إنعكس التدهور الاقتصادي في دبي على السوق المالي للإمارة الذي تأخر بشكل كبير عن الأسواق المنافسة له في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي ستحاول حكومة دبي تداركه من خلال مبادرة طروحات حكومية يتوقع لها أن تبدأ مع مطلع العام القادم.

وكان وزير المالية الإماراتي، الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، قد أعلن هذا الشهر في تغريدة على موقع تويتر أن الإمارات تعتزم إدراج هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" في بورصة دبي خلال الأشهر القادمة.

كذلك تم الإعلان عن صندوق صانع السوق (وهو يهدف إلى توفير سيولة عن طريق التدخل في عمليات البيع والشراء والتأثير على الأسعار) بقيمة 2 مليار درهم (545 مليون دولار) لتعزيز حركة التداول في سوق الأسهم في دبي.

وجاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان الشيخ مكتوم عن الاتجاه لطرح 10 شركات حكومية وشبه حكومية في البورصة. وتهدف مبادرة الطروحات إلى تحويل دبي إلى سوق أكثر تنافسية مع أسواق المنطقة الكبرى مثل السوق السعودي وسوق أبوظبي، بعد أن عانى سوق دبي من خروج متكرر لشركات مع غياب الطروحات الكبرى.

"عمق السوق"

يعتقد محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات في الظبي كابيتال المحدودة، وهي شركة إدارة أصول تابعة لشركة أبوظبي للاستثمار، ومقرها في أبوظبي، أن طرح شركات تابعة للحكومة هي خطوة هامة بعد أن شهد السوق "انحسار في عدد الشركات اما نتيجة لإفلاسها أو نتيجة سحب هذه الشركات أسهمها من السوق.. مثل داماك وإعمار مولز" اللتان أعلنتا العام الجاري نيتهما الخروج من سوق دبي.

كذلك انسحبت شركة موانئ دبي العالمية من بورصة دبي وتحولت إلى ملكية خاصة العام الماضي، بعد أن كانت من أكبر الشركات المدرجة في سوق الإمارة.

وقال ياسين، لموقع زاوية عربي في مكالمة هاتفية تعليقا على الطروحات الحكومية المنتظرة "ها الخطوة مطلوبة كانت من زمان. سوق دبي المالي فقد الكثير من موقعه القيادي خلال السنوات الأربع، الخمس الماضية".

وكان القطاع العقاري بدبي قد عانى بسبب انهيار أسعار النفط في 2014 و2015، وهو ما أدى إلى زيادة العرض مقارنة بالطلب في العقارات لسنوات مسببا نزيف خسائر للعديد من الشركات.

وتدهور أكثر وضع القطاع العقاري، أحد أهم أعمدة الاقتصاد في دبي، خلال العام الماضي نتيجة للجائحة التي أدت إلى مغادرة الكثير من الأجانب الذين يمثلون أكثر من 80% من سكان الإمارة، مما انعكس بالسلب على معدلات التوظيف وبالتالي على معدلات الطلب على العقارات.

وكان آخر طرح أولي شهدته دبي في أواخر عام 2017، حين قامت شركة إعمار للتطوير، التابعة لإعمار العقارية، بطرح 20% من أسهمها. وكان ذلك أول إدراج كبير في بورصة دبي منذ أواخر عام 2014 عندما تم إدراج سهم إعمار مولز التابعة أيضا لإعمار العقارية.

وفي أبريل الماضي، سحبت شركة ترايستار للنقل التابعة لأجيليتي الكويتية، خططها للطرح العام الأولي في سوق دبي نتيجة عدم تلقي ما يكفي من طلبات الاكتتاب على أسهمها.

يأتي ذلك في الوقت الذي حققت فيه طروحات عامة أولية في السعودية وأبوظبي نجاحات كبيرة في الآونة الأخيرة. ففي الرياض، شهد اكتتاب الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات "solutions by stc" نسبة تغطية فاقت المستهدف بـ130 ضعف. وفي الشهر ذاته في أبوظبي، تم تغطية اكتتاب أسهم طرح أدنوك للحفر أكثر من 30 مرة.

وعلق ياسين قائلا إن "عملية جذب المستثمرين للاستثمار بهذا السوق (بدبي) دون وجود شركات جديدة كان صعب عليهم، لذلك الخطوة الحكومية هي خطوة مهمة جدا لزيادة عمق السوق".  

القيمة السوقية 

وأوضح ياسين أن أهم أهداف الطروحات المعلنة هي "إيصال القيمة السوقية لسوق دبي إلى 3 تريليون درهم (حوالي 817 مليار دولار) خلال سنوات قليلة".

وقال "برأيي أنه لتستطيع أن تصل إلى هذه القيمة السوقية تحتاج إلى إدراج شركات كبيرة وبقيمة سوقية كبيرة"، مضيفا أن إدراج الشركات الحكومية وشبه الحكومية، حتى لو بنسب صغيرة، هي الخطوة الأنسب لتحقيق هذا الهدف.

وتمثل القيمة السوقية المستهدفة أكثر من 8 أضعاف القيمة السوقية للأوراق المالية المدرجة في بورصة دبي مع نهاية النصف الأول من العام الجاري والتي قدرت ب388 مليار درهم (105.6 مليار دولار)، وفقا لبيانات شركة سوق دبي المالي.

ولكن حتى مع تحقيق ذلك الهدف، ستظل بورصة دبي بعيدة عن السوق السعودي من حيث القيمة السوقية، حيث تبلغ قيمة بورصة تداول السعودية، أحد أكبر البورصات في العالم، حوالي 2.6 تريليون دولار في الوقت الحالي بعد طرح شركة أرامكو.

وكانت بورصة أبوظبي قد أعلنت في مطلع العام الحالي عن خططها لمضاعفة قيمتها السوقية خلال ثلاث أعوام من خلال إستراتيجية جديدة تهدف إلى دعم السيولة، وذلك بعد إرتفاع القيمة السوقية للأسهم المدرجة فيها بنسبة 39.7% على أساس سنوي خلال العام الماضي، لتبلغ 750 مليار درهم (حوالي 204.2 مليار دولار امريكي).

حجم الطروحات والجدول الزمني

ويرى ياسين أن ما تسعى إليه الحكومة الإماراتية من خلال اتمام الطروحات على مراحل، كما أعلن وزير المالية، هو تجنب سحب السيولة في شركة واحدة، "فبالتالي قد نجد أنه يصير على نسب صغيرة وتكبر مع الوقت"، مستشهدا بطرح شركة أرامكو السعودية الأولي والذي كانت نسبته 2% من أسهم الشركة.

وقال ياسين إنه يجب أن لا يتم البيع على أعلى سعر لجذب أكبر عدد من المستثمرين الجدد وضمان تغطية الاكتتاب أكثر من مرة. ونقلت بلوبرغ عن مصادر أن قيمة طرح ديوا في البورصة ستتعدى ال25 مليون دولار.

وعن الجدول الزمني المتوقع للطروحات، يعتقد المحلل أن أول اصدار "هو الذي سيحدد السرعة التي سيتم بها الاصدارات التي تليها من حيث نجاحه ومن حيث سرعة تنفيذه".

وأضاف أن من الممكن أن يتم طرح شركتين في شهر واحد أو خلال فترة أطول من ذلك، مشيرا أن ال10 طروحات المستهدفة قد تتم جميعها خلال العام القادم أو خلال مدة قد تصل الى 16 شهر.

ويتوقع ياسين أن تبدأ "موجة الIPOs ربما من شهر يناير 2022" بطرح ديوا.

(إعداد: شريف طارق، ويعمل شريف مع أهرام اونلاين وافريكا ربورت، وهو أيضا رئيس تحرير نشرة دلتا دايجست، وقد عمل سابقا في مؤسسات إعلامية أخرى من بينها لوس أنجلوس تايمز)   

(تحرير ياسمين صالح، للتواصل: yasmine.saleh@refinitiv.com)

سجل الآن ليصلك تقريرنا اليومي الذي يتضمن مجموعة من أهم الأخبار لتبدأ بها يومك كل صباح

#تحليلمطول

© ZAWYA 2021

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام