التوقعات قبل بداية العام أن 2022 كان سيكون عام الطروحات العامة الأولية بأسواق المال العربية. وبعد مرور شهرين تقريباً من عام 2022، قد يتساءل المستثمرون إذا ما كانت تلك التوقعات لا تزال ممكنة في ظل انتشار أوميكرون منذ بداية العام وسخونة التوترات الجيوسياسية مؤخراً بين روسيا وحلف الناتو بخصوص أوكرانيا. 

القدرة أمام الرغبة 

بدأت الحكومات العربية (وخصوصاً في السعودية والإمارات ومصر) في العام الماضي المضي قدماً في تنفيذ برامج الطروحات العامة الأولية لبعض الشركات المملوكة لدولة والتي تم وضعها ضمن قائمة مستهدفة.

والسبب؟ أن طرح مثل هذه الشركات شبه الحكومية يعود على الحكومات العربية بالنفع من حيث خلق سيولة يمكن إعادة ضخها في استثمارات حكومية أخرى أو زيادة رؤوس أموال تلك الشركات لرفع معدلات نموها مع توسيع قاعدة ملكيتها وإعادة تقييم أسهمها حسب السوق لتكون أضعاف قيمتها الدفترية. 

ومع ارتفاع أسعار السلع والنفط وظهور توقعات برفع أسعار الفائدة الأمريكية عدة مرات خلال 2022، نجد الحكومات العربية أمام خيارين، إما أن تسرع بطرح الأسهم قبل أن تصبح حالة الأسواق غير مواتية لطرحها أو ألا تتعجل طرح هذه الأسهم حتى تتضح الأمور فيما بعد. والذي يحدد أي الخيارين تسلكه أي حكومة هو مدى توافق قدرتها مع رغبتها في تحقيق أهدافها. ومما لا شك فيه أن الرغبة موجودة وإلا ما كان ليتم الإعلان عن خطط الطروحات في أول الأمر. ولكن القدرة هي التي قد تتأثر بالمتغيرات العالمية والمحلية والتي تعتمد بشكل كبير على طبيعة السوق المحلية لكل بلد. 

القدرة حاضرة في دول الخليج 

في دول الخليج، رفع أسعار الفائدة الأمريكية سيتبعه حتماً رفع بأسعار الفائدة هناك حيث أنها تربط عملاتها المحلية بالدولار الأمريكي. وهو ما يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض من جهة الشركات فتضغط على ربحيتها وارتفاع تكلفة الفرصة البديلة من جهة المستثمر فيتم تسعير الأسهم بسعر أقل.

ولكن بالرغم من كل ذلك وجدنا السعودية والإمارات مستمرة في تنفيذ الطروحات المزمعة لسبب مهم وهو أن هناك سيولة كبيرة بالسوق تستطيع أن تستوعب مثل هذه الطروحات. على سبيل المثال، تم طرح أسهم موانئ أبو ظبي في أول فبراير الجاري بقيمة 4 مليار درهم إماراتي (1.1 مليار دولار أمريكي). أيضاً، تم طرح أسهم شركة علم وشركة أنابيب الشرق المتكاملة للصناعة وشركة دار المعدات الطبية والعلمية في السعودية خلال أول شهرين بقيمة إجمالية بلغت 3.9 مليار ريال سعودي (مليار دولار أمريكي).

و قد يكون ارتفاع سعر النفط خلال العامين الماضيين أحد أسباب قدرة أسواق الخليج على استيعاب مثل هذه الطروحات مهما كان حجمها، نظراً للرواج الاقتصادي الناتج عن ارتفاع الإيرادات السيادية. 

القدرة غائبة في مصر 

في مصر، يبدو أن الوضع مختلف فبالرغم من نجاح طرح شركة إي فاينانس العام الماضي، وهي شركة مملوكة للدولة، إلا أن السوق المصري لا يزال يفتقد للعمق.

في بداية الأمر، كانت المشكلة هي عدم وجود بضاعة جيدة يمكن أن تجذب رؤوس أموال جديدة للسوق. ولكن بعد الطروحات الأخيرة، أصبحت المشكلة عدم قدرة السوق على استيعاب الطروحات بشكل صحي لا يؤثر على الأسهم المدرجة بالفعل من ناحية ولا يؤثر على الأسهم المطروحة نفسها بعد الطرح من ناحية أخرى.

على سبيل المثال، فشل آخر طرح بالسوق المصري لشركة ماكرو للمستحضرات الطبية الذي بلغ قيمته 1.3 مليار جنيه مصري (فقط 82 مليون دولار أمريكي) لينخفض السهم بنسبة 7 بالمئة في أول يوم تداول ليغلق مؤخراً عند سعر أقل بنسبة 20 بالمئة من سعر الطرح. ويأتي ذلك انعكاساً لعدم قدرة السوق المصري على استيعاب الطروحات الجديدة بهيكل المستثمرين الموجودين حالياً، إذا كانوا أفراد بأفق استثماري قصير للغاية وبفكر مضاربي بحت أو مؤسسات باتت تبحث عن تحقيق العائد السريع مفتقدين الفكر الاستثماري الذي يجب أن يتحلوا به. 

العائد أمام المخاطرة 

ترتفع وتنخفض المخاطر الاستثمارية مع مرور الوقت ولكن حتماً لا يتم التخلص منها كلياً. ولذلك يلعب العائد المتوقع دور كبير في جعل أي فكرة استثمارية جديرة بالاهتمام مقارنة بمخاطرها. بمعنى آخر، يمكن ترويج فكرة استثمارية طالما أن عائدها المعدل حسب المخاطر مرتفع نسبياً. وعندما نتحدث عن الطروحات العامة الأولية، قد يكون مستوى المخاطرة مرتفع لكون السهم الذي يتم طرحه جديد في السوق بدون بيانات تاريخية لقوى العرض والطلب. ولكن عندما تكون الأسهم المطروحة (البضاعة) ذات ثقل في السوق مثل الشركات ذات الحجم الكبير، نجد أن الطلب عليها يكون مرتفع لأن كبر حجم الطرح يشجع المستثمرين—خصوصاً المؤسسات—على الإقبال عليها وحبذا لو كان تقييم تلك الأسهم غير مبالغ فيه. 

الإجابة: تستطيع ... لو 

إجابة السؤال أعلاه هو أن الأسواق العربية تستطيع—بل تحتاج إلى—إنجاح كل الطروحات العامة الأولية التي تم الإعلان عنها (حكومية كانت أو قطاع خاص)، فقط لو أن تقييمات هذه الطروحات غير مبالغ فيها ولو أن المستثمرين في السوق غلبّوا الفكر الاستثماري على الفكر المضاربي. 

(إعداد: عمرو حسين الألفي، المحلل المالي بزاوية عربي ورئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA") 

(للتواصل: yasmine.saleh@lseg.com) 

#مقالرأي