يبدو أن الإمارات انضمت رسمياً إلى نادي المنتجين للصناعات العسكرية، فقد جاءت في المركز ال 18 على قائمة الدول المصدرة للأسلحة، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

أما عالميا، فقد ارتفع إجمالي الإنفاق العسكري العالمي بنسبة 3.7% في عام 2022 ليصل إلى 2.2 تريليون دولار، وجاء أكثر من نصفه (56%) من الولايات المتحدة والصين وروسيا. 

اتجاهان جديدان 

كشفت الإحصائيات الواردة في التقرير والتي غطت 173 دولة مسجلة في قاعدة بيانات المعهد، وقامت بترتيب مراكزهم الخاصة بالوضع العسكري من 1 والذي يمثل المركز الأعلى إلى 173 وهو المركز الأخير، عن اتجاهين جديدين في عالم الصناعات العسكرية. يتمثل الاتجاه الأول في انخفاض صادرات الأسلحة الأمريكية إلى دول الشرق الأوسط، والتي انخفضت من 49% في الفترة 2013-2017، إلى 41% في الفترة 2018-2022.  

ويظهر الاتجاه الثاني في تراجع اعتماد الإمارات على الواردات العسكرية بنسبة تجاوزت 38% خلال الفترة من 2013-2017 إلى  2018-2022 وتغير ترتيبها على قائمة الدول الأكثر استيرادًا للسلاح من المركز الثالث في الفترة 2012-2016 إلى المركز التاسع في الفترة من 2017-2021 ثم إلى المركز الحادي عشر في 2022.  
 
تغير هذه الإحصائيات الجديدة من الفكرة التقليدية التي ترسخت لعقود حول اعتماد دول المنطقة العربية خاصة دول الخليج العربي المصدرة للنفط على استيراد المعدات العسكرية من الخارج، خاصة من الدول الغربية. 

كما كشفت تقارير معهد ستوكهولم  في 2023 أن 28 % من صادرات الإمارات العسكرية تذهب إلى مصر و27% إلى الأردن، و15% إلى الجزائر، ورغم أن مساهمة الصناعات العسكرية الإماراتية من إجمالي الإنتاج العالمي ما زالت أقل من 1%، إلا أنها تقف كمنافس قوي لبعض من دول مجموعة العشرين، التي بدأت صناعاتها العسكرية منذ عقود طويلة، ومنها بولندا وكوريا الجنوبية والبرازيل وبلجيكا. 

شركات عسكرية خليجية 

المتابع للشأن الخليجي والتطورات التي يشهدها قطاع الصناعات العسكرية والدفاعية خلال السنوات الأخيرة، خاصة في الإمارات والسعودية وقطر، يرى أنه في أقل من عقد، برزت ثلاث شركات إنتاج عسكري ضخمة، وهي مجموعة EDGE الإماراتية و SAMI السعودية و Barzan القطرية، وعلى الرغم من أن نسبة كبيرة من التقنيات التي تستخدمها الشركات العربية لا تزال مستوردة، إلا أنها تستثمرها بشكل مربح وذكي في تصنيع مختلف أنواع المعدات العسكرية من الأسلحة الخفيفة إلى العربات المصفحة والمركبات الثقيلة والأنظمة الدفاعية. 

تأسست مجموعة EDGE الإماراتية في 2019 في العاصمة أبوظبي ، وتضم المجموعة أكثر من عشرين شركة تحت أربعة قطاعات رئيسية، هي: الأنظمة، والأسلحة والصواريخ، والحرب الإلكترونية والتقنيات السيبرانية، والعمليات التجارية. ومن منتجات المجموعة الذخائر والأنظمة البحرية والبرية، والأسلحة الخفيفة.

وفي بيان نشره الموقع الإلكتروني للمجموعة، قال سعادة فيصل البناي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب في EDGE إن المجموعة تواصل سعيها نحو ترسيخ القدرات السيادية لدولة الإمارات وتطوير الشراكات العالمية لتعزيز نمو الصادرات.

وقد ظهرت مجموعة EDGE بقوة على خارطة الشركات العالمية المصنعة للمعدات العسكرية في ديسمبر 2020 عندما صنفها معهد ستوكهولم كأول شركة شرق أوسطية تنضم إلى قائمة الشركات العسكرية ال 25 الأضخم إنتاجاً. فجاءت في المرتبة 22 ويمثل إنتاجها 1.3% من إجمالي مبيعات الأسلحة عالمياً، والرقم مرشح للزيادة خلال الأعوام القادمة. ويقول بيتر وايزمان، كبير باحثي المعهد إن EDGE هي مثال جيد على أن الاحتياجات الوطنية والطلب المحلي على المنتجات والخدمات العسكرية والرغبة في أن تصبح أقل اعتمادًا على الموردين الأجانب، تحفز شركات الصناعات العسكرية الوطنية في منطقة الشرق الأوسط على النمو. 
 
أما الشركة السعودية للصناعات العسكرية والمعروفة بشركة SAMI والتي تأسست في مايو 2017، وهي مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وهو الصندوق السيادي للمملكة. ويركز عملها على تطوير ودعم الصناعات الدفاعية في السعودية، وتضع ضمن أهدافها الاستراتيجية الرئيسية المساهمة فيما تطلق عليه "توطين 50% من إنفاقها الدفاعي" والذي يقع ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، وهذا ما أكده تصريح المهندس أحمد بن عبد العزيز العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية لوكالة الأنباء السعودية في مايو من العام الجاري، "أن  قطاع الصناعات العسكرية في المملكة يشهد نمواً متسارعاً وحراكاً نوعياً، وإن الهيئة تعمل على تعزيز الاستقلالية الإستراتيجية للسعودية وتطوير قدراتها الصناعية العسكرية الوطنية، والسعي إلى توطينها لتكون رافداً مهماً للاقتصاد السعودي." 
 
وبجانب شركة SAMI وصل عدد الشركات المرخصة العاملة في تصنيع المعدات العسكرية في السعودية إلى 99 شركة تساهم في نمو الصناعات العسكرية الوطنية، حسب تقرير مؤشرات قطاع الصناعات العسكرية في المملكة  لعام 2021 ، الصادر عن الهيئة العامة للصناعات العسكرية. وتكشف الاحصائيات الواردة في تقرير الهيئة عن ارتفاع تدريجي في مساهمات الصناعات العسكرية الوطنية مــن 2% فــي عــام 2016 إلى 4%  فــي عـام 2017، ثم إلــى 8%  فــي عــام 2020. 
 
وبعد أقل من عام من انطلاق SAMI أسست الحكومة القطرية Barzan في 2018 وهي شركة متخصصة في تعزيز القدرات العسكرية، وتملكها وزارة الدفاع القطرية. يقول الموقع الإلكتروني للشركة إنها تعمل على تعزيز السيادة  القطرية، ودعم النمو الطويل الأجل للبحوث والتطوير ونقل المعرفة، وتنمية رأس المال البشري، وتطوير الصناعة والتكنولوجيا المبتكرة في قطاعي الدفاع والأمن في قطر. 
 
وهذا أيضاً ما أكده عبد الله بن حسن الخاطر نائب رئيس شركة Barzan القطرية في مقابلة له مع قناة الجزيرة، إذ قال إن قطر على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض الأنظمة الدفاعية والذخيرة والملابس العسكرية وقد حققت بالفعل هذا الاكتفاء في تصنيع الذخيرة الصغيرة والملابس العسكرية وبعض المعدات العسكرية الأخرى وتتطلع الآن إلى التصدير للخارج. 

نظام عالمي جديد؟

يتزامن تصاعد الاهتمام العربي والخليجي ببناء وتطوير صناعات دفاعية وطنية، مع تشكل ملامح جيوسياسية جديدة تؤثر على العالم والمنطقة. خاصةً تلك المرتبطة بسياسات الولايات المتحدة غير المستقرة. 

ويتفق الكثيرون من المحللين أن هناك نظام عالمي جديد في طور التكوين، كشفه انسحاب القوات الأمريكية من عدة نقاط ساخنة حول العالم، والمفاوضات غير الحاسمة مع إيران، مصحوبة بالتردد الأمريكي في دعم حلفائها التقليديين و إمدادهم بصادراتها العسكرية والدفاعية.  

هذه هي بعض العوامل التي تدفع دول الخليج إلى الاستمرار بشكل جدي في تطوير صناعاتها العسكرية والدفاعية الوطنية، في خطوات متسارعة لتخفيف الاعتماد على الغرب. وسيكشف المستقبل القريب إذا ما كان هذا التخفيف سيتحول إلى تفكيك كامل لهذا الارتباط، واستبداله بأنظمة متنوعة من الاكتفاء الذاتي، ومن تأمين لمصادر متنوعة للإمداد العسكري والدفاعي أم لا؟

 

(إعداد: يمنى كامل، باحثة ومستشارة في الشؤون الحكومية، مهتمة بمجالي الاتصال السياسي والدولي، ودراسات الرأي العام، وحاصلة على درجتي الدكتوراه والماجستير في الإعلام من جامعة Bournemouth وجامعة Cardiff في المملكة المتحدة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي