للتعاون بما يضمن التدخل الجماعي في الوقت المناسب لتفادي الأزمات والحفاظ على استقرار ونمو الصناعة. من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية"، أندريه يانييف المحلل البلغاري ومختص شؤون الطاقة، إن المطالبة الأمريكية بزيادة الإنتاج لا تزيد عن كونها اقتراحا ولا ترقى إلى مستوى الضغوط، حيث إن "أوبك" تنطلق دوما من تحقيق المصالح المشتركة ودعم التعاون والانفتاح على كل الأطراف المعنية بالصناعة.

وأوضح أن توقعات الزيادة الإنتاجية هو أمر لا مفر منه بحسب تأكيدات المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، ولكن الخلاف ربما يكون حول حجم هذه الزيادة، وهل هي حول 500 ألف برميل، أم ستتوسع لتصل إلى مليون ونصف المليون برميل، أم تعوض التخفيضات الإنتاجية بالكامل بقيمة 1.8 مليون برميل يوميا، لافتا إلى أهمية التعهد السعودي بأن تكون الزيادة مدروسة بشكل جيد وتمثل الخطوة الصحيحة الملائمة للسوق في ظروفه الراهنة. وفيما يخص الأسعار، نزلت أسعار النفط نحو 1 في المائة أمس، مع تصاعد الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين ليقود لهبوط حاد في عديد من الأسواق العالمية. وتأثر الخام بتوقعات رفع "أوبك" وحليفها الرئيس روسيا الإنتاج بشكل تدريجي. وتبادلت الولايات المتحدة والصين التهديد بفرض رسوم عقابية على صادرات كل منهما بما قد يشمل إمدادات النفط، الأمر الذي ضغط على أسواق الأسهم.

وسجل برنت 74.69 دولار للبرميل في الساعة 0646 بتوقيت جرينتش منخفضا 65 سنتا بما يعادل 0.9 في المائة عن أحدث إغلاق. وسجل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 65.24 دولار للبرميل بانخفاض 61 سنتا أو 0.9 في المائة. ويتابع تجار النفط عن كثب تهديد الصين بالرد علي الرسوم الأمريكية بفرض رسوم 25 في المائة على واردات النفط الخام الأمريكي التي تسجل ارتفاعا منذ 2017 لتصل لنحو مليار دولار شهريا. وبدأت منظمة "أوبك" ومجموعة من المنتجين المستقلين من بينهم روسيا خفض إمدادات النفط لدعم الأسعار في 2017. وإثر زيادة كبيرة في أسعار الخام من أقل من 30 دولارا للبرميل في 2016، تجتمع "أوبك" وحلفاؤها في الـ 22 من الشهر الجاري في فيينا لمناقشة سياسة الإنتاج في المستقبل.

وحقق النفط الخام الأمريكي أمس الأول، ارتفاعا بنسبة 2.3 في المائة، ضمن عمليات التعافي من أدنى مستوى في شهرين 63.58 دولار للبرميل المسجل في وقت سابق من التعاملات، وصعدت عقود برنت بنسبة 3.3 في المائة، في أول مكسب خلال ثلاثة أيام، ضمن عمليات التعافي من أدنى مستوى في سبعة أسابيع 72.44 دولار للبرميل. وقالت مجموعة جولدمان ساكس إن سوق النفط لا يزال يعاني العجز، الأمر الذي يتطلب إنتاجا أكبر من "أوبك" وروسيا لتجنب نفذ المخزونات بنهاية هذا العام.

وتتوقع المجموعة ارتفاع إنتاج "أوبك" وروسيا بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا بحلول نهاية 2018، وبمقدار 0.5 مليون برميل يوميا في النصف الأول من عام 2019. وخسرت أسعار النفط الأسبوع الماضي نحو 1.9 في المائة، في رابع خسارة أسبوعية على التوالي، بفعل مخاوف زيادة الإنتاج في أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، روسيا والولايات المتحدة والسعودية. ومن المقرر أن تجتمع منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وبعض المنتجين المستقلين يوم الجمعة في فيينا المقبل لتحديد سياسة الإنتاج، واتخاذ قرار نهائي حول اتفاق خفض المعروض العالمي. وتنفذ "أوبك" والمنتجين المستقلين حاليا اتفاقا عالميا بخفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا، ومن المقرر أن ينتهي الاتفاق في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وفي الولايات المتحدة زادت المنصات الأسبوع الماضي للأسبوع الرابع على التوالي، ليصل إجمالي المنصات العاملة حاليا إلى 863 منصة، وهو أعلى مستوى منذ آذار (مارس) 2015. وبفضل أنشطة الحفر المرتفعة، قفز الإنتاج الأمريكي بأكثر من 29 في المائة، منذ منتصف عام 2016 إلى إجمالي 10.90 مليون برميل يوميا، مقتربا من إنتاج روسيا أكبر منتج للنفط في العالم البالغ نحو 11.1 مليون برميل يوميا. وتراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 71.09 دولار للبرميل أمس الأول، مقابل 72.79 دولار للبرميل في اليوم السابق.

وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق ثاني تراجع له على التوالي، كما أن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 73.96 دولار للبرميل.

© الاقتصادية 2018