يعتبر الغسيل الأخضر شكل من أشكال الإعلان الخادع أو التسويق المستخدم بشكل مضلل في إقناع الفئة المستهدفة بأن المشروع المعني له منتجات أو أهداف أو سياسات صديقة للبيئة. غالبا ما تتجه بعض الدول أو الشركات للغسيل الأخضر كي تحسن الصورة العامة لأنشطتها والانطباع الدولي عنها أو علاماتها التجارية.

يتطلب الغسيل الأخضر أحيانا تغيير اسم أو تصنيف المنتج عن طريق حملات تتكلف ملايين الدولارات لكنها تؤدي إلى أرباح أكبر لاحقة من المستهلكين وأصحاب المصلحة المخدوعين. وبسبب انتشار تلك الممارسات، يتوجه العالم إلى تشديد التشريعات والقوانين الجديدة بهدف تثبيط استخدام الغسيل الأخضر في الغش التجاري. 

صور الغسيل الأخضر 

يمكن حصر المزاعم البيئية المضللة للغسيل الأخضر في عدة أوجه، منها استناد الجهة المسؤولة عن محاولة الاحتيال إلى عرض مجموعة من الخصائص البيئية المميزة مع تعمد تجاهل أضرار بيئية مهمة تتسبب بها الأنشطة المتعلقة بمشروعها أو منتجها. 

كما يشمل الغسيل الأخضر تقديم معلومات لا يمكن توثيقها بطريقة يسهل الوصول إليها أو بشهادة معتمدة. كذلك يتضمن استخدام العلامات الزائفة للتصنيفات البيئية التي تعطي انطباع بأن هناك تأييد من جهة رسمية لكون أنشطة المشروع خضراء. 

ولا يقتصر الاحتيال أو التستر الأخضر على الكذب فقط، بل يشمل أيضا الغموض بشكل عام في وصف المشروعات بأنها صديقة للبيئة بصورة يمكن أن يساء فهم معناها الحقيقي من قبل المواطنين المستفيدين. 

اتهامات لمؤسسات دولية وشركات كبرى 

طالت اتهامات النشطاء البيئيين العديد من المؤسسات الدولية المعنية بالبيئة وشركات كبرى. فقد زعمت علامتا "كيمبرلي-كلارك" و"بامبرز" التجاريتان أن بعض الحفاضات التي تنتجانها صديقة للبيئة بدرجة ما لاستخدام القطن العضوي ومواد صديقة للبيئة بها، لكن كُشِف لاحقا أن الحفاضات بها كثير من المواد المستخدمة في الحفاضات العادية غير الصديقة للبيئة، وهو ما أثار العديد من الأسئلة حول مصداقيتهما. 

وهذا هو نفس ما تعرضت له شركة H&M بعد ادعاء أن منتجات لها صديقة بدرجات متفاوتة للبيئة في حين تم اكتشاف أنها لم تكن خضراء بالدرجة التي زعمتها الشركة. 

كما هو الحال أيضا مع شركة ماكدونالدز التي واجهت اتهامات شبيهة عام 2021 بكونها غير صديقة للبيئة رغم حملتها بتغيير لون شعاراتها الأوروبية من الأصفر والأحمر إلى الأصفر والأخضر، التي استخدمتها لتوضيح اهتمامها بالحفاظ على الموارد الطبيعية.

وفي عام 2018 ونتيجة الدعوات المتزايدة لحظر الأكياس البلاستيكية أعلنت ستاربكس أنها ستقوم بإعادة تصميم غطاء مشروباتها والماصة المستخدمة للشرب، لكن أتضح لاحقا أنه لا يزال هناك مواد بلاستيكية مستخدمة بصورة قد تكون أكبر في منتجاتها. 

وفي قطاع السيارات، أكدت هيئة معايير الإعلان المعنية بتنظيم الإعلانات في المملكة المتحدة شكاوى ضد شركات كبرى مصنعة للمركبات بما فيها شركة سوزوكي التي قدمت مزاعم غير صحيحة حول كون سيارتها من طراز ألتو صديقة للبيئة. أما شركات فولكس فاجن وأستون مارتن وبوش فقد تم كشف بعض المعلومات غير الدقيقة والخاطئة أحيانا بصدد ما رددته حول مقدار الانبعاثات التي تنتجها سياراتها.  

اتهامات لصناديق التمويل المناخي 

سياسات التمويل المناخي طالتها هي الأخرى العديد من الانتقادات، بدواع مختلفة مثل إهدار الأموال في مشروعات قد لا تفيد الدول النامية الأكثر عُرضة لآثار التغيرات المناخية - بسبب افتقادها للبنية التحتية اللازمة لحماية مواطنيها والأنشطة الاقتصادية- وهي الدول المستهدفة من أغلب تلك التمويلات بالأساس. 

فعلى سبيل المثال، أعلن صندوق المناخ الأخضر (GCF) على موقعه الرسمي ضخ تمويلات لـ 250 مشروع منها 73 في مجال الطاقة النظيفة، إلا أنه بالنظر إلى حجم تمويلات الصندوق التي تخطت بالكاد حاجز الـ 50 مليار دولار في بعض السنوات من أصل 100 مليار مستهدفة سنويا، فلم يتغير وضع التغيرات المناخية حتى الآن، بل إنها في تدهور، إذ صرح أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في شهر مارس من عام 2022 بأن أزمة المناخ قد تجاوزت نقطة اللا عودة. 

والصندوق أُنشئ عام 2010 في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لتوفير المساعدة للدول النامية في مشروعات التكيف لمواجهة تغير المناخ. 

ومشروعات التكيف تشمل توقع الآثار الضارة لتغير المناخ واتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع أو تخفيض الأضرار التي يمكن أن تسببها، ومن أمثلتها تطوير البنية التحتية، وبناء منشآت للحماية من ارتفاع مستوى سطح البحر. بينما تشمل مشروعات التخفيف جعل آثار تغير المناخ أقل حدة عن طريق منع أو تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ومن أمثلتها زيادة حصة الطاقة المتجددة، أو إنشاء نظام تنقل أنظف.

كما لم تنجح مشروعات صناديق التمويل كافة في تغيير خارطة استخدام الطاقة الأحفورية، فلا يزال العالم يعتمد بصورة أساسية على الوقود الأحفوري في أغلب أنشطته.

كانت واحدة من الحجج المستخدمة هي اقتصار أغلب استخدامات مصادر الطاقة المتجددة على توليد الكهرباء عوضا عن استخدامها في الأنشطة الحرارية في المصانع والمحركات التقليدية التي تعتمد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي. إلا أنه بدراسة الوضع لمعدلات إنتاج الكهرباء العالمية تلاحظ بأنه ورغم نمو قطاع الطاقة النظيفة لم يستطع الاستحواذ على الحصة الأكبر من السوق الكهربي. 

فما بين عامي 1985 و2022 لم تزدد حصة قطاع الطاقة النظيفة سوى بنسبة 9% فقط ارتفاعا من 21% إلى 30%، في مقابل تفوق الوقود الأحفوري الذي لم تتضاءل حصته في أي سنة طوال هذه الفترة عن 60% تقريبا.

كما تلاحظ أن أغلب الحصة المكتسبة للطاقة المتجددة لم تأت على حساب الطاقة الأحفورية، بل إنها قد أتت من نصيب الطاقة النووية التي تضاءلت حصتها بسبب السياسات التأمينية التي انتهجتها تباعا العديد من الدول المؤيدة لإغلاق مفاعلاتها. 

يأتي كل هذا وسط تساؤلات تجاه أغلب مشروعات المناخ التي يتم تنفيذها في الدول النامية، فأحيانا تكون المشروعات منفذة بواسطة شركات أجنبية دون نقل حقيقي للتكنولوجيا إلى تلك المجتمعات.

وبالتالي يتم الاعتماد على استيراد الخبراء بصفة مستمرة من جهة واستيراد المواد الخام أو المعدات المطلوبة مما يقلل من فرص استدامة تلك المشروعات، بل ويزيد من حجم انبعاثاتها الكربونية بحكم نقلها عبر آلاف الكيلومترات فيضعها تحت طائلة الغسيل الأخضر. 

 

(إعداد: عمر الحسيني، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا