عندما يُسأل الشخص العادي عن البديل الأكثر أمانًا للاستثمار، فغالباً ما ستتجه الأنظار نحو البنوك. ومع ذلك، إذا ألقينا نظرة فاحصة على الهيكل المالي لأي بنك سنكتشف أنه ليس إلا مجرد مستثمر يعتمد على الرافعة المالية ليراهن على أصول متقلبة الأسعار باستخدام ودائع الأفراد والشركات كمصدر تمويل رئيسي مع القليل من التمويل الذاتي من خلال المساهمين.

قد يبدو هذا التعريف المبسط مزعج للبعض، لكن المُطَمئِن هو أن كل هذا يتم تحت إشراف رقابة يقظة من خلال بنك مركزي، أو هكذا نأمل! 

هل البنوك آمنة؟ 

للإجابة على هذا السؤال، لنتخيل أن بنك ما برأسمال 10 (يسمى حقوق الملكية) يستقبل ودائع 90 (تسمى الالتزامات) لاستثمار 100 (تسمى الأصول). 

من ناحية، يتوقع المودعون الذين يودعون في البنك هذا المبلغ (90) أن يحصلوا، ولنقل في غضون عام على الأقل، على هذا الرقم بالضبط عند طلبه من البنك، إن لم يكن أعلى حسب أسعار الفائدة على الودائع. 

ومع ذلك، قد تكون قيمة استثمار البنك أكثر أو أقل من 100 بناء على عوامل عديدة، مثل أسعار الفائدة في السوق (في حالة سندات الخزانة)، ومخاطر الائتمان (في حالة القروض)، ومخاطر الأسهم (الاستثمار في شركات)، من بين مخاطر أخرى، مثل مخاطر سعر الصرف، ومخاطر عدم التطابق في الفترات الزمنية للاستثمار، والمخاطر التشغيلية بصفة عامة.

باختصار، التزامات البنك معروفة جيداً مقدماً (تبلغ 90)، بينما تتقلب قيمة أصوله صعوداً وهبوطاً. ويصبح هذا مشكلة فقط إذا انخفضت قيمة الأصول أكثر من 10 (وبالتالي تتبخر قيمة حقوق المساهمين) ومن ثم الشك في قدرة البنك على سداد مبلغ 90 للمودعين. في هذه الحالة، لن يكون البنك آمن كما كان يبدو في البداية. وهنا تكمن أهمية اتباع نهج منضبط عند إدارة أي بنك. 

إعادة ضبط الساعات السويسرية 

وجهت سويسرا، المشهورة بالشوكولاتة والساعات ونظامها المصرفي القوي، ضربة مفاجئة للمستثمرين حول العالم بنهاية الأسبوع الماضي. كان على كريدي سويس جروب الذي كان يعاني من مشكلات مالية لبعض الوقت أن يستسلم لضغوط البنك الوطني السويسري، البنك المركزي لسويسرا، ليتم شراؤه من قبل "يو بي إس" جروب منافسه الأكبر في محاولة لوقف أزمة وشيكة.

بدا المركز المالي لكريدي سويس في نهاية ديسمبر 2022 جيد، لكن المظاهر قد تكون خادعة! 

 فقد بلغ إجمالي أصول البنك 531 مليار فرنك سويسري، وبلغت الالتزامات 486 مليار فرنك سويسري، مما يعني ضمنياً 45 مليار فرنك سويسري في صورة حقوق ملكية، أي أن نسبة حقوق الملكية إلى الأصول بلغت 8.5%. من المفارقات أن البنك الوطني السويسري أظهر نسبة أقل عند 7.5%. في الواقع، حقق البنك الوطني السويسري خسارة بلغت 132.5 مليار فرنك سويسري في عام 2022 وحده، خسارة فاقت خسارة كريدي سويس البالغة 7 مليار فرنك سويسري فقط! لكن في نهاية المطاف، هو بنك مركزي يمكنه أن يفعل ما يحلو له! 

قبل أسبوع تقريباً، قام البنك الوطني السويسري بمنح كريدي سويس سيولة بقيمة 50 مليار فرنك سويسري بموجب تسهيل قرض مُغطى كان من المقرر أن يستخدمه الأخير لإعادة شراء بعض ديونه المستحقة التي تصل إلى 3 مليار فرنك سويسري. 

ولكن بحلول صباح يوم الأحد، بدأنا نسمع أخبار عن اقتناص "يو بي إس" لـكريدي سويس مقابل مليار فرنك سويسري فقط، ليرتفع لاحقاً إلى 2 مليار فرنك سويسري قبل الاستقرار عند 3 مليار فرنك سويسري.  

بمقارنة هذا المبلغ بقيمة حقوق مساهمين البالغة 45 مليار فرنك سويسري بنهاية عام 2022، نستنتج أن "يو بي إس" رأى بشكل مبدئي أن أصول كريدي سويس تبلغ قيمتها العادلة 473 مليار فرنك سويسري، وليس 531 مليار فرنك سويسري، كما هو موضح في الرسم البياني أدناه. في الواقع، القيمة السوقية للأسهم التي كان المستثمرون يعتقدوا أنها تساوي ما يقارب 9 مليارات فرنك سويسري منذ أسبوع (أي 20% من حقوق المساهمين) تساوي الآن ثلث ذلك الرقم (مما يعني 7% فقط من حقوق المساهمين). 

من الواضح أن المراكز المالية قد لا تكون على ما تبدو. إن أحد مؤشرات الأداء الرئيسية لكفاءة البنك هو معدل كفاية رأس المال الذي يأخذ في الاعتبار أصول البنك المرجحة بالمخاطر مقارنة برأس ماله من الشريحة الأولى.  

من المفارقات أيضاً أن معدل كفاية رأس المال ل"يو بي إس" كان 14.2% بنهاية ديسمبر 2022، أي أعلى قليلاً من الـ 14.1% لكريدي سويس.  

لذلك، كان الأمر محير للغاية بالنسبة للمستثمرين بعد أن اكتشفوا أن قيمة الأصول المسجلة في المركز المالي لكريدي سويس مبالغ فيها إلى حد ما، كما اتضح من العرض المقدم من "يو بي إس" الذي، لكي نكون منصفين، كان عليه أن يتخذ قرار خلال عطلة نهاية الأسبوع، وهو ما يفسر القفزة في قيمة العرض 3 أضعاف. قد يكون ما حدث هو أكبر عملية إعادة ضبط للساعات السويسرية. 

ماذا عن المساهمين الرئيسيين في كريدي سويس؟ 

بالنظر إلى البيع الإجباري لبنك كريدي سويس، اضطر البنك الوطني السويسري بالتنسيق مع الحكومة السويسرية إلى تغيير القانون لتنفيذ الصفقة بدون موافقة مساهمي كريدي سويس، وأكبرهم البنك الوطني السعودي بحصة 9.9%.

السعودية 

وكشف البنك السعودي أنه خسر 80% من استثماره في كريدي سويس في أربعة أشهر فقط، بعد أن كان اشترى السهم بسعر 3.82 فرنك سويسري في نوفمبر قبل أن يحصل على أسهم "يو بي إس" تساوي قيمتها 0.76 فرنك سويسري لكل سهم بعد هذه الصفقة. 

قطر 

الشيء الجيد هو أن استثمار البنك الوطني السعودي في كريدي سويس لم يمثل سوى أقل من 0.5% من إجمالي أصوله وحوالي 1.7% من محفظته الاستثمارية. وفي الوقت نفسه، سيعاني جهاز قطر للاستثمار، ثاني أكبر مساهم في كريدي سويس بحصة 6.8%، من خسارة كبيرة نتيجة صفقة "يو بي إس". 

آخرون 

أيضاً، وبعد مشاركتهم في زيادة رأسمال كريدي سويس الأخيرة بقيمة 4 مليار دولار في ديسمبر 2022، من بين المستثمرين الآخرين الذين سيعانون مجموعة العليان السعودية الشهيرة والتي تعمل في عدة قطاعات تشمل المطاعم والطاقة بالإضافة إلى نورجس بنك انفستمنت مانجمنت وهو صندوق الثروة السيادي النرويجي. 

ماذا بعد؟ 

في النهاية، لا يستطيع أحد التخمين إذا كان المساهمون الرئيسيون في كريدي سويس سوف يتخذون إجراءات قانونية للطعن على البيع الإجباري لأسهمهم. لكن الشيء الوحيد المؤكد هو أنه عند الاستثمار في البنوك من الآن فصاعداً سيكون من الضروري وجود تحليل أكثر دقة قبل اتخاذ قرار استثماري طويل الأجل.

 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، رئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA") 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي