* إيران ستقاوم على الأرجح إبرام اتفاق جديد بعد التراجع الأمريكي

* ماكرون حاول، بطرح فكرة اتفاق جديد، الحفاظ على المسار الدبلوماسي

* ما الذي قد يدفع ايران للتحرك؟ ضغط العقوبات الجديدة

* مسؤول فرنسي: "هل سيثق الإيرانيون بنا؟ لا على الأرجح"

من جون أيرش وأرشد حمد وباريسا حافظي

باريس/واشنطن/أنقرة 9 مايو أيار (رويترز) - قال دبلوماسيون حاليون وسابقون إن فرص التوصل لاتفاق أوسع نطاقا مع إيران على أنشطتها النووية والصاروخية والإقليمية تبدو ضئيلة في أفضل التقديرات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن يوم الثلاثاء الانسحاب من الاتفاق المبرم في 2015 الذي وافقت بمقتضاه إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها وأبدى استعداده للتفاوض على اتفاق جديد رغم أن طهران استبعدت ذلك وهددت بالرد.

ويهدم قرار ترامب الإنجاز الرئيسي في السياسة الخارجية الذي حققه سلفه باراك أوباما ويفتح الباب أمام مواجهة أمريكية أكبر مع إيران ويوتر كذلك العلاقات مع بعض من أوثق حلفاء الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي بذلت جهدا كبيرا لإقناعه بالحفاظ على الاتفاق.

وربما كانت الخطوة التي أخذها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 ابريل نيسان بطرح فكرة العمل مع إيران على "اتفاق جديد" جاءت انطلاقا من إحساسه خلال زيارة لواشنطن أن ترامب سيتخلى عن الاتفاق.

وقال ماكرون إن مثل هذا الاتفاق سيرتكز على أربعة أعمدة هي تقييد برنامج إيران النووي في الأجلين القريب والبعيد وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية والحد مما يعتبره الغرب أنشطة مزعزعة للاستقرار في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وقال مسؤولون فرنسيون إن الفكرة وراء ذلك كانت الإبقاء على الأمل في الدبلوماسية إذا ما انسحب ترامب من الاتفاق.

غير أن دبلوماسيين حاليين وسابقين قالوا إن إعادة إيران إلى مائدة التفاوض لإبرام مثل هذه "الصفقة الكبرى" سيكون أمرا في غاية الصعوبة وخاصة بعد ما تعتبره تراجع واشنطن عن الاتفاق.

وقال روبرت اينهورن خبير الحد من التسلح السابق بوزارة الخارجية "لفترة من الوقت، وأنا أتحدث عن سنوات، ستقاوم إيران أي نوع من التفاوض على اتفاق جديد". وأضاف أن دخول الرئيس الإيراني حسن روحاني في محادثات جديدة سيكون موقفا "لا يمكن الدفاع عنه من الناحية السياسية".

* بعيد المنال؟

قال مسؤولون إيرانيون إن القرار يهييء الساحة لتصاعد الخلافات السياسية داخل هيكل السلطة المعقد في إيران وربما يقوي شوكة المتشددين الساعين للحد من قدرة روحاني على الانفتاح على الغرب.

وقال مسؤول كبير بالحكومة الإيرانية قبل أن يعلن ترامب قراره "إذا انسحب ترامب من الاتفاق وفرض عقوبات يمكن أن تصيب مبيعات النفط الإيرانية بالشلل فلن يكون أمام إيران من خيار سوى إبداء رد فعل خشن".

وألمح مسؤول بالمخابرات الإيرانية إلى أن إيران قد تتبنى سياسة إقليمية أشد جرأة إذا ما تعرضت للضغوط.

ولإيران أسباب استراتيجية وراء ما تقوم به من أنشطة يعتبرها الغرب مزعزعة للاستقرار.

فنظرا للآثار المدمرة لاستخدام العراق الصواريخ في قصف المدن الإيرانية خلال حرب 1980-1988 بين البلدين يهدف برنامج الصواريخ الإيراني لتحقيق قدر من الردع وضمان ألا تصبح البلاد دون غطاء دفاعي مرة أخرى.

كذلك فإن أنشطة إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن تعكس بالمثل رغبة في إظهار قوتها وتمثل بدرجة ما جانبا من صراعها مع السعودية على النفوذ الإقليمي.

وسيكون من الصعب على أفضل التقديرات دفع إيران لتقييد أنشطتها بدرجة ملموسة بصرف النظر عن التخلي عنها.

وقال دبلوماسي أوروبي "ليس ذلك ببعيد المنال (تماما) لكن يبدو أنه أمر غير قابل للتحقيق لأنه لا الولايات المتحدة ولا إيران مستعدة لذلك في هذه المرحلة".

* ما الذي قد يدفع إيران للتحرك؟

قال دبلوماسي أوروبي آخر إن السر يكمن في قول الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون "السبب هو الاقتصاد يا غبي".

وقال هذا الدبلوماسي إن الإيرانيين يتزايد انقسامهم بين من يعتقدون أن سبيل الحفاظ على الجمهورية الإسلامية هو تحسين الاقتصاد ومن يشعرون بأنه التشدد في الداخل والجرأة في الخارج.

وأضاف "الرسالة من جانبنا نحن الأوروبيين هي أننا لا نخوض (لعبة) تغيير النظام ... فما نعتقده هو أن اتفاقا شاملا يسهم باطراد في تغيير شكل إيران" وربما يقنعها في نهاية المطاف بالتخلي عن الهيمنة الإقليمية.

وتابع "نعم هذا يتصف بالطموح لكنه (يعكس) أن الناس الذين تعاملنا معهم يوما بعد يوم منذ يوليو (تموز) 2015 في البنية التحتية والتعاون الثقافي والأعمال والتعليم والنقل هم الناس الذين يرون التقدم ... من خلال التحديث الاقتصادي لا من خلال الهيمنة الإقليمية".

وقال "الفترة التي نحو على وشك دخولها قد تقود إلى ضغط حقيقي على النظام الإيراني. ولذلك فنحن نقول لهم بالفعل إن اتفاقا شاملا بهذه الأعمدة الأربعة (التي طرحها ماكرون) شيء يمكن أن يفيدكم".

* ارتياب إيراني

يحتاج إبرام صفقة كبرى ضوءا أخضر من الطرفين الآخرين المشاركين في الاتفاق النووي وهما روسيا وإيران.

وقال دبلوماسيان أوروبيان إن هاتين الدولتين سيثور غضبهما في البداية لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق لكن سيتعين عليهما تقبل الواقع وستحتاجان مثل الأوروبيين للبت فيما إذا كانتا مستعدتين لتعريض شركاتهما لخطر العقوبات الأمريكية.

وقال مسؤول فرنسي رفيع "في حوارهما مع إيران هل سيطلبان منها محاربة الولايات المتحدة حتى النهاية أم يقولان لها لا يعجبنا ذلك لكن دعينا نرى ما يمكننا أن نفعله مع الأوروبيين لنرى ما يمكن عمله لإنقاذ الأثاث؟"

وقال إنه يعتقد أن الصين ستتخذ موقفا بناء أكثر من روسيا في البداية لأنه ليس لها مصلحة في مواجهة عسكرية إقليمية.

وأضاف "فيما يخص روسيا سيتطلب الأمر مزيدا من العمل للحصول على موافقتها لأنها متورطة في المنطقة في سوريا ولها موقف أكثر تشددا تجاه الغرب".

وسئل المسؤول الفرنسي عما إذا كان ترامب سيقبل مثل هذا الاتفاق فقال "هو يقول إنه يريد صفقة، صفقة أفضل. لذا فلنحاول أن نمنحه ذلك. فهل سيثق بنا الإيرانيون؟ لا على الأرجح".

(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير نادية الجويلي)