تعتبر الأزمة المالية التي تأثرت بها الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة من أبرز التحديات التي واجهها النظام المصرفي العالمي ومع وجود تأثيراتها العابرة للحدود، يثبت القطاع المصرفي الخليجي مرونته وقدرته على تحمل هذه التحديات. 

يعود الفضل الأساسي في ذلك إلى الاحتياطيات المالية القوية وسياسات البنوك المركزية الصارمة والدعم الحكومي الثابت. 

قوة القطاع المصرفي 

تشير بيانات بعض المصارف الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى وضع مستقر وجيد. 

خسائر محدودة وأصول كبيرة 

على الرغم من أن بعض المصارف الخليجية قد تعرضت لخسائر من الاستثمارات في المؤسسات والمصارف المتعثرة عالميا، الا أن التأثير المباشر لهذه الخسائر لا يزال تحت السيطرة، لأنها خسائر محدودة وطفيفة مقارنة بإجمالي الأصول ولا تشكل تهديدا مباشرا لرأس المال أو السيولة الوقائية.

وفي هذا الإطار، أفاد تقرير للايكونومست انتالجنس يونت (EIU) أن إجمالي استثمارات البنوك التجارية لدول التعاون الخليجي في المؤسسات التي تعاني من صعوبات مالية في أوروبا وأمريكا هي أقل من 5% من قيمة اجمالي الأصول في نهاية عام 2022. 

فإذا ما اخذنا البنك الأهلي السعودي، على سبيل المثال، والذي فقد حوالي 1.2 مليار دولار من استثماره في البنك السويسري "كريدي سويس" أو ما يعادل 80% من إجمالي استثماره البالغ 1.5 مليار دولار فإن هذه الخسارة لم تؤثر بشكل كبير على أداء المصرف الذي يملك أصول تفوق 250 مليار دولار للسنة المالية 2022.

أداء قوي مدعوم بنمو اقتصادي 

أظهر القطاع المصرفي الخليجي أداء قوي في العام 2022 وبدايات العام 2023  في دول مجلس التعاون الخليجي كافة، حيث شهد القطاع مسار إيجابي في مؤشرات الأداء الرئيسية مثل إجمالي الأصول وودائع العملاء وصافي القروض وصافي دخل الفوائد. ومن المتوقع أن يستمر هذا الأداء في ظل أسعار الصرف المستقرة، والتضخم المنخفض بشكل نسبي.

في تقريره الصادر في 17 مايو من هذا العام، توقع البنك الدولي أن تنمو اقتصاديات دول مجلس التعاون بـ 2.5% هذا العام، وحوالي 3.2% في العام المقبل. 

هذا النمو على الرغم من الأزمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها العالم والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق سوف يعزز من أداء المصارف الخليجية ويشكل شبكة حماية كبيرة بدأت تتشكل في العام 2022 ومن المتوقع أن تستمر إلى أواخر هذا العام. 

فعلى سبيل المثال، ووفقا لبيانات ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس، في الربع الثالث من عام 2022، سجل أكبر 20 بنك في دول مجلس التعاون الخليجي صافي دخل من الفوائد بلغ 14.66 مليار دولار، بارتفاع عن 13.61 مليار دولار في الربع السابق و12.25 مليار دولار في الربع الأول من عام 2022. 

ويساهم في استدامة هذا النمو الاقتصادي سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنوع الاقتصادي.  فعلى الرغم من أن النفط لا يزال يعد مصدر رئيسي للإيرادات، إلا أن هناك جهود للتنويع الاقتصادي وتقليص الاعتماد على النفط وتعزيز القطاعات الأخرى مثل السياحة، والتجارة، والصناعة، والتكنولوجيا.

وهذه المساعي نحو التنوع الاقتصادي تساهم في تقليل تأثير الأزمات وتقلبات الأسواق ومنها أسواق النفط على الاقتصادات المحلية.

احتياطيات مالية كبيرة ودعم حكومي 

تعتبر البنوك الخليجية من بين البنوك ذات الاحتياطيات المالية الكبيرة. تمكن هذه الاحتياطيات من تعزيز قدرتها على تجاوز الأزمات الاقتصادية وتوفير السيولة اللازمة للمستثمرين والعملاء. وبفضل هذه القدرة على التحمل المالي، يمكن للبنوك الخليجية أن تحافظ على استدامة أعمالها وتدعم النمو الاقتصادي في الأوقات العصيبة.

تمتلك البنوك الخليجية قدر كبير من السيولة للتخفيف من تأثير الأحداث السلبية والحفاظ على عملياتها في الأوقات الصعبة. وتتكون من أصول سائلة يمكن تحويلها بسهولة إلى نقد للوفاء بالالتزامات المالية، مثل عمليات سحب العملاء ومتطلبات التمويل. إن توفر هذه السيولة قوية تمكن البنوك من الحفاظ على الثقة، ودعم الأنشطة الاقتصادية، وتجاوز الأزمات.

وتتراوح الأصول القابلة للتسييل بين 22% إلى 38% من مجموع الأصول وتتجاوز تغطية السيولة وفقا لاتفاقية بازل 3 ونسب التمويل المستقرة الصافية، بحسب تقرير لوكالة موديز في مارس 2023.

خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، أدت الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي دور محوري في دعم قطاعاتها المصرفية وضمان الاستقرار المالي.

نفذت إجراءات مختلفة، بما في ذلك ضخ رأس المال والضمانات ودعم السيولة، لحماية البنوك واستعادة ثقة السوق.

باختصار، أظهر القطاع المصرفي الخليجي باستمرار قدرته على الصمود في مواجهة التحديات المالية العالمية.

في حين أن المنطقة قد تتأثر بشكل غير مباشر بالصعوبات المالية العالمية، إلا أن القطاعات المصرفية لا تزال تتمتع برأس مال جيد وهي مجهزة للتخفيف من الآثار المحتملة.

توضح العوامل المذكورة أعلاه قدرة البنوك الخليجية على تجاوز مرحلة التقلبات المالية والمصرفية في عام 2023 وتحقيق استدامة في أعمالها. 

من خلال الاستقرار المالي والرقابة الصارمة والتنوع الاقتصادي والابتكار التكنولوجي، تظل البنوك الخليجية في وضع جيد للتعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية المستقبلية. 

يتعين على البنوك أن تستمر في تعزيز إجراءات الرقابة والتعاون الإقليمي والعالمي لدعم الاستقرار المالي والتنمية المستدامة في منطقة الخليج.  

(إعداد: محمد طربيه، المحلل الاقتصادي بزاوية عربي و أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم المالية والاقتصادية في جامعة رفيق الحريري بلبنان)  
 
#مقالرأي