في المقال السابق تحدثنا عن مصادر دخل أندية كرة القدم التي تتنوع بين حقوق البث، مبيعات التذاكر، عقود الرعاية، مبيعات القمصان والمنتجات، وسوق انتقالات اللاعبين. وكان السؤال هنا: هل تحقق أندية كرة القدم مكاسب مالية كبيرة؟ 

قبل الخوض في تفاصيل هذا الأمر، جدير بالذكر أن عدد كبير من الأندية الأوروبية تنشط بالفعل في البورصات المالية كشركات مساهمة، ويتأثر سعر أسهم النادي ارتفاعًا وانخفاضًا بالمردود الذي يقدمه في المسابقات المختلفة التي يشارك بها محليًا وقاريًا.  

كما أن غالبية هذه الأندية يستحوذ عليها عدد من رجال الأعمال في مختلف المجالات ومن مختلف الجنسيات، بل وحتى من خارج القارة الأوروبية. في انجلترا على سبيل المثال، تستحوذ مجموعة FSG الأمريكية على ملكية نادي ليفربول، فيما تملك أسرة جليزر الأمريكية أيضًأ غالبية الأسهم في نادي مانشستر يونايتد، مثلما هو الحال مع رجل الأعمال الأمريكي تود بويلهي الذي استحوذ مؤخرًا على نادي تشيلسي.

بينما تمتلك مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار نادي مانشستر سيتي. وحتى خارج المملكة المتحدة، تمتلك مجموعة قطر للاستثمار الرياضي نادي باريس سان جيرمان الفرنسي.

ويمثل هذا الأمر استثمار إضافي لهذه المجموعات ورجال الأعمال يضمن لهم المزيد من النجاح بجانب أعمالهم الأساسية. 

لكن هل يضمن ذلك تحقيق أرباح مادية؟  

بحسب موقع Kreedon المتخصص في اقتصاديات الرياضة، وفي موسم 2021-22 من الدوري الإنجليزي الممتاز على سبيل المثال، لم تحقق سوى أربعة أندية فقط من بين أندية المسابقة العشرين مكاسب مادية، وهي تحديدًا ليفربول، تشيلسي، نيوكاسل ونورويتش سيتي (رغم ان الأخير هبط في نهاية الموسم للقسم الأدنى). ومع وصول ناديين آخرين هما بيرنلي وأستون فيلا لنقطة التعادل بتساوي الإيرادات مع المصروفات، يعني ذلك أن 80% من أندية المسابقة أنهت الموسم بخسائر مادية. 

وماذا عن باقي الأندية الأوروبية خارج المملكة المتحدة، أو خارج نطاق الدوريات الخمس الكبرى في القارة (الإنجليزي، الإسباني، الألماني، الإيطالي والفرنسي)؟

 لم تحقق غالبية الأندية أرباح بالرغم من أنه نظريًا تبدو هناك زيادة في قيمة المدخلات، إلا أن المصروفات المتنامية بدورها مع زيادة نسبة التضخم - وخاصة في قيمة انتقالات ورواتب اللاعبين - تجعل من تحقيق أرباح مادية أمر صعب لهذه الأندية. 

بصورة عامة، وبحسب المراجعات المالية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، فإن أكثر من نصف الأندية الأوروبية عانت من خسارة في الميزانية مقارنة بالعام السابق.

وفي الوقت الذي تستطيع فيه نسبة قليلة من هذه الأندية التعامل مع الأمر وتعويض الخسائر لأسباب مختلفة، من بينها ثروة المالكين وزيادة قيمة الأسهم ارتباطًا بأداء الفرق في المسابقات المختلفة، إلا أن هناك نسبة قد تتجاوز ال20 % من الأندية معرضة لخطر مالي حقيقي. 

من هذا المنطلق، تسعى هذه الأندية عبر عمل المدير الرياضي والمدير المالي معًا لإيجاد حلول لإنقاذها من أزمات كبيرة محتملة. وتعتمد هذه الحلول على تقييم الإيرادات والتكاليف الخاصة بالأندية، وإدارة رواتب وانتقالات اللاعبين، والحفاظ على نسبة متوازنة بين المبيعات والمشتريات.  

وربما يفسر ذلك الأمر لجوء بعض الأندية للتخلي عن لاعبيها في سوق الانتقالات، للتخلص من فاتورة الرواتب العالية من ناحية، والاستفادة من قيمة الانتقال من ناحية أخرى لموازنة الأمور المالية داخل الفريق. 

وفي الوقت الذي تتعدد فيه مصادر دخل النادي الأخرى - كما ذكرنا سابقًا - بين حقوق البث ومبيعات التذاكر وغيرها، إلا أن كل هذا لا يبدو كافي للأندية لتحقيق أرباح في الوقت الحالي بسبب التعقيدات الكبيرة في عالم كرة القدم من الناحية المالية.

لذلك يبدو اعتماد بعض الأندية على عمليات اكتشاف وتطوير اللاعبين، والاعتماد على أكاديميات النادي الخاصة في إخراج لاعبين يتم الاستفادة منهم في الفريق الأول أو حتى بيعهم بمقابل مادي كبير، يبدو ذلك أمر منطقي بل ومهم في الوقت الحالي. ومن أبرز الأندية التي تعتمد هذا النموذج في السنوات الأخيرة أياكس الهولندي وبروسيا دورتموند الألماني على سبيل المثال. 

على الجانب الآخر، فإن الفشل في تحقيق التوازن المالي يعرض الأندية لخطر شديد، يصل في بعض الأحيان لخصم النقاط بل والهبوط للدرجات الأدنى. حدث ذلك على سبيل المثال في اسكتلندا مع العملاق رينجرز، أنجح الأندية الاسكتلندية وأكثرها تتويجًا بالألقاب، إلا أن ذلك لم يمنعه من الهبوط لأدنى درجات الدوري في عام 2012 بسبب تراكم الديون وعدم نجاح النادي في توفيق وضعه.

وتكرر الأمر في الموسم الماضي مع فريق ديربي كاونتي الإنجليزي العريق، الذي أدت أزمته المادية لخصم 21 نقطة من رصيده على مرحلتين بعد فشله في توفيق أوضاعه، ليهبط في النهاية من دوري الدرجة الأولى الإنجليزي إلى القسم الثالث في المسابقة. 

 

(إعداد: عادل كُريّم، محلل اقتصاديات الرياضة في زاوية عربي والمنسق الإعلامي السابق للاتحاد الإفريقي لكرة القدم)

#مقالرأي

( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)