(هنري جيه. باركي هو مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين. وديفيد إف. جوردون هو مدير تخطيط السياسات سابقا في عهد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والنائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات الوطنية. وهو الآن مستشار لدى مجموعة أوراسيا. والآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤهما الشخصية)

من هنري جيه. باركي وديفيد إف جوردون

30 أغسطس آب (رويترز) - بدأت رياح التغيير تهب على غير المتوقع في أنحاء بلاد الشام.

ففي أعقاب الاتفاق النووي الايراني ثارت توقعات عامة سواء في المنطقة أو في مناطق أخرى أن التوترات والصراعات الطائفية ستزداد حدة وتعمق المعركة الدائرة بالوكالة بين ايران والسعودية. بل إن بعض مناصري الاتفاق النووي الأشداء في الولايات المتحدة شددوا على أن واشنطن تحتاج إلى الرد بجرأة على المسعى الذي ستبذله ايران حتما لتوسيع نطاق نفوذها الاقليمي على حساب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.

غير أن ما نراه على أرض الواقع يبدو أمرا مختلفا تمام الاختلاف. فثمة احتمال متزايد لعقد تحالفات جيوسياسية جديدة في مختلف أنحاء المنطقة.

ومما يخلق سيولة سياسية حقيقية تلاقي الخوف المتنامي في كل من السعودية وايران من الخطر المتمثل في الدولة الاسلامية وضعف نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا والتحول في سياسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا والمصالح المتنامية المشتركة لموسكو وواشنطن في توجيه التنافس السعودي الايراني إلى مسار أقل تصعيدا وكذلك إقامة تحالف واسع ضد الدولة الاسلامية.

ومع تسارع وتيرة التحركات الدبلوماسية يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون لهجوم جاد على الدولة الاسلامية في العراق وسوريا. وسيمكن فتح القواعد الجوية التركية أمام طائرات التحالف سواء التي يقودها طيارون أو التي بدون طيارين الحلفاء من الاعداد لهجوم بري كبير من جانب حلفائهم المحليين لاسترداد الموصل. فقد ظلت ثالث أكبر مدن العراق تحت سيطرة الدولة الاسلامية لأكثر من عام. أما التسابق الموازي على المستقبل السياسي لسوريا وإمكانية ايجاد إطار متفق عليه لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد فمازال في بداياته.

وكان أول مؤشر على أنه يجري الإعداد لحملة دبلوماسية إشادة الرئيس باراك أوباما المقيتة بالدور الروسي في إنهاء المفاوضات الايرانية خلال المقابلة التي أجراها معه الكاتب توماس فريدمان بصحيفة نيويورك تايمز. ورد الكرملين على ذلك بتقليل الدعاية الخبيثة المناهضة لأمريكا والتي هيمنت على الأحداث العالمية منذ ضم شبه جزيرة القرم وفرض العقوبات الغربية في العام الماضي.

ثم كان وزيرا الخارجية جون كيري والروسي سيرجي لافروف في الدوحة مؤخرا لمقابلة قادة خليجيين وتضمن ذلك اجتماعا مشتركا مع نظيرهما السعودي. وتبع ذلك زيارة للرياض قام بها رئيس مخابرات الأسد وإيفاد وزير الخارجية السوري إلى اجتماعات في سلطنة عمان وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تؤيد المعارضين المناهضين للاسد في سوريا تأييدا نشطا.

ومن الأمور ذات الأهمية البالغة للدبلوماسية الجديدة تلك الطفرة في النشاط الدبلوماسي غير المعتاد بين مسؤولين كبار من روسيا والسعودية في الأشهر الأخيرة. ففي أعقاب وفاة الملك عبد الله عاهل السعودية في يناير كانون الثاني سعى الروس لاستكشاف احتمالات المرونة السعودية في سوريا.

وتطلعت القيادة السعودية الجديدة -وهي تتوقع إبرام اتفاق نووي مع ايران وتشعر بخيبة الأمل إزاء الولايات المتحدة- إلى اختبار ما إذا كانت موسكو على استعداد بل وقادرة على التخفيف من السياسة الايرانية الاقليمية. ويتركز اهتمام السعوديين بصفة خاصة على اليمن ذي الأهمية الشديدة للأمن السعودي والذي سيطر عليه متمردون حوثيون معارضون للسعودية بدعم ايراني مباشر في اعتقاد الرياض.

وتنطق السرعة التي أسقطت بها السعودية -على النقيض من اسرائيل- معارضتها النشطة للاتفاق النووي الايراني بالأهمية التي توليها للدبلوماسية الاقليمية الجديدة.

وربما تمنح النجاحات الأخيرة -التي يبدو أنها تحققت للقوة العسكرية التي تقودها السعودية وتسعى لطرد الحوثيين من السلطة- السعوديين الثقة التي يحتاجون إليها لمنح زخم على الارض للحملة الدبلوماسية الجديدة التي بدأت تظهر في المنطقة.

ومن السابق لأوانه الحديث عن الدور الذي تنوي ايران أن تلعبه. وفي المفاوضات النووية مع القوى العالمية الست تم استبعاد القضايا الاقليمية صراحة من المباحثات لتعظيم احتمالات النجاح على الصعيد النووي. لكن من الواضح أن بعض القادة الغربيين لا سيما أوباما كانوا يأملون أن تفسح النهاية الناجحة للمحادثات المجال لدبلوماسية أوسع نطاقا. كما عبر أوباما عن رأيه أن حل الصراع المستمر في سوريا يستلزم مشاركة ايران على مائدة التفاوض مغيرا بذلك موقفه السابق.

ولا يمكن للنظام الحاكم في سوريا أن يستمر دون مساهمات ايران سواء بالرجال أو بالسلاح. ومن ثم يبدو من المستبعد أن تكون المبادرات الأخيرة قد تمت دون رضوخ طهران على أقل تقدير. وفي الاونة الأخيرة أكد العراق الذي ينسق تنسيقا وثيقا مع ايران لوزير الدفاع الامريكي الزائر أشتون كارتر أن ميليشيا سنية ستقوم بدور بارز في الهجوم التالي لاستعادة محافظة الأنبار من الدولة الاسلامية وأن الميليشيات الشيعية ستلعب دورا أقل بروزا. وكانت الولايات المتحدة والسعودية تحثان بغداد على هذا النهج.

ومازال من غير المؤكد ما إذا كانت عناصر ايرانية متشددة وبصفة خاصة الحرس الثوري ستجاري سياسة التعاون لاسيما إذا كانت تلك السياسة قد تعرض للخطر نظام الأسد وبالتالي ميليشيا حزب الله أهم حلفاء ايران. كذلك لن يتخلى الروس بسهولة عن حليفهم الأسد. وكان هذا واضحا في تعليقات لافروف أن رجل سوريا القوي شريك مقبول تماما في مقاتلة الدولة الاسلامية.

وعلى الرغم من الدبلوماسية الأخيرة فمازلنا بعيدين عن تسوية المشاكل المعقدة النابعة من الحرب الأهلية السورية وضعف الدولة العراقية. لكن الاختبار الحاسم سيتمثل في السرعة ومدى النجاح المتحقق في الهجوم التالي على الدولة الاسلامية. ومن المستبعد القضاء على الجماعة المتشددة قضاء مبرما. لكن إذا ما كسرت شوكتها في مساحات واسعة من العراق وسوريا بسرعة نسبيا فسيتحول الزخم وستصبح الدولة الاسلامية خصما ضعيفا إلى حد كبير.

ومن المفارقات أن مثل هذه النتيجة ستجعل نظام الأسد في سوريا أضعف. فمن دون ضغط الدولة الاسلامية ستتحرر قوات المعارضة من عبء خوض حرب على جبهتين.

وتلك هي المفارقة المطلقة أن من خلال تهديد الجميع بمن فيهم الايرانيون والروس سيكون تنظيم الدولة الاسلامية قد نجح في توحيد الكل لهزيمته. ومع ذلك فالثمن بالنسبة للدولتين فيما بعد سيكون زيادة الضغوط عليهما للتخلي عن نظام الأسد.

(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير محمد هميمي)