أعلنت شركة الطاقة الإماراتية أدنوك في سبتمبر 2023 عزمها الاستثمار في أحد أكبر مشاريع التقاط وتخزين الكربون المتكاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو "مشروع حبشان" بسعة 1.5 مليون طن سنوي داخل تكوينات جيولوجية تحت الأرض. وجاء هذا القرار بعدما أفصحت الشركة مرارا عن عزمها دخول هذا السوق البيئي. 

وتأتي تلك الخطوة مع اقتراب مؤتمر الأطراف في نسخته الـ 28 (كوب 28) والمقرر انعقاده في الإمارات بداية من 30 نوفمبر المقبل، فيما شابت كواليس اختيار دولة نفطية لاستضافة الحدث البيئي الأهم سنويا بعض الاعتراضات من النشطاء البيئيين، الذين استنكروا محاولة إيجاد حلول لأزمة التغيرات المناخية على أراضي الدول المنتجة للنفط أو الصناعية الكبرى التي تؤدي أنشطتها إلى مزيد من الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري. 

وينبأ هذا بإمكانية حدوث مظاهرات بالتزامن مع انعقاد الكوب على شاكلة تلك التي شهدتها قمة المناخ رقم 26 بجلاسكو البريطانية، حيث خرجت مسيرات تضم الآلاف من النشطاء البيئيين والأشخاص العاديين مطالبة بتحقيق العدالة المناخية.

ويبدو أن مشروع أدنوك -التي تنتج أغلب النفط في الإمارات- لالتقاط الكربون يأتي ضمن محاولات مختلفة لحكومة الإمارات لتحسين الجهود البيئية وتعويض الأضرار الناتجة عن نشاطها النفطي. وطبقا لأدنوك، سيتم تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم في خزانات عميقة في الطبقات الجوفية بالأرض عن طريق تطبيق تقنية التقاط الكربون وإعادة حقنه في آبار. وبشكل أبسط، يعني هذا أن كمية من الانبعاثات الخارجة للغلاف الجوي ستُخزن في جوف الأرض لتُقلل من فرص الاحتباس الحراري. كما سيكون هذا المشروع بداية لمشروعات أخرى في مجال تخزين الكربون.

ما هي تقنية احتجاز وتخزين الكربون؟

تنبع أهمية هذه التقنية من قدرتها على فصل الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون من الأنشطة الصناعية، ثم نقلها لاحتجازها وتخزينها تحت الأرض في مواقع تخزين طويلة الأمد مختارة ومعدة بعناية.

ورغم تعقيد هذه العملية، إلا أن لها العديد من المزايا. فيمكن من خلالها احتجاز وتخزين الكربون المنبعث من محطات توليد الطاقة، والمصانع، وصناعات حرق الوقود، وخدمات الأنشطة الغذائية من إنتاج المواشي والإنتاج الزراعي بهدف الحد من حجم انبعاثات الكربون، وبالتالي التخفيف من معدلات زيادة التغيرات المناخية.

وتتكون العملية من شقين رئيسيين. تبدأ باحتجاز ثاني أكسيد الكربون داخل المنشآت أو المصانع الملوثة للبيئة بانبعاثاتها، وإن كانت أكثر تلك المصادر فعالية من حيث التكلفة هي محطات الطاقة ومعالجة الغاز الطبيعي وإنتاج الهيدروجين (الغير أخضر)، تليها الصناعات التي تنتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون مثل مصانع الأسمنت والحديد والصلب والفولاذ. كما يمكن استخراج ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي نفسه، لكن بكفاءة أقل.

ويتعلق الشق الثاني من العملية بالتخزين، الذي يتضمن فصل الشوائب من الكربون أولا، إذ أن وجود تركيزات من غازات الكبريت أو الماء قد يؤثر بطريقة مضرة على مدى نجاح العملية والعمر الافتراضي للأنابيب والآبار المستخدمة للتخزين بسبب احتمالات تآكلها. وتعتمد كفاءة التخزين الصافية لمشاريع احتجاز الكربون على مدى نقاء المصدر من الشوائب وتركيز الغاز الدفيء به، لتتراوح بين 6 إلى 56%.

مخاطر وسلبيات

لكن تلك التقنية لا تعد حل سحري لظاهرة الاحتباس الحراري؛ إذ أن هناك العديد من التحديات التي تمنع تعميم استخدامها مباشرة في كل المنشآت الصناعية المختلفة. يتمثل واحد من أكبر هذه التحديات في الخطر المتعلق بمعدلات الأمان المرتبطة بالتخزين لكل هذه الغازات داخل باطن الأرض.

وهناك بالفعل العديد من الدراسات التي تحذر من خطر تسرب بعض ثاني أكسيد الكربون من الخزانات وإلى الغلاف الجوي مع طول المدة أو مع حدوث الزلازل.

كذلك يؤدي حَقن ثاني أكسيد الكربون في الخزانات الجيولوجية بجوف الأرض إلى تولد ضغوط عالية تؤثر على الطبقات الموجودة فوقها وتحتها، مما يؤدي إلى تغير التضاريس الطبيعية السطحية في المناطق التي يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون فيها بسبب انتفاخ سطح الأرض نتيجة تلك الضغوط.

كما أن تكلفة تقنية التقاط وتخزين الكربون لا تزال غير جذابة للمستثمرين، إذ أنها تستهلك الكثير من الوقت والمال. وذلك على الرغم من التطوير المستمر للتكنولوجيا. إذ قدرت الحكومة البريطانية الزيادة المحتملة لتكلفة الكهرباء المولدة من محطاتها للغاز الطبيعي بحلول عام 2025 بحوالي 7 جنيه إسترليني لكل ميجاوات/ساعة إن تم تطبيق الشق الأول فقط من عملية التقاط وتخزين الكربون، دون حساب التكلفة المضافة من التخزين.

مدافعين عن التقنية

لكن المدافعين عن تلك التقنية يستندون إلى وجود أنظمة للمراقبة تسمح بكشف أي تسرب وإرسال تحذيرات طبقا لقياس حجم مخزون ثاني أكسيد الكربون في الآبار. ترسل الأنظمة بشكل غير مباشر موجات صوتية أو كهرومغناطيسية إلى الخزان ثم تستقبل الإشارة مجددا لمتابعة حجم المخزون. كما يمكن استخدام العلامات الكيميائية العضوية خلال مرحلة الحَقن في المشروع، التي تتيح إمكانية اكتشاف التسرب أيضا.

لكن كل هذه الطرق غير دقيقة كليا، وهو ما يستدعي التدخل بأنظمة مراقبة أكثر تعقيدا. وإن كانت تلك الأنظمة مكلفة بسبب اعتمادها على تتبع حالة الخزان عن طريق الحفر داخله إلى عمق كافي لجمع عينات، وتعتمد التكلفة على نوعية التربة وسمك الطبقات الصخرية بالمنطقة المحفورة.

هل من بدائل للتخزين؟

بالفعل هناك بدائل أخرى لتخزين الكربون، لكنها لا تزال تحتاج لمزيد من الإجراءات التحفيزية لزيادة معدلات انتشارها تجاريا. لعل واحدة من أبرز تلك البدائل هو ما يسمى بإعادة تدوير الكربون. وتقوم الفكرة على التحويل الكيميائي أو الحيوي لثاني أكسيد الكربون المستخرج من الأنشطة المُلوثة للمناخ. فيمكن تحويله إلى وقود بأنواع مختلفة منها الميثانول أو أملاح مختلفة أو حمض الفورميك مما يجعله قابل لإعادة الاستخدام مرة أخرى.

وبالمقارنة مع تقنية تخزين الكربون، يعتبر تدوير الكربون عائد إيجابي على الاستثمار، وليس تكلفة غير قابلة للاسترداد كما في حالة تخزينه. بالإضافة إلى ذلك، تتميز تقنية إعادة التدوير بتعقيدات أقل في الإنشاء والتشغيل والصيانة، كما لا تنطوي على أضرار جانبية مع الوقت.

خصائص مشروع أدنوك

رغم عيوب مشروعات احتجاز وتخزين الكربون، إلا أن مشروع أدنوك يعتبر رائدا، ليس فقط لكونه بداية لمشاريع مماثلة وتجارب لاحقة بمنطقة الخليج، بل بسبب قدرته وحجم الاستثمار المخصص له أيضا. إذ أعلنت أدنوك تخصيص 15 مليار دولار للاستثمار في مشروعات خضراء منها إزالة الكربون. وتستهدف الشركة الوصول بقدرتها على التقاط واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون إلى 10 ملايين طن سنويا بحلول عام 2030.

ويعتبر الاستثمار في هذا النوع من المشروعات أولوية لأدنوك في الفترة القادمة بهدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2045. وهو الهدف المرتبط بما سمته الشركة "الاستراتيجية الشاملة لإدارة الكربون"، والتي تهدف إلى إنشاء منصة لربط جميع مصادر الانبعاثات الكربونية وكذلك مواقع التخزين بما يتوافق مع أهداف الإمارات في مجال إزالة الكربون.

ومن المتوقع أن تتبع عدة دول وشركات خاصة بمنطقة دول الخليج هذه الخطوة كطريقة ممكنة التطبيق لخفض حجم الانبعاثات وتحسين كفاءة محطات الطاقة، خاصة وأن التكلفة لن تكون عائق في هذه الحالة. كما أن تلك التقنية مجربة منذ عقود رغم عيوبها، وإن كان الخفض المستهدف منها لا يزال غير معبر عن حقيقة الوضع، بل يعتبره العديد من العلماء مجرد ترحيل للانبعاثات من الغلاف الجوي إلى باطن الأرض دون وقف مصادرها.

 

(إعداد: عمر الحسيني، مهندس استشاري للبنية التحتية والحلول البيئية ومحاضر الهندسة البيئية بفرع جامعة كوفنتري البريطانية في مصر والجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي