زاوية عربي

مع تعداد سكان تجاوز المائة مليون – وبالتحديد 100.8 حتى ساعة كتابة هذه المقالة – ولكونها دولة نامية، تعتبر كلمات مثل التشغيل وفرص العمل والقوى العاملة ذات أهمية خاصة في مصر. ولا يخفى على أحد ما لأرقام البطالة من مدلول شديد الأهمية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية. 

منذ بضعة أيام، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري ارتفاع معدل البطالة للربع الثاني من العام الحافل الحالي 2020. وعلى الرغم من أن ما جاء في الإعلان لم يكن مفاجئاً إطلاقاً مع آثار جائحة كورونا على جميع الأنشطة الاقتصادية تقريباً باستثناءات قليلة، إلا أننا نحب أن نلقي نظرة على تطورات معدل البطالة في ظل تلك الأجواء غير المألوفة. 

رحلة الانخفاض التي لم تكتمل: 

مر معدل البطالة المصري بمراحل مختلفة، فخلال الفترة من العام المالي 07/2006 إلى 10/2009، كان متوسط معدل البطالة حوالي 9%. وبعد ثورة يناير 2011، ومع تتابع الأحداث السياسية التي أثرت بشكل عام على النشاط الاقتصادي، وصل معدل البطالة إلى معدلات مرتفعة تجاوزت 13% في العام المالي 14/2013.  

ثم بدأ معدل البطالة بالانخفاض التدريجي الذي أصبح أكثر تسارعاً منذ تطبيق برنامج الإصلاح المالي الذي طبقته مصر منذ عام 2016. فوصل معدل البطالة تحت الـ 8%، مسجلا حوالي 7.7% في الربع الأول من عام 2020 (يناير – مارس 2020). 

إلا أن مسار الانخفاض قطعه فيروس كوفيد-19، حيث ارتفع معدل البطالة مجدداً إلى 9.6% في الربع الثاني من العام الجاري (أبريل – يونيو)، مما عكس بوضوح تراجع النشاط الاقتصادي مع تطبيق الإجراءات المصرية ومخاوف المستهلك المصري. 

>

أعوام مالية

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

ارتفاع البطالة: أي القطاعات كان الخاسر الأكبر...؟ 

وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء، خسرت قطاعات مثل البناء والتشييد، النقل والتخزين، الصناعة، تجارة الجملة والتجزئة، المطاعم وخدمات الإقامة عمالة بأعداد مرتفعة بمتوسط ما يقرب من نصف مليون عامل للقطاع. 

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 

كورونا والبطالة: ما وراء الأرقام.. 

الأمر هنا ليس إحصائيات البطالة في ذاتها. فجميع الدول تواجه أزمة اقتصادية باختلاف نقاط القوة ونقاط الضعف. ولكن البطالة في مصر من الأرقام التي لا يمكن قراءتها اقتصادياً فقط، بل يجب قراءتها اجتماعياً كذلك. 

أحد أوجه صعوبة الأزمة في مصر هي اتساع رقعة الاقتصاد غير الرسمي، أي ذلك الذي يباشر نشاطه بدون أن يخضع للضوابط الحكومية (من حيث الخضوع للضرائب مثلاً أو قوانين العمل).

وعلى الرغم من محاولات الحكومة العديدة لضم هذا القطاع إلى الاقتصاد الرسمي الذي تباشره بالرقابة، إلا أن معظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالذات لا زالت غير رسمية.

وبطبيعة الحال، ومع غياب مفهوم التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية لدى المشروعات غير الرسمية، أو الإجازات مدفوعة الأجر، مما يعني أن توقف العمل أو الانقطاع عن العمل لبعض العمالة، غالباً يعني خسارة الوظيفة أو العمل نفسه. 

النساء يتحملن أكثر.. 

الوجه الآخر للموضوع اجتماعي.

فمع قراءة أرقام الجهاز المركزي للإحصاء، نجد أن قوة العمل - وهي عدد المشتغلين، بالإضافة لغير المشتغلين الذين يبحثون عن عمل، أي ببساطة الأشخاص المنخرطين في سوق العمل سواءً وجدوا عمل أو لازالوا يبحثون - قد انخفضت بشكل كبير، من أكثر من 29 مليون شخص في الربع الأول من 2020، إلى 26.7 مليون شخص تقريباً في الربع الثاني.

وهذا الانخفاض، بقدر 2 مليون شخص، كان أكثره من النساء، بقدر حوالي 1.4 مليون سيدة انسحبت من قوة العمل، أي إما فقدت وظيفة أو تخلت عن البحث عن عمل مناسب.

وهو بالطبع أمر مفهوم مع إغلاق دور حضانات الأطفال وزيادة عبء التدريس المنزلي وغيره من الواجبات، أو بشكل أعم ما تطلق عليه المنظمات الدولية كمنظمة العمل الدولية وغيرها unpaid care work أو unpaid domestic activities. وهى أمور كلها تؤدي لاتساع فجوة الفرص بين الجنسين أو ما يسمى بالـ Gender gap. 

 وعلى الرغم من ذلك، لا ننسى أن التقرير الأخير يتعلق بفترة أبريل – مايو – يونيو 2020، أي في ذروة فترات الحظر والإغلاق لمعظم الأنشطة. ولذا، من المنتظر أن تكون بيانات الربع الثالث 2020 أقل ظلاماً، إلا أنه من المؤكد أن سوق العمل سيحتاج الكثير من الوقت والصبر ليتعافى ويتجاوز آثار إصابته بالفيروس الذي أثبت أن آثاره الاقتصادية والاجتماعية قد تتجاوز آثاره البيولوجية قوةً وزمناً. 

 

(وعملت إسراء سابقا كاقتصادي أول بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية - مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحث اقتصادي في عدة وزارات مصرية)

(للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

تغطي زاوية عربي أخبار وتحليلات اقتصادية عن الشرق الأوسط والخليج العربي وتستخدم لغة عربية بسيطة.

© ZAWYA 2020

إخلاء المسؤوليّة حول المحتوى الأصلي
تم كتابة محتوى هذه المقالات وتحريره من قِبل ’ ريفينيتيف ميدل ايست منطقة حرة – ذ.م.م. ‘ (المُشار إليها بـ ’نحن‘ أو ’لنا‘ (ضمير المتكلم) أو ’ ريفينيتيف ‘)، وذلك انسجاماً مع
مبادئ الثقة التي تعتمدها ريفينيتيف ويتم توفير المقالات لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقترح المحتوى أي استشارات بخصوص جوانب قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء بشأن ملاءمة أو قيمة أو ربحية أي استراتيجية معيّنة تتعلق بالاستراتيجية الأمنية أو المحافِظ أو الاستثمار.
وبموجب الحد الذي يسمح به القانون المعمول به، لن تتحمّل ’ ريفينيتيف ‘، وشركتها الأم والشركات الفرعية والشركات التابعة والمساهمون المعنيون والمدراء والمسؤولون والموظفون والوكلاء والمٌعلنون ومزوّدو المحتوى والمرخّصون (المشُار إليهم مُجتمعين بـ ’أطراف ريفينيتيف ‘) أي مسؤولية (سواءً مجتمعين أو منفردين) تجاهك عن أية أضــرار مباشــرة أو غيــر مباشــرة أو تبعيــّة أو خاصــة أو عرضيّة أو تأديبية أو تحذيريّة؛ وذلك بما يشمل على سـبيل المثـال لا الحصـر: خسـائر الأرباح أو خسارة الوفورات أو الإيرادات، سـواء كان ذلك بسبب الإهمال أو الضـرر أو العقـد أو نظريـات المسـؤولية الأخرى، حتـى لـو تـم إخطـار أطـراف ’ ريفينيتيف ‘ بإمكانيـة حـدوث أيٍ مـن هـذه الأضرار والخسـائر أو كانـوا قـد توقعـوا فعلياً حدوثهـا