11 07 2016

ربما يتساءل البعض هل ان العراق فعلا قد وقع عليه شيء من الحيف والظلم في اخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية، خصوصا ان هيئة النزاهة الموقرة كانت قد نشرت بيانا في وقت سابق  بينت فيه بان مؤشرات الفساد لسنة 2014 الصادرة عن المنظمة وفي (مجال القطاع العام للدولة) عدم حصول دولة واحدة على الدرجة الكاملة في مقياس المنظمة الذي تدرج مابين الصفر (أعلى درجات الفساد) و 100 (نظيفة جدا) تخلو تماماً من الفساد، وفي هذا المقياس أيضا يتضح ان ثلثي الدول التي خضعت له وعددها 175 حصلت على نقاط اقل من 50 حيث جاء العراق بالتسلسل 170 وبدرجة 16 أي بمراتب الدول ذات درجات الفساد العالية.

وهنا لابد من الإشارة الى ان تقارير المنظمة وفي جميع السنوات السابقة لم تعلن بتاتاً عن العينات التي تخضعها لاستخلاص النتائج وما يعد مناقضاً لمبدأ الشفافية الذي يتوجب على المنظمة الحرص عليه.

ان لجوء المنظمة في تقييمها على معايير خاصة بها مثل اراء خبراء ومحللين من دول العالم المختلفة من دون ان تستقي معلوماتها من ارض الواقع العراقي تعتقد الهيئة انه متأت من عدم وجود مكتب لها في العراق، ما يجعل هذه التقارير تفتقر الى الدقة والموضوعية.

الامر الذي جعلها غير مطلعة او مدركة لنشاطات اجهزة العراق الرقابية المتمثلة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ومكتب غسيل الأموال وما حققته هذه الأجهزة من نتاج تجد اثرها في الواقع، وغابت عن مؤشرات المنظمة المعالجات والتحوطات التي جهدت هذه الأجهزة من اجل وضعها في سبيل محاربة الفساد والاستجابة لمتطلبات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. 

وترى الهيئة ان المنظمة فيما لو كانت حريصة على نقل الصور الواقعية لما موجود فعلاً في هذا البلد لعمدت الى انتقاء المعلومة من منهلها الأساسي دون اللجوء الى ماهو بعيد عن الواقع.

ان ما يدعم رؤية الهيئة في عدم دقة تقارير المنظمة هو التفوق الذي أحرزه العراق في موضوع تنفيذ بنود الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والمواءمة بين متطلبات الاتفاقية والقوانين العراقية، فيما تأتي الإشادة الدولية التي حظي بها العراق من خلال اجتماعات المنظمة الدولية وتقييم الخبراء الدوليين داعما آخر لرؤية الهيئة ودافعا للمنظمة بأن تعمد الى تغيير مقاييسها المعتمدة.

لقد أولى العراق اهتماماً متميزاً بمنظمات المجتمع المدني ومنحها العناية المطلوبة في التعامل والمشاركة الحقيقية في ميدان مكافحة الفساد وهو في هذه الخطوات يعد متقدماً عن غيره من بلدان المنطقة إلا انه يأمل من هذه المنظمات المحلية العمل على التنسيق الفاعل والتواصل مع نظائرها (المنظمات الدولية) بغية إعطاء صورة واضحة وجلية لواقع العراق ونشاطاته من خلال أجهزته الرقابية، وتسليط الضوء على تحوطاته ومعالجته في ميدان مكافحة الفساد، الأمر الذي يساعد منظمة الشفافية الدولية على إعطاء مؤشر دقيق عن مدى تقدم العراق في هذا الميدان.

ونحن هنا لابد من ان ننوه الى مسألة غاية في الأهمية وهي اننا لسنا بصدد تقييم اداء هيئة النزاهة بقدر مايهمنا الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء استشراء آفة الفساد التي فتكت ومازالت تفتك بجسد الدولة العراقية ، ومن وجهة نظرنا نعتقد كل الاعتقاد بان ابتعاد العراق عن تطبيق مفردات الحكم الرشيد او مايعرف في الادبيات الدولية Good governance  وخصوصا مؤشر سيادة القانون ، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، وشفافية الموازنة العامة للدولة ومايتعلق بالإدارة المالية للإيرادات المتأتية من تصدير النفط الخام وكيفية توزيعها بين النفقات التشغيلية التي أرهقت كاهل الدولة والنفقات الاستثمارية التي مازالت تفتقد الرؤية الستراتيجية في توزيعها وإدارتها وخصوصا في مايتعلق بالعقود والمشاريع ، ولعل مجرد الاطلاع على بعض البيانات المنشورة وبشكل رسمي وخصوصا بيانات وزارة التخطيط العراقية وبيانات البنك الدولي يتضح وبشكل جلي مدى تراجع العراق في ميادين عدة أهمها قطاعات الصحة و التربية والتعليم العالي والإسكان والإعمار فضلا عن تراجع العراق في تحقيق أهداف الألفية الثالثة وخصوصا في ما يتعلق بموضوع مكافحة الفقر والحرمان.

وبعد هذا الاستعراض السريع لواقع حال الاقتصاد العراقي بودي ان اطرح سؤلا على القائمين على إدارة هيئة النزاهة ، هل مازلتم تصرون بان تقارير منظمة الشفافية الدولية مجحفة بحق العراق ؟ اوليس من باب أولى البحث عن الأسباب الداعية من جعل العراق في مراتب متدنية ومن بين الدول الأكثر فسادا في العالم ؟
 
للأسف العراق صنف في اخر تقرير صدر عن منظمة الشفافية الدولية في 27 كانون الثاني 2015 ضمن عشر دول الأكثر فسادا في العالم، اذ صنف البلد كثالث اسوأ دولة عربية بعد ليبيا والصومال في مؤشرات مكافحة الفساد !! واستند التقرير في هذا التقييم الى مؤشرات انتشار الرشوة في المؤسسات الحكومية ، ومدى تطبيق القوانين الرادعة والتي تحد من انتشار الفساد وغيرها من المؤشرات وهذا ماينطبق مع المؤشرات والبيانات المنشورة من قبل بعض المؤسسات المشار اليها سابقا ، وبعد كل هذا اعتقد بان العراق ليس مظلوما في تقرير مؤشرات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية مع العرض ومن باب الانصاف بان العراق حقق تحسنا ملحوظا في بعض النواحي منها مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية النفطية وهذا شيء جيد ونتمنى على الحكومة العراقية ان تحذو حذو هذه المبادرة ، وقبل ان اختم مقالي هذا، نسمع في هذه الأيام ان هيئة النزاهة تتبنى مبادرة تحت عنوان الستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2020-2016 ونتمنى من الهيئة الموقرة ان تنشر تفاصيل هذه المبادرة من باب الشفافية ! على الشعب العراقي ليتم تقييمها من قبل المختصين والمهتمين بهذا الشأن. 

© Al Sabaah 2016