يأتي اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري يوم الخميس القادم الموافق 30 مارس 2023 في وسط تدهور حاد في معدلات و توقعات التضخم في مصر مما يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة و سريعة. 

فالمتابع للشأن الاقتصادي المصري يعلم أن معدل التضخم الأساسي السنوي سجل رقم قياسي (40.3%) في فبراير 2023. 

والمقلق في الأمر أن وتيرة ارتفاع الأسعار ظلت مرتفعة خلال شهر مارس مع رفع أسعار الوقود المحددة إداريا و استمرار انخفاض سعر الصرف في السوقين الرسمي والموازي ولجوء عدد من المنتجين إلى أساليب تسعير غير مباشرة للحفاظ على حجم المبيعات مثل تخفيض أحجام العبوات. 

وأدت هذه الأزمة المتصاعدة إلى عقد اجتماع للمجلس التنسيقي للسياسات النقدية و المالية - والذي اجتمع لمرات معدودة في السابق - يوم 19 مارس الماضي برئاسة رئيس الوزراء و الذي وجه فيه: "بدراسة وعرض السيناريوهات المقترحة، بما تتضمنه من إجراءات إضافية، حتى يتم اتخاذ قرارات سريعة تسهم في تحسين التعامل مع أرقام التضخم".

ورغم أن كل ما سبق يكفي لتوقع ارتفاع حاد في مستوى الكوريدور في اجتماع الخميس، إلا أن المؤشرات التالية تؤكد حتمية مواجهة التضخم بكل ما تملك الدولة من أدوات و إلا أصبح مستهدف مستوى التضخم المعلن من قبل المركزي في آخر 2024 (7%) في مهب الريح. 

"لا تبدو جيدة"

مؤشرات التضخم والثقة في استقرار سعر الصرف لا تبدو جيدة. 

فما زال معدل النمو السنوي في المعروض النقدي بالجنيه المصري - M2D - مرتفع عند حوالي 21% في آخر يناير 2023 وهو أعلى بكثير من معدل النمو الحقيقي طويل الأجل في الناتج المحلي الإجمالي والذي يقارب ال 4.5% سنويا. 

ويأتي هذا مع استمرار تصاعد الضغوط على سعر صرف الجنيه المصري في السوقين الرسمي والموازي بالرغم من ضعف الدولار الأمريكي عالميا مما يشير إلى تدهور الثقة في الجنيه المصري. 

فالبرغم من انخفاض مؤشر سعر صرف الدولار الأمريكي DXY مقابل سلة من العملات الرئيسية بنسبة 3% خلال الأسبوعين الماضيين، إلا أن سعر صرف الجنيه المصري تدهور مقابل الدولار - خاصة في السوق الموازي- بسبب تأخر تنفيذ برنامج الطروحات والذي آثار تساؤلات حول قدرة الدولة المصرية على الحفاظ على قيمة العملة في وجود شح في الدولار. 

ومع تأخر تنفيذ برنامج الطروحات، تدهور أيضا مؤشر تكلفة التأمين ضد مخاطر تخلف الحكومة المصرية عن سداد ديونها الخارجية و المعروف بال Credit Default Swap Spread حيث ارتفع إلى مستويات تاريخية تخطت ال14% خلال شهر مارس. 

والتدهور في هذا المؤشر ما هو إلا انعكاس لما يحدث في سوق السندات الدولية التي أصدرتها الحكومة المصرية والتي تتداول حاليا في السوق الثانوي قرب 70% أو أقل من قيمتها الأسمية مما رفع العائد حتى الاستحقاق على بعض منها إلى قرب مستويات ال20% سنويا. 

ما المتوقع في اجتماع الفائدة الخميس القادم؟ 

بالرغم من تثبيت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الأساسية خلال 2023 حتى حينه، إلا أن متوسط العائد على أذون الخزانة المصرية ارتفعت منذ نهاية 2022 بمقدار 3% إلى 4% مما يشير بوضوح إلى عدم قبول المتعاملون الرئيسيون إقراض الحكومة بمعدل الفائدة السائد في آخر 2022 مع تدهور معدلات التضخم. 

ومع بدء استحقاق حوالي 750 مليار جنيه مصري مستثمرة في شهادة ال18% التي تم إصدارها من قبل بنكي الأهلي ومصر في مارس 2022، يستدعي إصدار شهادات ادخار جديدة للحيلولة دون استخدام العملاء حصيلة الشهادات المستحقة في شراء الدولار أو الذهب للتحوط. 

وأخيرا، فإن أحد المستهدفات التي تم الإنفاق عليها مع صندوق النقد الدولي هو خفض معدل التضخم السنوي في الحضر إلى 16% بنهاية مارس - بعد أن سجل 31.9% في فبراير الماضي، مقارنة بـ 25.8% في يناير -  وإلى 15% بنهاية يونيو، وهو أمر يبدو مستحيلا في ظل الوضع الحالي إلا لو اتخذ المركزي ما يلزم من إجراءات و بصورة سريعة و حاسمة. 

وهذا الأمر يستدعي تدخل المركزي برفع أسعار الفائدة الأساسية بقوة (3% على الأقل) حتى تتمكن البنوك من طرح أوعية ادخارية جديدة دون المساس بربحيتها وصلابة هيكلها المالي.

 

(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي و محاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة) 

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com) 

#مقالرأي