19 10 2017

دبي، الإمارات العربية المتحدة.

هناك سوء فهم شائع بأن دولة الإمارات العربية المتحدة لن تطبق سوى القانون الإماراتي عند الفصل في النزاعات بين الأطراف، على الرغم من الاتفاق على تطبيق القانون الأجنبي.

من الناحية النظرية، كان من الممكن لمحاكم دولة الإمارات العربية المتحدة دائمًا أن تقر باختيار صريح للقانون الأجنبي الحاكم في العقود التالية للمادة رقم 257 من القانون المدني لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تنص على أن "المبدأ الأساسي في العقود هو موافقة الأطراف المتعاقدة وما تعاهدوا على تنفيذه في العقد."

ومع ذلك، فإن محاكم دولة الإمارات لا تطبق دائمًا القانون الأجنبي؛ وهذا الأمر يرجع بشكل أساسي لعدم تلبية متطلبات تطبيقه، بسبب صعوبات عملية متنوعة. وتشمل هذه الصعوبات، على سبيل المثال لا الحصر، شرط ضرورة أن يثبت الطرف الذي يطلب تطبيق القانون الأجنبي وجود القانون الأجنبي ومحتواه للمحكمة كمسألة واقعية. ويقترن بهذا الشرط ميل محاكم دولة الإمارات لعدم قبول الأدلة المقدمة بسهولة فيما يتعلق بمحتوى وتأثير هذا القانون الأجنبي؛ ونتيجة لذلك، عادة ما تتجاهل محاكم دولة الإمارات القانون الذي يختاره الأطراف وتطبق قانون الإمارات ببساطة. وهذا التطبيق ليس متساويًا: فكثيرًا ما تطبق المحاكم القانون الأجنبي في المسائل المتعلقة بالشئون الشخصية، لكن ليس في المنازعات التجارية، على سبيل المثال.

نحلل في هذه المقالة حكم صدر مؤخرًا من محكمة دبي الابتدائية (هيئة قضائية تجارية كاملة – قضية رقم 1484 /2016)، صدر في مايو 2017، حيث مثل فيها "التميمي" المدعي عليهم الناجحين، ضد مطالبة تسعى لإبطال الضمانات الشخصية التي قدمها المدعي من أجل الحصول على قروض لمجموعة شركات.

توُعد هذه القضية مثيرة للاهتمام لأن المحكمة كانت مستعدة، وفعلت بدرجة كبيرة، لتطبيق القانون الأجنبي بشأن منازعة يتم الفصل فيها في محاكم دبي، لكنها رفضت فعل هذا الأمر على أساس أنه لم يتم تقديم ترجمة عربية كاملة ومصدقة للقانون الأجنبي من قبل الطرف الذي يسعى للاعتماد على هذا القانون.

كما نظرت المحكمة الابتدائية في هذه القضية بشأن ما إذا كان إبرام العقد في قنصلية يعادل إبرام العقد في الدولة التي تتبعها القنصلية بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

الحيثيات

ادعى صاحب المطالبة (المدعي) أنه كان مُخوَّلًا بحق إبطال صكوك الضمانات التي قدمها للمدعي عليه، على أساس أنه تم تضليله فيما يتعلق بمبلغ القروض؛ وبالتالي ينطبق الأمر على قيمة صكوك الضمانات. وادعى أنه لم يتلقَ مبلغ القرض بالكامل، وعليه فهو لم يكن ملتزمًا بالضمان بموجب أحكام القانون الهندي الذي قال إنه انطبق على اتفاقيات القرض والضمان.

تنص الاتفاقيات المقدمة على أنه يجب أن تكون القوانين الهندية هي الحاكمة في أية نزاعات ذات صلة. وتنص البنود رقم 5، و19، و39 و142 من قانون العقود الهندي لعام 1872 على أن أي ضمان يتم الحصول عليه عن طريق التحريف الذي يقوم به الدائن أو بعلمه وموافقته، فيما يتعلق بجزء مادي من المعاملة، يكون باطلًا. وبموجب قانون العقود الهندي، فإنه عند الموافقة على اتفاق عن طريق الغش أو التحريف، فإن الاتفاق يصبح عقدًا لا يمكن إبطاله بناء على خيار الطرف الذي تم الحصول على موافقته.

أحالت محكمة دبي الابتدائية الأمر للتحقيق، واضعة بذلك العبء على المدعي لتحديد التفاصيل (بما في ذلك مكان وتاريخ) عرض وقبول الشروط المزعومة فيما يتعلق بكل ضمان، وإثبات الاتفاق.

قدم المدعي مطالبته بموجب المادتين 21 (3) و24 من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات (القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1992) والمادة 19 (1) من القانون المدني لدولة الإمارات (القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 1985). وكان مطلوبًا من الأطراف أولًا وضع حقائق أساسية لتطبيق المادة 19 (1) من القانون المدني لدولة الإمارات التي تنص على ما يلي:

"يسري على الالتزامات التعاقدية شكلاً وموضوعًا قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إن اتحدا موطنًا، فإن اختلفا موطناً يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد، ما لم يتفق المتعاقدان، أو يبين من الظروف، أن قانونًا آخر هو المُراد تطبيقه."

وعلى نحو مفصل، كان هناك أيضًا طعن يتعلق بالولاية القضائية يستند إلى اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وذلك على الرغم من أن اتفاقية التسهيلات الائتمانية وقعها الأطراف في السفارة الهندية بدبي، وقد اتفق الطرفان على اختصاص المحاكم الهندية للبت في النزاع، وقدم المدعي دعواه أمام محاكم دبي؛ كما صدر القرض والتسهيلات الائتمانية ذات السحب على المكشوف في الهند وتم الدفع بالروبية الهندية. وادعى المدعي عليهم أنه بسبب توقيع صكوك الضمانات في القنصلية الهندية فيجب تطبيق القانون الهندي؛ ورد المدعي بأنه بما أن الالتزامات القانونية بموجب الاتفاقيات كان مركزها دبي وقد وُقِّعت فعليًا في دبي، فيجب أن تكون القضية أمام محاكم دبي.

المحكمة الابتدائية

طبقت محكمة دبي قانون دولة الإمارات العربية المتحدة، وحكمت لصالح المدعي عليهم، إذ رأت أنه كان من الواضح أن المدعي عليهم لم يقدموا طلبًا للمدعي لدفع مبلغ الضمانات بالكامل. ووجدت المحكمة أن شروط الضمانات كانت واضحة، حيث أنها كانت تمتثل لقانون دولة الإمارات العربية المتحدة ولم تكن معارضة للنظام العام بدولة الإمارات. وعكست الضمانات نوايا الأطراف، وبناء على ذلك لم يكن هناك مبرر لإبطال الضمانات.

علاوة على ذلك، طبقت المحكمة المادة 21 (3) من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات، الذي ينص على أنه يجب أن يكون للمحاكم الاختصاص في النظر في المطالبة، فيما يتعلق بالأجنبي الذي ليس له منزل أو إقامة في الدولة، إذا كانت المطالبة تتعلق بالتزام تم أو نُفِّذ في الدولة، أو بموجب عقد يجب تسجيله في تلك الدولة، أو بواقعة حدثت في تلك الدولة. وتنص المادة 24 من نفس القانون على أن أي اتفاق ينتهك مواد هذا الفصل يكون باطلاً.

قررت المحكمة أن الاتفاقية أُبرِمت في "الدولة" ووُجِد أنها في صالح المدعي بشأن مسألة الاختصاص، استنادًا للأحكام المذكورة أعلاه؛ وأدى هذا إلى إبطال اتفاق الطرفين لاختيار محكمة أجنبية للفصل في النزاع.

تم رفض الطعن الاختصاصي المقدم من جانب المدعي عليه، مؤكدًا أنه ليس للمحكمة الابتدائية اختصاص دولي، وأن الاختصاص يرجع لمحاكم الهند، على أساس أن إجراء المدعي كان من أجل بطلان الضمانات التي وقعها المدعي في دبي (حدثت الحقيقة المؤكدة في دبي). هذا يعني أن مقاضاة المدعي عليهم أمام محكمة دبي كان أمرًا مناسبًا وفقًا للمادتين 21 و24 من قانون الإجراءات المدنية بدولة الإمارات العربية المتحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، رفضت المحكمة طلب المدعي لتطبيق القانون الأجنبي، لأن المدعي لم يقدم ترجمة عربية كاملة ومصدقة للقانون الأجنبي.

وفيما يتعلق بجوهر القضية، فقد تم رفض الدعوى المرفوعة ضد المدعي عليهم على أساس الأسباب التالية:

·         رأت المحكمة أن حجز عقد الضمان فيما يتعلق بالاتفاقات الرئيسية كان التزامًا إضافيًا للالتزامات الرئيسية ونظيرًا لها؛ وعلى هذا النحو، فرض عقد الضمان التزامًا شخصيًا على المدعي الضامن لقدر المبلغ الذي تسلمه المسئول وليس أكثر منه، حتى وإن تم النص على خلاف ذلك في العقد الأصلي، الذي نص على قيمة التسهيلات المصرفية.

·         حدد الدين الرئيسي نطاق التزام الضامن، أي نطاق الضمان الذي يتعيَّن الوفاء به عند الطلب.

·         كان هذا الحد هو أيضًا مطالبة الدائن عندما تخلف المُقترض عن سداد دينه للدائن.

·         وجدت المحكمة أن المدعي عليهم لم يطلبوا دفع المبالغ كاملة بموجب الضمانات التي كانت نافذة من حيث تحديد الضمان والمسئول والدائن، وتحديد نطاق المسئوليات المضمونة. كانت الضمانات صحيحة ولم تشتمل على شيء مخالف للسياسة العامة؛ ومن هنا، عملت الضمانات على إحداث الآثار القانونية التي قصدها الطرفان. وعلى هذا النحو، لم يكن هناك سبب لإبطال الضمانات بموجب قانون دولة الإمارات العربية المتحدة.

ملخص

من النادر أن تطبق محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة قانونًا أجنبيًا في نزاع يمكن القول فيه بأن قانون دولة الإمارات العربية المتحدة نافذًا، ولاسيما في المعاملات التجارية.

تقدم هذه القضية مثالًا جيدًا على المحاكم التي تنظر في تطبيق القانون الأجنبي في حالة تقديم ترجمة عربية كاملة ومصدقة للقانون الأجنبي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن المسائل المحيطة بتطبيق اتفاقية "فيينا" فيما يتعلق بالاختصاص القضائي يمكن أن يكون لها أيضًا آثار هامة على كيفية تنفيذ وثائق المعاملات.

يخضع هذا الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية للاستئناف. 


نايف يحي/دييجو كارمونا/زين عناني– n.yahia@tamimi.com / d.carmona@tamimi.com / z.anani@tamimi.com  

© Al Tamimi & Company 2017