27 10 2016

بعد عجزٍ تَراكُمي ناهز 10 مليارات دولار

أظهرتْ مؤشرات القطاع المالي في لبنان حيويةً استثنائية كانت كفيلة بأن تقلب الاتجاه العام من تعميق الركود المتفاقم الى زيادات مثيرةٍ لم يسبق للقطاع أن شهد مثيلاً لها حتى في فترات النشاط القوي للاقتصاد قبل العام 2011، وهو الأمر الذي سينعكس تحسناً صريحاً في مقاييس الأداء والربحية للجهاز المصرفي والمالي هذا العام.

لكن هذه الحيوية غير مرشّحة للتمدُّد على الفصل الرابع من السنة، سواء من حيث القيم أو من حيث نسب النمو، كون التقدّم المستجدّ يرتبط حصراً بعملية مبادلة سندات مالية نفّذها البنك المركزي مع المصارف العاملة، بقيمة إجمالية تجاوزت 9 مليارات دولار، مع تحقيق عوائد فورية تتجاوز 3 مليارات دولار، إنما بشرط ضم الجزء الأكبر منها للأموال الخاصة، وتوجيه جزء آخر لتنمية التمويل بالليرة.

فقد سجّل صافي الموجودات الأجنبية لدى القطاع المالي (ميزان المدفوعات) رقماً قياسياً كفائضٍ شهري، بلغ نحو 1.8 مليار دولار في نهاية أغسطس الماضي، وهو الرقم الأعلى للفائض على المستوى الشهري وفق البيانات المالية المتوافرة منذ بداية العام 1993، وهذا ما صوّب مجمل أرقام ميزان المدفوعات لتسجّل فائضاً تراكمياً حتى نهاية الشهر الثامن بمقدار 366 مليون دولار، مقابل عجز قدره نحو 1.65 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي.

وتكمن أهمية هذا المؤشر في الحدّ من استنزاف رصيد العملات الأجنبية بفعل العجز الكبير في الميزان التجاري. فقد ناهز العجز التراكمي لميزان المدفوعات للفترة بين 2011 و2015، مستوى 8.6 مليار دولار، بالتوازي مع انكماش متوسط نمو الاقتصاد الى ما دون 2 في المئة.

ووصل العجز التراكمي إلى نحو 10 مليارات دولار منتصف العام الحالي، قبل أن تتكفل العملية المالية بتصحيح الخلل لهذا العام، ووسط انتعاش الآمال بامكان إنجاز استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يساهم بعودة الزخم الى النشاط الاقتصادي.

وتعتبر مؤسسات التصنيف الدولية أن من أبرز العوامل المقرِّرة لدرجة التصنيف السيادي في أي بلد والنظرة المستقبلية، هي النشاط الاقتصادي، ورصيد الموجودات بالعملات الأجنبية، وتطور المؤشرات المصرفية بما يضمن ضخّ التمويل المطلوب لمصلحة القطاعين العام والخاص، وقدرة البنك المركزي على التحكم بإدارة النقد والسيولة، والأداء المالي العام بما فيه عجز الموازنة إلى جانب مستوى المخاطر السياسية المحلية والإقليمية.

وقد تراجع نمو المؤشرات المصرفية تباعاً في الأعوام الماضية ليصل إلى حدود 5 في المئة سنوياً. وكان من المرجح أن يتخطى هذا المستوى نزولاً السنة الحالية بسبب تَصاعُد التوترات الداخلية، وتَعمُّق الانكماش الاقتصادي، وضغوط أزمة النازحين السوريين.

وكذلك بفعل نشوء صعوبات جدية في أسواق إقليمية مهمة تنتشر فيها وحدات مصرفية لبنانية. وسجّلت أيضاً حركة التحويلات الخارجية التي تضخّ نحو 7.5 مليار دولار سنوياً تَراجُعاً بين 15 و20 في المئة بتأثيرٍ من تَراجُع النمو والأعمال وأسعار النفط والمداخيل في الأسواق العربية والدولية.

إلا انه كان لعملية البنك المركزي أثر صريح على القطاع المصرفي تحديداً، اذ تحسّنت ميزانياته، وزادت خصوصاً أمواله الخاصة. وهذا ما زاد في شكل كبير من قدراته التمويلية، كما رفع كفاءته في وجه متطلبات مهنية وفقاً للمعايير الدولية، الأمر الذي حمل مؤسسات التصنيف الدولية الى رفع تصنيف لبنان، حيث عدّلت وكالة «ستاندرد أند بورز» نظرتها المستقبلية للبنان من سلبية الى مستقرّة بفضل متانة قطاعه المصرفي.

وبالفعل، زاد إجمالي أصول الجهاز المصرفي بشكل صاروخي ومثيرٍ في شهر واحد. فقد ارتفع الاجمالي بنحو 5 مليارات دولار في نهاية شهر أغسطس الماضي، أي بنسبة 2.53 في المئة (شهري)، ليصل إجمالي الميزانية إلى نحو 195.7 مليار دولار، بزيادة نسبتها 5.26 في المئة من بداية السنة الحالية و7.8 في المئة على أساس سنوي (مقارنة بنهاية أغسطس 2015)، وهذه النسبة هي الأعلى منذ العام 2011.

وزادت الودائع الإجمالية بمقدار 5.45 مليار دولار، أي بنسبة 3.53 في المئة منذ بداية السنة، لتصل إلى 160.4 مليار دولار، مقابل 152.8 مليار دولار.

© Al- Rai 2016