28 September 2016

عندما تودّ أي مؤسسة وصف حالة كيانها، ومدى ارتباطها بقطاع عملها وعملائها، ووصف قدرتها على التعامل مع المستجدات حال حدوثها، فإنها في الغالب تحاول إقناع الأطراف ذات الصلة من الشركاء أو المستثمرين أو المساهمين، بأنها على أتم استعداد في جميع الظروف والأوقات، وذلك من خلال وضع الخطط البديلة، والحلول الاستباقية، والطرق المبتكرة، والعلاجات الذكية، والاستجابة للمتطلبات الطارئة، وما إلى ذلك من عبارات ومصطلحات تصف الحالة.

ولا نقصد هنا أن الخطط البديلة التي توضع على سبيل التحوط أو لإدارة الأزمات أو مواجهة الكوارث، والتي يتم إخراجها من أدراج الرؤساء التنفيذيين عندما تتعرض مؤسساتهم للانتكاسات التجارية أو خشية وقوعها في براثن الإفلاس فحسب، ولكن الحنكة الإدارية تحتم عليهم وضع الخطط المثلى لاستغلال الظروف الإيجابية التي يمكن أن يشهدها السوق بطريقة لم تكن متوقعة تمامًا، تمامًا مثل حرصهم على علاج الإخفاقات أو تفادي المصائب.

الأمثلة على ذلك كثيرة ولا حصر لها، ومنها صدور قوانين أو تشريعات تتيح للمؤسسات الدخول إلى قطاعات كانت محظورة عليها، أو انفتاح اقتصاد ما في إطار علاقات استراتيجية مع دول أخرى، أو استحواذ دولة على حقوق تجارية تخولها استضافة أحداث وفعاليات عالمية ضخمة.

يستحضرنا هنا نبأ فوز إمارة دبي باستضافة معرض إكسبو الدولي 2020 قبل نهاية شهر نوفمبر 2013. ونذكر أيضًا أن عددًا من المؤسسات من مختلف القطاعات اتخذت تدابير لحظية لتعديل خططها التنموية والتوسعية، علماً بأن عددًا لا بأس به من المؤسسات كانت تترقب هذا الخبر، بل كانت تضع الخطط الذكية التي ستدخلها إلى حيز التنفيذ حال إعلان الفوز؛ وهذا ما حصل بالفعل.

إذن الخطة البديلة تعني قيام الإدارة التنفيذية بصياغة أكثر من سيناريو لمواجهة طيف واسع من الظروف الإيجابية أو السلبية، وليس بالضرورة لحل المشكلات التي قد تتعرض لها المؤسسة. وعندما يظهر السيناريو المتوقع، يكون التعامل مع الظرف سهلاً جدًا، خاصة وأن المؤسسة تكون قد جهزت أدواتها للتعامل مع الموضوع، ما يعني نجاحها في الوصول إلى الهدف المرغوب، بأدنى قدرٍ من التكاليف والجهد المبذول من جانب الموارد البشرية.

لكن كيف يمكننا إسقاط هذه المعادلة بشقيها الإيجابي والسلبي على القطاع العقاري؟ وهل كانت الخطط البديلة التي اتبعتها المؤسسات العقارية في دبي ناجعة خلال سنوات الهدوء؟ وهل تحلّت بالفطنة العقارية خلال الفترات التي اتسمت بذروة النشاط؟

بطبيعة الحال، لا تختلف الإدارة العامة في شركات التطوير العقاري عن الإدارة في الكيانات التجارية الأخرى، وخاصة إدارة الاستثمارات طويلة الأجل والإدارة المالية. وعلى سبيل المثال، يفترض من هذه الشركات أن تكون قابلة للتأقلم من ظروف السوق ومتطلباته أو احتياجاته، وأن تتسم بالقدر الكافي من المرونة للتعامل مع المتغيرات.

وتستطيع الشركات تحقيق النجاح المنشود إذا تناغمت مع الخطط والرؤى الوطنية والتطلعات المجتمعية، لكن ذلك يحتاج في الوقت ذاته إلى دراسات بحثية ميدانية لاستقصاء حاجات المستهلكين، سواء كانوا من المقيمين أو الزوار أو السياح.

وتقود تلك الدراسات إلى الكشف عن فجوات سوقية في مختلف الفئات العقارية، مثل المشاريع السكنية المناسبة لذوي الدخل المتوسط، أو إطلاق مشاريع تخدم مناطق تحظى بمستوى عالٍ من الطلب نظرًا لأهميتها التاريخية أو لموقعها الاستراتيجي في قلب المناطق التجارية، أو حتى تطوير المشاريع الفندقية التي تعالج النقص في فئات معينة حتى تتمكن المدينة أو الدولة من استقبال مختلف فئات الزوار الذين يتطلعون إلى زيارة البلد.

إن قيام أي شركة عقارية بموالفة خططها الاستراتيجية وفق متغيرات السوق، صعودًا أو هبوطًا، وبما يخدم الصالح العام، يكسبها بجدارة صفة "المواطنة الصالحة" التي تقوم بمسؤولياتها المجتمعية على النحو الأمثل. وفي الوقت الذي تساعدها هذه المشاريع على تحقيق النمو المتواصل وضمان الحصول على عوائد مناسبة بشكل دائم على استثماراتها، تكون قد أكدت على حقيقة انتمائها إلى نسيج المجتمع الذي تعمل فيه، مع استحواذها على ثقة عملائها وولائهم الصادق.

إذن نحن أمام معادلة يكون فيها الجميع فائزين، فمن جهة تتمكن الشركة من توطيد سمعتها وإثبات انتمائها، ومن جهة أخرى يحظى الاقتصاد الوطني بالدعم، وتتم تلبية حاجات العملاء من خلال حصولهم على منتجات عقارية بأسعار معقولة.

وعند إمعان النظر في هذه العناصر مجتمعة، سنجدها بمثابة المقومات الأساسية التي تأخذ بها كبرى برامج الجوائز العالمية لتقييم أداء الشركات قبل اتخاذ قرارات منح جوائزها في مختلف الفئات. وفضلاً عن استحقاقها لتلك الجوائز وتفوقها على منافسيها في الكثير من الفئات، أرى أيضًا أنها تحمل صفة غنية بالأبعاد الإنسانية والوطنية والاجتماعية والتجارية في آن واحد .. إنها "الفطنة العقارية" التي ينبغي على كل مطور السعي الجاد لاكتسابها طوال مسيرة عمله.

© Opinion 2016