نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية هذا الأسبوع قراران بدا وكأنهما حلم يحلم به أغلبنا: جمدت الضرائب وأقرت رواتب للعاطلين عن العمل.

نص قرار الضرائب الذي جاء بأمر من رئيس الجمهورية، الأحد، على تجميد الضرائب والرسوم المفروضة على بعض المواد الغذائية، وكذلك إلغاء كل الضرائب والرسوم على التجارة الإلكترونية والهواتف النقالة الفردية والاكتفاء بتعرفة بسيطة، وذلك بدءا من 13 فبراير 2022 وحتى إشعار آخر.

والثلاثاء قال الرئيس في حوار مع الإعلام  إن الحكومة ستصرف اعتبارا من بداية مارس المقبل منح شهرية للعاطلين عن العمل بقيمة 13 ألف دينار (حوالي 100 دولار) للشخص سيستفيد منها 620 ألف شخص.

وقبلها بشهر، أعلنت الجزائر مطلع العام الجاري تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد. 

وتعاني الجزائر من معدلات تضخم مرتفعة -والتي أصبحت وباء مثل كوفيد يعاني منه الدول الغنية والفقيرة. فقد سجلت أمريكا تضخم وصل ل 7.5% وهو الأكبر منذ نحو 40 عام.

ووفق لمشروع ميزانية 2022، تتوقع الجزائر أن تبلغ إيراداتها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة والجمارك نحو 2.858 تريليون دينار جزائري (20.3 مليار دولار أمريكي)،  أي نحو نصف العجز الذي بلغ  4.175 تريليون دينار (نحو 29.7 مليار دولار).

وكانت البلد تعتمد في خطتها لتنويع اقتصادها بعيدا عن عائدات النفط والغاز على إصلاح النظام الضريبي لزيادة الإيرادات الضريبية.

ومع ذلك، وفي هذا الوقت الحرج اتخذت الجزائر هذا القرار الجريء والمفاجئ بشأن الضرائب فلماذا وما التداعيات؟

سببان

يقول ريكاردو فابياني مدير المشروعات بشمال أفريقيا لدى "مجموعة الأزمات الدولية" إن قرار الحكومة الجزائرية بشأن الضرائب يعود إلى سببين؛ "فمن جانب يمثل ارتفاع التضخم مصدر قلق للرئيس، على الأخص في بلد مثل الجزائر، التي لطالما كانت متأثرة بنقص كافة أشكال السلع"، مشيرا إلى أن ذلك الأمر قد يكون له تأثير على الاستقرار السياسي في البلاد.

 بلغ معدل التضخم السنوي في الجزائر 2.4% في عام 2020. وتعاني الأسر الجزائرية بشكل متزايد من ندرة المواد الغذائية، أدت إلى خروج مظاهرات في جنوب البلاد مطلع العام الجاري، وهو ما دفع مجلس الأمة (البرلمان) إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية في يناير للتقصي في أسباب ندرة بعض المواد الغذائية في الأسواق الجزائرية. 

وقال الرئيس الجزائري، يوم الثلاثاء، إن الضغط الذي تعرفه بعض المواد الغذائية الأساسية يرتبط بالجانب "السلوكي" للمواطنين، وليست مشكلة في التموين أو الإنتاج، مضيفا: "في بعض الأحيان يكون هناك نقص في مادة السكر، وأحيانا أخرى نقص في مادة الزيت".

اما المحلل فابياني فيقول إن التضخم يمثل "مشكلة مزمنة" للجزائر إذ يرتبط بالاقتصاد غير الرسمي واحتكار الواردات بشكل كبير، مشيرا إلى أن الظروف العالمية الحالية لا تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلات الموجودة مسبقا. 

>

أما السبب الآخر وراء قرار تجميد الضرائب، وفق لما قاله فابياني لزاوية عربي، فهو أسعار النفط والغاز العالمية المرتفعة التي بدورها "تخفف الضغط على السلطات (الجزائرية) لإدخال تدابير تقشفية وإصلاحات حساسة سياسيا"، وقال: "لذلك فالحكومة يمكنها تحمل تكلفة تجميد الضرائب".

وتعتمد الجزائر على نحو كبير على إيرادات النفط والغاز، التي تمثل أكثر نحو 60% من ميزانية الدولة. 

وتتوقع البلد أن تبلغ صادرات المحروقات 27.9 مليار دولار في عام 2022، بسعر مرجعي 45 دولار للبرميل، بحسب موازنة 2022. وقد قفزت مؤخرا أسعار النفط فوق مستوى 95 دولار في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية ومحدودية المعروض في السوق.

ويضيف المحلل أنه "من المعتاد بالنسبة للحكومة اتخاذ تدابير اقتصادية وفقا لمسار أسعار النفط والغاز"، وقال: "بمجرد أن يكون لدى السلطات مساحة صغيرة للمناورة المالية، فإنها تستخدمها لدعم شرعيتها واستقرارها السياسي من خلال إعادة توزيع (إيرادات النفط والغاز) والتخفيضات الضريبية وما إلى ذلك".

حال الجزائر

مثلها مثل كثير من دول الخليج الأعضاء بمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) تشكل إيرادات الطاقة من النفط والغاز الجزء الأكبر من إيرادات الجزائر.

>

ويعتبر فابياني أن تنويع الاقتصاد بعيدا عن عائدات النفط والغاز "هو تحدي طويل الأمد... سيستغرق الأمر سنوات لرؤية ما يمكن للرئيس والوزراء فعله"، وقال: "حتى هذه اللحظة، الجزائر ما تزال بلد تعتمد كليا على عائدات النفط والغاز".

ولا يحظى النظام الحاكم في الجزائر حاليا برضى الجزائريين المطلق، فقد دأبت المظاهرات على الخروج إلى الشوارع حتى بعد الإطاحة بالرئيس السابق بوتفليقة وبعد فوز تبون في الانتخابات الرئاسية عام 2019 للمطالبة بتغيير أكثر جذرية في صفوف النخبة الحاكمة وبوضع حد للفساد وسيطرة الجيش على السياسة، وللاحتجاج على فشل الدولة في توفير مستوى معيشي لائق.

وتخطط السلطات الجزائرية إلى إدخال إصلاحات ضريبية وإنهاء التهرب الضريبي الذي تقول الحكومة إنه "بلغ مستويات لا يمكن السكوت عنها" وكبد البلاد مليارات الدولارات، وذلك في إطار سعيها لزيادة إيراداتها غير الهيدروكربونية.

غير أن فابياني يرى أن "التحدي الحقيقي هو على المدى البعيد، عندما يٌطلب من السلطات تطوير الاقتصادي غير الهيدروكربوني وتقليل اعتماد البلد على الموارد الطبيعية"، وقال: "حتى الآن، مازلنا ننتظر رؤية نوعية الإصلاحات التي سوف يدخلها الرئيس".

(إعداد: مريم عبد الغني، وقد عملت مريم سابقا في عدة مؤسسات إعلامية من بينها موقع أصوات مصرية التابع لمؤسسة تومسون رويترز وتلفزيون الغد العربي)

(تحرير: ياسمين صالح، للتواصل yasmine.saleh@lseg.com) 

للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا

#تحليلمطول

© ZAWYA 2022

بيان إخلاء مسؤولية منصة زاوية
يتم توفير مقالات منصة زاوية لأغراض إعلاميةٍ حصراً؛ ولا يقدم المحتوى أي نصائح قانونية أو استثمارية أو ضريبية أو أي آراء تتعلق بملاءمة أو قيمة ربحية أو استراتيجية ‏سواء كانت استثمارية أو متعلقة بمحفظة الأعمال . للشروط والأحكام